يرزح الاقتصاد اللبناني اليوم تحت وطأة اعباء كبيرة يزيدها بلة النزوح السوري الذي حوّل الوجود الى إقامة يخشى ان تصبح دائمة مع وصول الرقم الى المليون والنصف المليون نازح في كل مناسبة يتم تناول هذا الملف.

وان كانت لفتة الدول الى لبنان في إطار تقديم المساعدة له تنحصر بمنحه قروض ومساعدات عينية ، فإن الحل الجذري للمشكلة المتزايدة يبقى بعيداً اقله في المدى المنظور بانتظار عودة هؤلاء الى وطنهم .واللافت في ان المساندة الدولية للبنان تأتيه دائما ً بسلة قروض فيما انه بحاجة الى هبات ومنح ، خصوصاً وان هناك لائحة طويلة من القروض موجودة اليوم في مجلس النواب ولم يعمل على إقرارها او المصادقة عليها فيما ان هناك قسماً آخراً موجود اليوم في مجلس الانماء والاعمار وبحاجة الى بعض الاجراءات الادارية والتقنية.

الجدير ذكره ، ان آخر جلسة تشريعية عقدت في 19تشرين الاول 2016حيث تم إقرار مجموعة من اقتراحات القوانين المالية تلافيا ً من ادراج لبنان على اللائحة السوداء.

ومن المعلوم ان القسم الاكبر من القروض التي حصل عليها لبنان مصدرها البنك الدولي والصناديق العربية . ويمكن القول هنا ان الارتباط الحالي للبنك الدولي من المنح والقروض وغيرها من وسائل التمويل الميسَّر تجاه لبنان وصل إلى ما يقارب 1.3 مليار دولار بعدما خصَّص 200 مليون دولار في مطلع شباط الفائت، لتطوير شبكة الطرق في لبنان وتمويل إصلاح نحو 500 كيلومتر منها في المرحلة الأولى لخطة حكومية أوسع لتجديد قطاع الطرق المتردّي في البلاد.

ويركز البنك الدولي في برنامجه على تأمين التنمية الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل في لبنان مع التركيز ايضاً على اهمية تمويل مشاريع البنية التحتية والإسراع في اشرك القطاع الخاص في المشاريع التي بحاجة اليها القطاع العام.

وفي المقابل، فإن اهمية هذه القروض التي تدخل في الدين العام تكمن في :

اولا: الفائدة المنخفضة المستحقة عليها ، اذ ان البنك الدولي يمنح لبنان اسعار فائدة خاصة باعتباره ذو دخل متوسط . والفائدة هي ما بين 2 و2،5% على القروض طبقاً لتاريخ الاستحقاق ، كما في قطاع التعليم وتحسين شبكة الطرق الفائدة لا تتجاوز نسبة 1،4%.

اما القروض الممنوحة من جهات اخرى مثل المصارف لتمويل مشاريع خدماتية تتراوح بين 6،5% و 7%.

ثانياً: ان هذه القروض تسد العجز القائم في باب النفقات الاستثمارية في الموازنة العامة التي لا تشكل سوى 1،5% من الناتج المحلي.

لماذا لم يتم الإفراج عن هذه القروض وان كانت قيمتها غير محددة؟ وهل هناك خوف من سحبها؟

غبريل

كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والدراسات الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل يقول ان هناك مجموعة قروض محجوزة في مجلس النواب لاسباب محض سياسية. كما ان بعضها ارتبط بالتعطيل المؤسساتي الذي ساد لفترة طويلة في مرحلة الفراغ الرئاسي.

ومن المعلوم ان آخر قرض تمت الموافقة عليه هو قرض مشروع سد بسري الذي اتى بحكم ضرورة التشريع في 26 تشرين الاول 2015 وقيمة القرض هي 474 مليون دولار من قيمة اجمالية هي 612 مليون دولار مع فترة سداد ل 18 سنة وفترة سماح 5سنوات .

ولفت غبريل الى ان البنك الدولي وتجاه اللامبالاة الرسمية بالقروض المقدمة للبنان وغير المصادق عليها في مجلس النواب قد دق ناقوس الخطر واعلم المسؤولين انه لايمكن بعد اليوم إقناع الادارة في واشنطن بإدراج اي قروض جديدة على البرامج المخصصة للبنان اذا لم يتم تشريع القروض الحالية الموجودة في مجلس النواب . وذكر ان الفوائد المستحقة للقروض الممنوحة من البنك الدولي تدخل في الموازنة العامة.

وزني

اما الخبير الاقتصادي غازي وزني فاشار الى ان معظم القروض التي حصل عليها لبنان مصدرها من البنك الدولي والصندوق الكويتي للتنمية وهي لتمويل مشاريع انمائية وبنية تحتية من جسور وشبكات مياه.

وبدوره حمّل الاطراف السياسية مسؤولية عدم الإفادة من هذا التمويل الميسّر ؛فهناك من يريد تحويل وجهة بعض القروض لمصالحه الشخصية ، والبعض يرى فيها اعباء دين جديدة .

كما ان البعض من هذه القروض متوقف في مجلس انماء والاعمار .

واعتبر وزني ان في إقرار هذه القروض الطويلة الامد جدوى اقتصادية خصوصاً وان الفوائد المستحقة عنها هي متدنية. ولبنان بحاجة ماسة الى تنفيذ سلسلة مشاريع استثمارية في كل المناطق لاسيما في البنى التحتية.

اما بعد ، وفي المحصلة، فان القروض الخارجية اصبحت ضرورة ملّحة تدعم اقتصادات الدول ، لاسيما الناشئة وتساعدها على تنفيذ مشاريع مختلفة مع الاختلاف في اولوياتها رغم ان الفوائد المترتبة عنها تدخل في الدين العام . وفي مواجهة اخطار هذا الدين المتفاقم على مدى السنوات في لبنان نجحت هندسة مصرف لبنان في تحسين هيكليّة الدين العامّ اللبناني، إذ تراجعت كلفة الإقتراض كما يتبيّن من خلال إنخفاض معدّلات الفائدة على سندات الخزينة ذات فئة الخمس سنوات وشهادات الإيداع الطويلة الأجل المعنونة بالليرة اللبنانيّة وحسابات الإدّخار لدى مصرف لبنان (time deposits).

ويبقى على لبنان التخلّص من براثن التدخلات السياسية التي تحجب عنه اي خطوة للحصول على قروض ومساعدات خصوصاً وانه عاجز عن تلبية حاجاته بتمويل ذاتي ، وإلا فإن الخوف من عدم مده بعد اليوم باي عون اصبح وشيكاً حتى ولو انه ينشد الهبات .