لم يدرك الشاب العشريني "أسامة.ج" إبن صاحب سلسلة مطاعم دجاج معروفة في أرجاء مدينة طرابلس أنّ إقراضه مبلغ 500 دولار أميركي لشاب جامعي كان يتردد إلى أحد فروع المطعم في منطقة "أبو سمرا" الطرابلسية سيكلّفه كثيراً، مادياً ومعنوياً وحتى آمنياً.

بتاريخ 15 تشرين الثاني 2016 تم القبض على "أسامة.ج" في منطقة القبة على إثر خلاف بسيط حول "ممنوع ركن السيارة أمام المحل" مع شخصين آخرين كانا داخل تلك السيارة فتم إقتياد الجميع إلى مخفر المنطقة لفتح تحقيق عن سبب الخلاف، وكعادة المخافر في لبنان فقد طُلبت نشرته للتأكد من إيجابيتها وعدم وجود أي حكم عليها.

بعد ساعتين من الإنتظار داخل المخفر وصلت نشرة "أسامة" ليتضح أن عليه مذكرة توقيف غيابية منذ شهرين قبل "المشكل" أي في أيلول 2016، لكن المذكرة الغيابية ليست عادية (جنحة بسيطة) بل تفيد بأنه متورط في تمويل تنظيم "داعش" الإرهابي وأن الشخص الذي إعترف عليه بعد وقوعه في قبضة الجيش اللبناني هو "مصطفى.ك" الإرهابي المتورط في تهريب عدداً من شباب المنطقة إلى سوريا والحدود التركية.

إنتقل أسامة من المخفر إلى وزارة الدفاع، وهو المعروف عنه بأنه شاب خلوق جداً، ويتمتع ذويه بسمعة طيبة في المنطقة لما يقدمون من أعمال خيرية ويوزعون أموال الزكاة عن أرزاقهم سنوياً على الفقراء في المدينة الشمالية.

وبعد تحقيقات طويلة وتدوين إعترافات كان قد أكّد من خلالها "أسامة" بأنه بريء مصراً على عدم تمويل "داعش" ولا أي تنظيم آخر، وهم أصحاب صيت طيب في طرابلس ولا يدعمون سوى الفقراء.

ولكن كيف تحوّل الشاب الطيب إلى متهم بتمويل تنظيم إرهابي؟

يقول أسامة في التحقيق معه بحسب الإفادة المدونة لدى النيابة العامة العسكرية بأن "مصطفى.ك الذي كان يدرس في كلية العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية- فرع طرابلس، كان يتردد إلى فرع المطعم في منطقة القبة المجاور للجامعة، وإستمر على مدار خمسة إلى سبعة أشهر يأتي يومياً مع فتيات زميلات له لتناول الغداء، وبحكم أنه زبون محل أصبحت هنالك نوع من العلاقة الطيبة بينه وبين صاحب المطعم أسامة، في وقت لم تظهر على مصطفى أي بوادر أو علامات تشير إلى أنه داعشي".

وبحسب إفادة أسامة "كان مصطفى يعلم أنّ أهل أسامة يفعلون الكثير من الأعمال الخيرية، وأنه شخصياً (أي أسامة) في بعض المرات كان يشعر أن ذلك الشاب لا يستطيع دفع ثمن السندويش فيسامحه به".

في إحدى الأيام جاء إلى المطعم وهو في حالة إرتباك ثم بكى أمامه فسأله عن السبب ليقول له "لقد توفي والدي منذ أسبوع ودفعنا كل ما لدينا لزوم الدفن، ولم يبق معنا مبلغ لدفع إيجار البيت".

وبعد لحظات طلب مصطفى من أسامة إقراضه مبلغ بسيط عبارة عن 500 دولار أميركي كدين على أن يسدد له مبلغ 100 دولار أسبوعياً، فوافق الأخير دون اللجوء إلى كتابة وصل أو تعهد، فأخذ المبلغ ومضى ومنذ تلك اللحظة إختفى مصطفى.

وبحسب التحقيقات التي أجريت مع الموقوف "مصطفى" تبين أنه كان يرسل الأموال التي يجمعها من الناس ومن بعض المتبرعين إلى جانب مبالغ كان يقترضها من أشخاص ثم يتوارى عن الأنظار، ويرسلها إلى تنظيم "داعش" في سوريا كما أنه قام بتهريب عدد من الشبان إلى هناك إلى أن وقع وإعترف وأتى على إسم "أسامة" كونه كان رقم الأخير موجود على هاتفه حينما إتصل ليأخذ المبلغ منه.

وخلال التحقيقات مع أسامة في المحكمة العسكرية أكّد أنه لم يكن يعرف أي شيء عن نشاط مصطفى، وهو زبون مثل أي شخص آخر كذلك حين أعطاه القرض البسيط (وقد وصفه بانه مبلغ لا يموّل تنظيم إرهابي) كان بهدف إنساني وفي لحظة خجل كي لا يجرحه، وإن توقيفه منذ 7 أشهر وتكليف محام متابعة قضيته ومصاريف أخرى في السجن وصلت إلى أكثر من 10 ألف دولار أميركي حتى الساعة مقابل قرض بـ500 دولار أميركي.

ربيع دمج