هي زوجة وأم وناشطة إجتماعية ناجحة، كرّست وقتها وطاقتها وجهدها في سبيل خدمة أطفال بلدها لبنان، بكل صدق وأمانة.

أثبتت على مدى السنوات، رغبتها الكبيرة في العطاء، وإيمانها بالرسالة التي تسعى الى إيصالها، وعزمها على تحقيق أهدافها الإنسانية والإجتماعية.

الكلمة المختصرة التي تصف عملها وتعاملها، هي الإحترام والإنسانية والعزيمة، والإنتقال من خدمة المجتمع فقط، إلى تحسين المستوى العلمي للجيل الصاعد، من أجل الوصول إلى مستقبل مشرق وواعد للبنان وأبنائه.

كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسسة جمعية "Teach a Child"، زينة الخليل، للتعرف إلى مسيرتها المهنية في العمل الإجتماعي، وتطلعاتها المستقبلية، بالإضافة إلى رؤيتها لواقع المرأة اللبنانية.

ما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت إلى ما أنتِ عليه اليوم؟

تخصصت في مجال الهندسة المعمارية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، حيث تعرفت إلى زوجي. فتزوجت في سن العشرين من عمري، وانتقلت بعدها للعيش في أفريقيا.

وفور عودتي إلى لبنان، تخصصت في العلوم الإقتصادية في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، "LAU".

وفي فترة معينة من حياتي، كنت أرى الأولاد المشردين على الطرقات، وكنت أحزن كثيراً لأجلهم، لأن بناتي الأربعة يتعلّمن في أفضل المدارس، ونحن نؤمّن لهنّ تعليمهنّ ومستقبلهنّ، في حين أن هناك أولاداً محرومين من المستقبل، والحلم، والهدف في الحياة.

في العام 2011، قررت مع مجموعة من السيدات، تأسيس جمعية "Teach a Child"، لكي نؤمّن التعليم للأطفال المشردين، ولكل طفل في لبنان غير قادر على ارتياد المدرسة. فنحن نؤمن بقدرتنا على مساعدة الإنسان في العديد من النواحي، لكن الأمر الوحيد الذي يستطيع من خلاله مساعدة نفسه بنفسه، فهو التعليم؛ وبالتالي إذا تعلّم، سيتمكن من العيش بكرامة، ومن تأمين مستقبله بدلاً من أن يبقى عبئا على المجتمع، وينتظر المساعدة منه.

نحن بدأنا بمساعدة التلاميذ حتى سن الخامسة عشرة، الذي يعتبر عمر العمالة في لبنان؛ فبدلاً من أن يبقى في المنزل، أو يتسوّل على الطرقات، أو يتعرض لمخاطر عدة، سيرتاد المدرسة، وسيحصل على الحد الأدنى من المستوى العلمي المطلوب، لكي يتمكن من أن يكون عضواً فاعلاً في هذا المجتمع.

ومنذ العام 2011 وحتى اليوم، شهدنا قصص نجاح عدة، فهناك تلاميذ نجحوا في الشهادة المتوسطة،وأكملنا معهم حتى المرحلة الثانوية، ووجهناهم نحو التعليم المهني. كما هناك تلاميذ نجحوا في الشهادة الثانوية، وتم قبولهم في الجامعات اللبنانية الرسمية والخاصة، وأكملنا معهم المسيرة. ونحن نواكب اليوم كل تلاميذنا الذين ينجحون في المرحلة المتوسطة، وبالتالي أصبحنا نساعد الأولاد من كل الأعمار.

من أين حصلت على التمويل من أجل إطلاق "Teach a Child"؟

في خلال السنة الأول، تبرّع جميع أعضاء الجمعية بمبالغ معينة، وتمكنا من تسجيل مئة تلميذ في المدارس؛ بدأنا من عطائنا الخاص، ومن خلال دعم الأصدقاء المقربين منا، الذين يثقون بنا ويؤمنون برسالتنا.

أما اليوم، فبات لدينا 1311 تلميذاً في 175 مدرسة وجامعة في المناطق اللبنانية كافة. كما أصبحنا نغطي إحدى وعشرين منطقة من لبنان، ونساعد جميع الأطفال بغض النظر عن دينهم، أو منطقتهم، أو جنسهم، أو أدائهم العلمي. فنحن لا نساعد المتفوّقين فحسب، بل نؤمن بأن لكل ولد الحق بالتعلم وبناء مستقبله.

برأيك، ما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان لكي ينجح في العمل الإجتماعي؟

أولاً: يجب أن يحبّ مساعدة الغير،

ثانياً: عليه أن يأخذ المبادرة وينطلق. ففي العديد من المرات نتحدث في المجتمع عن المشاكل القائمة في البلد، ونكتفي بالحديث فقط، دون العمل على إيجاد الحلول.

لذلك، من المهم جدا أن نأخذ المبادرة، لأننا جميعاً نرى الأخطاء والمشاكل الموجودة من حولنا، وبالتالي علينا أن نلتمس الخطأ، ونسعى للوصول إلى طريقة لحلّه وتحسينه؛ وهنا أؤكد أنه لا يجب أن تكون حياتنا "حكي بلا فعل".

فعندما بدأت بالعمل الإجتماعي، فكرت أنني إذا تمكنت من مساعدة شخص واحد وتغيير مجرى حياته، سأشعر حينها بالإكتفاء. لكننا نساعد اليوم 1311 تلميذاً، وعليه، فإننا نشعر بفخر كبير عندما نرى العائلات التي ستبنى في المستقبل بفضل جهودنا.

ما هي الصعوبات التي تواجهك خلال عملك في الجمعية؟

نحن نتلقى الدعم المتواصل من وزارتي التربية والشؤون الإجتماعية، ومن الأفراد، والمؤسسات، والمصارف، لأنه لا يمكن وضع أي علامة استفهام على الموضوع الذي نعالجه، فجميع الناس يؤمنون بالعلم وبضرورة تعليم الأطفال.

لذلك نتواصل كل سنة مع الوزارات، ومكاتب الشؤون الإجتماعية، والنواب المعنيين في موضوع التعليم، ونجد الدعم اللازم منهم، وبالتالي لا نواجه صعوبات.

ولا بد من الإشارة إلى أن عملنا يتوسع يوماً بعد يوم، وقد بدأنا نشعر بعبء تأمين الدعم المادي، لكي نتمكن من الإستمرار مع تلاميذنا؛ وهنا تمكن الصعوبة الأكبر. لكنني أشكر الله على الدعم الكبير الذي نحصل عليه، وأتمنى أن يعطينا القوة لكي نؤمّن الأموال الكافية من أجل استكمال المسيرة.

ما هي طموحاتك المستقبلية؟

يقولون أن التعليم مجاني في لبنان لكن هذا الأمر غير صحيح فعلياً، لأن هناك تكاليف عدة تأتي معه مثل المواصلات، واللباس المدرسي، والكتب، والقرطاسية، ورسم التسجيل،... وبالتالي هناك أعباء لا يستطيع بعض الأهل تحملها.

من ناحية أخرى، لا يزال قانون التعليم الإلزامي حبراً على ورق، حيث نرى عدداً كبيراً من الأولاد على الطرقات. لذلك فإن حلمنا الأساسي يكمن في تطبيق القانون، لكي يصبح العلم في لبنان مجانياً وإلزامياً لكل طفل لم يتجاوز عمره خمسة عشر سنة.

هل شعرت يوماً بالتقصير تجاه عائلتك وحياتك الخاصة بسبب انشغالك بالعمل في الجمعية؟

لم أشعر يوماً بالتقصير بل على العكس أعتقد أنه عندما تبدأ المرأة بالعمل، أيا كان نوعه، تستطيع تنظيم وقتها أكثر، والتنسيق بشكل أفضل بين عملها في المنزل وعملها خارج المنزل، لتكون بذلك قدوة ومثالاً أعلى لأولادها.

فأنا أم لأربع فتيات، وأسعى دوماً لأن أكون مثلهنّ الأعلى، من أجل حثهنّ على أن يكنّ بدورهنّ فاعلات في المجتمع، ويشاركن في العمل التطوعي والخاص، والمجتمع المدني،... ويسهمن بذلك في تطوير مجتمعهن وأنفسهن.

كيف تقيمين وضع المرأة في لبنان اليوم؟

المرأة اللبنانية تقدمت حتماً، فإذا توجهنا إلى المدارس والجامعات، نرى أن عدد الفتيات أكبر بكثير من عدد الشبان، كما أن أداءهن أفضل؛ وهذا يشكل مدعاة فخر بالنسبة لنا.

ولكن لسبب ما، لا تزال المرأة مهمشة في الحياة السياسية وفي العديد من المهن والمجالات، لذلك نتمنى على جميع المسؤولين أن يجدوا الحلول المناسبة؛ فالكل يتحدث عن المشكلة، ولا أحد يسعى لتطبيق الحل على الأرض.

لذلك نأمل أن يأخذ السياسيون المبادرة، لكي تتمكن المرأة فعلا من التقدم وتحقيق النجاحات.

ما هي نصيحة زينة الخليل الى المرأة؟

كل امرأة تستطيع أن تكون عنصراً فاعلاً في المجتمع، لذلك لا يجب أن تستخف بقدراتها؛ فهي قادرة على العطاء في المجالات كافة.

وعندما يأخذ الإنسان مبادرة إنسانية، تجارية، وظيفية، مدنية،... يستطيع العطاء إلى أقصى الحدود. وبالتالي يجب أن تتميز كل امراة بقدرة العطاء، لكي نتمكن من بناء هذا البلد. فنصف لبنان مؤلف من النساء، ونحن بحاجة لهنّ لكي نتمكن من بناء البلد، ونكبر ونتطور فيه.