مازال ملف الإنتخابات النيابية وإقرار قانون جديد منظم للإنتخابات البرلمانية، عالقاً بين الخلافات السياسية والتقسيمات الطائفية والمذهبية، وحتى اليوم لا يوجد أي بوادر إيجابية للوصول إلى حل والخروج من هذا المأزق قبل الدخول في فراغ جديد .. فبعد أن استعمل رئيس الجمهورية نص المادة 59 من الدستور التي تعطيه الحق بتأجيل انعقاد المجلس الى امد لا يتجاوز شهرا واحدا، أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري إنعقاد جلسة مجلس النواب إلى الخامس عشر من الشهر الجاري، على أمل التوصل الى صيغة قانون موحدة تسمح بتمديد تقني ينأى بنا عن الفراغ القاتل الذي يودي بلبنان للانتحار المؤكد.

ولكن هذه المدة شارفت على الإنتهاء، فبعد سبعة أيام تنتهي المهل كافة ونصبح فعليا في الفراغ ... وخلافات السياسيين والزعماء لا تأخذ بعين الإعتبار التداعيات الإقتصادية التي يمكن ان تضرب إقتصادنا الوطني الذي يعاني أساساً من جملة لا تنتهي من المشاكل والعقبات، فالجو الإيجابي الذي ساد بعد إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وطنية، سيذهب أدراج الرياح، خاصة ان المستثمر والمستهلك في حالة ترقب وخوف، والسير دائماً على حافة الهاوية لن يخرج لبنان من أزمته، وسيدفع بإقتصادنا نحو المجهول.

فما هي التداعيات الإقتصادية للفراغ الوشيك في مؤسسة دستورية أساسية كالملجس النيابي؟ وهل يمكن لإقتصادنا أن يتحمل ضربةً أخرى وفراغاً جديداً ؟ ماذا عن موسم الصيف الذي يعوّل عليه الكثيرون؟ وهل يمكن ان نصل إلى الإنهيار الإقتصادي التام ؟ .. أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

ما هي التداعيات الإقتصادية للفراغ الوشيك في مؤسسة دستورية أساسية كالملجس النيابي؟ وهل يمكن لإقتصادنا أن يتحمل ضربةً أخرى وفراغاً جديداً ؟

لا شك أن البلد والإقتصاد لا يمكن ان يتحمل فراغاً جديداً أو ازمة دستورية جديدة، خاصة أننا نعاني من مشاكل كثيرة في السنوات الأخيرة بدءاً من الفراغ الرئاسي مرورا بتراجع القطاعات الإقتصادية كافة وصولا لأزمة اللاجئين وتداعيات الأزمة السورية ككل على لبنان.

من هنا يمكن القول أن الوصول إلى الفراغ سينعكس سلبا بالطبع على الإقتصاد، وخاصة على الإستثمار وحركة الاسواق، فالإستثمارات الجديدة ستتوقف كليا لأن الفراغ في المجلس النيابي ليس مزحة، وعدم وجود مجلس نيابي يعني التوقف كلياً عن التشريع وعن سن قوانين جديدة.

وللأسف ما يجري حاليا من إنقسام حول قانون إنتخابي جديد يظهر بوضوح أن هذا البلد غير قابل للإستمرار والإدارة والحياة، ولا بد من تغيير القواعد المتبعة حاليا .. فالخلاف ليس فقط سياسي بل هو أكبر من ذلك، فهناك خلافات تتعدى قضية المقاعد النيابية وتصل إلى شكل البلد وهويته في المستقبل، وهنا تكمن المشكلة، ففي فرنسا مثلا تمكنوا من حسم الأمور عبر الإنتخابات رغم المشاكل الكثيرة الموجودة لديهم، ولكن في لبنان للأسف لا يمكننا السير على نفس الطريق بسبب الإنقسام الطائفي والمذهبي.

بالتالي نحن بوضع خطير جدا، وإن لم نتمكن من الإتفاق على قانون جديد فالوضع الإقتصادي بخطر، وليس من المنطق أن نسير دائما بالتوافق الكلي بين الجميع، فهذا امر غير ممكن وغير متّبع في أي بلد .. وبهذه الطريقة لن نستطيع الإستمرار.

هل تعتقد ان العودة إلى الفراغ قد ينعكس سلبا على القطاع المصرفي وعلى الودائع ؟

برأيي أن حصول الفراغ لن يؤدي إلى سحب للودائع من المصارف، فلبنان مرّ ببعض الخضات الكبيرة سابقا ولم نشهد أي سحب للودائع أو خروج للرساميل.

ولكن أخشى أن يتطور الإنقسام السياسي الحاصل إلى صدام في الشارع أو إلى توتر أمني، لأن ذلك قد يؤثر على القطاع المصرفي، ويؤدي إلى سحب بعض الودائع وزيادة نسب الهجرة ... ولكن في الوقت الحالي لا أرى أي تأثير خطير على القطاع المصرفي.

كيف سيتأثر موسم الصيف في حال وصولنا للفراغ؟

لا شك ان هذا الخلاف السياسي الحاصل سيؤثر كثيرا على موسم الصيف .. فالناس في حالة ترقب وخوف، وبالتالي أي توتر سياسي سينعكس سلبا على الحجوزات، وسيلغي الكثير من السياح حجوزاتهم.

والأسوأ من ضرب الموسم السياحي هو توقف الإستثمارات كما قلنا سابقا، في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة لإستثمارات جديدة وخلق فرص عمل.

هل يمكن أن نصل إلى الإنهيار الإقتصادي في حال الإستمرار بهذا الوضع؟

لا أعتقد اننا سنصل إلى الإنهيار الإقتصادي التام، فلا شك ان الإقتصاد سيتأثر كثيرا وسيضعف بشكل كبير، لكنه يبقى بعيدا عن الإنهيار خاصة وأن اللبناني يحاول التأقلم دائما مع المتغيرات .. فعند أي خضة أو أزمة يخرج اللبنانيون للعمل في الخارج مما يرفع نسب التحويلات ويساهم في تحريك الأسواق المحلية.

ولكن لا شك ان لبنان بحاجة ماسة لإعادة نظر شاملة بطريقة الحكم الحالية، فالإعتماد دائما على التوافق الكلي بين الأطراف أمر غير مجدٍ، ونحن بحاجة لتغيير هذه العقلية حتى وإن تمكنا غداً من إجراء إنتخابات نيابية، فالحلول الآنية للأزمات لن تحل المشكلة، وسنعود للإصطدام بمشاكل إضافية وعقبات في حال عدم تغيير طريقة إدارتنا للأمور.