ربيع دمج

"رغبة التطفّل وحب الإكتشاف دفعاني للإنخراط معهم"، بهذه العبارة برر عبد القادر.أ ذلك الشاب العشريني وابن رجل أعمال معروف جداً في الشمال إنخراطه في صفوف "داعش".

هذا الإنخراط ليس عادياً ولا يشبه انضمام شباب كثر قبله إلى ذلك التنظيم الإرهابي، دوره اقتصر على الترويج الإعلاني والإعلامي لداعش في لبنان، كيف؟

وقف الشاب العشريني أمام قوس العدالة في المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت ليروي إلى رئيسها العميد حسن عبد الله مشواره القصير في عالم "داعش" الإعلامي قائلاً بثقة عالية "نعم هذا صحيح سيدي، أنا كنت أساعد هذا التنظيم في نشر مقاطع الفيديو الخاصة به، وكنت أقوم بأعمال المونتاج لها ثم أضعها على مواقع التواصل الإجتماعي كوني مولع جداً بعالم الميديا ومنذ طفولتي أتابع أخبار السينما والنجوم".

عبد القادر لم يكن يرمي خلال جلسة استجوابه مجرّد "هرطقات" بل فعلاً بدا من خلال إسهابه العميق في الحديث عن تجربته الفنيّة مع التنظيم أن هذا الشاب يمتلك مقوّمات وتقنيات سينمائية نظراً لما يعرفه من أسماء لكبار المخرجين والمصورين العالمين، ناهيك عن خبرته في حركة الكاميرا وتقنيات التصوير، فيقول "منذ طفولتي وأهلي يعيشون معي جو التوتر والقلق لما لديّ من حشرية وحب الإطلاع على المواضيع والحضارات والعادات كافة، وقد عانوا معي بسبب هذ الفضول، لدرجة أن أمي إصطحبتني مرات عدّة إلى معالج نفسي وأنا في سن الطفولة خوفاَ منها عليّ".

عبد القادر، الذي ينتمي إلى عائلة ثريّة في الشمال ووالده يمتلك محلات عدة لبيع الشوكولا والبنّ وغيرها، كما أنه خريج جامعة معروفة جداً في الكسليك، كان ينتمي في السابق إلى الحزب "الشيوعي" فتعلّم مبادئ كارل ماركس وتأثر بـ"تشي غيفارا" منذ كان عمره أربع عشرة سنة، واستمر يسارياً يحتسي الخمر ويعيش حياة طبيعية كأي شاب منفتح ( بحسب قوله) إلى أن بلغ الثانية والعشرين من عمره حين قرر التخلّي عن مبادئ الشيوعية، لكنه لم ينجرف إلى تيار الإرهاب، بحسب ما أدلى به في خلال جلسة الإستماع لأقواله في المحكمة.

شخصيته القوية وثقافته الواسعة دفعت برئيس المحكمة والمدّعي العام العسكري، هاني حجار، لطرح السؤال "كيف قبلت التعاون مع داعش وأنت تقول إنك ضد مبادئهم وتدين أعمالهم، كما أنك شاب مثقف ويساري سابق، كيف استطعت جمع كل هذه التنقاضات".

علامات الإستفهام التي طرحتها المحكمة أجاب عنها "عبد القادر" بأنه شخص مغامر يحب اكتشاف الأشياء الغامضة، ويؤكد بصراحته أنه "انجذب إلى عالم داعش التصويري فقط، كانت تجذبه طريقة تصويرهم وكيفية تنفيذ أعمال المنتجة لمقاطعهم، غير ذلك لا يوجد أي سبب لا عقائدي ولا عسكري ولا أي شيء من هذا القبيل".

في الوقت عينه لا ينكر الشاب أنه قبض مبالغ كبيرة من شخص يُدعى "أبو مصعب السوري" وصله به شاب من طرابلس اسمه "سعد الأحمد" والأحمد هو عرّاب دخوله إلى عالم داعش بعدما أعطاه كتباً وتسجيلات صوتية وأفلاماً عن "داعش"، وبحسب عبد القادر فإنه حصل على خمسة آلاف وست مئة دولار مقابل الترويج لحملة داعش على مواقع التواصل الإجتماعي، كما أنه عمل معهم لفترة ستة أشهر فقط مقابل مبالغ جيّدة ( مع العلم أن عبد القدار ميسور جداً).

كما قبض مبالغ تتراوح بين ست مئة إلى ثماني مئة دولار أميركي مقابل بعض الخدمات التسويقية الخفيفة لهذا التنظيم، كذلك تواصل عبر "السكايب" مع مسؤول في "داعش" يُدعى نزيه حمزة وهو مقيم في الرقة ( سوريا) وقد طلب منه الأخير استلام مبلغ وقدره خمسة آلاف دولار أميركي كي يعطيه لشخص سوري في لبنان ملقّب بالـ"جنرال" وهذا الأخير يسكن في محلة أبو سمرا في طرابلس، وهذا ما حصل وأوصل الأمانة إلى هذا الشخص متحججاً بأن "نزيه حمزة أحرجه جداً وخجل من رفض طلبه، إستلم المبلغ المرسل من سوريا إلى إحدى شركات التحويلات المالية في الشمال ومن ثم أعطاه للـ "الجنرال".

وفي هذا الصدد يجهل عبد القادر السبب وأي جهة مستفيدة من إرسال هذا المبلغ، مؤكداً أن دوره اقتصر كوسيط وليس كممول لداعش.

وينتظر عبد القادر الحكم القضائي بحقه، الذي من المتوّقع صدوره في غضون الساعات الأربع والعشرين القادمة بتهمة أساسية "التواصل مع جهة إرهابية ( دون القتال في صفوفها) والمساعدة في تمويلها".