بعد التفاؤل الحذر بفعل اقرار مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 28 اذار 2017 ، خطة ​الكهرباء​ المقدمة من وزير الطاقة سيزار ابي خليل ، عادت اجواء التشاؤم باستمرار ازمة هذا القطاع الحيوي ، بسبب اشتعال التجاذبات السياسية وغير السياسية حوله .

وشهدت جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 4 ايار 2017 عودة السجالات فوق وتحت الطاولة بين فريق وزارة الطاقة مدعوما من رئيس الحكومة سعد الحريري ، من جهة ، وبين وزراء كل منحركة امل والقوات ال​لبنان​ية ، لاسباب مخلتفة ، من جهة ثانية . اذ تحت ذريعة ان القانون يفرض العودة الى مجلس الوزراء في كل مرة تطلب فيها اعتمادات اضافية ، اعيد طرح الخطة للبحث ، وخصوصا موضوع استئجار البواخر ، وطريقة تلزيمها .

الاعتراض الاساسي جاء من نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني التي اعتبر ان البواخر لن تصل وتبدأ العمل قبل ستة اشهر ولن تستطيع تأمين الحاجات الاضافية من التيار الكهربائي خلال فصل الصيف ، لذا ينبغي عدم الاستعجال بالاجراءات ، والعودة الى دائرة المناقصات ، مثيرا قضة دفتر الشروط لمناقصة جلب البواخر، وووافقه في ذلك وزير المال علي حسن خليل ووزراء آخرون .

هل هذه الحجة التقنية هي السبب الحقيقي لتأخير الشروع في تنفيذ الخطة ؟

وزير الطاقة سيزار ابي خليل اجاب على كل النقاط المثارة من الوزراء فاوضح انه تمّ تشكيل لجنة في مؤسسة كهرباء لبنان لفضِّ العروض والعودة إلى مجلس الوزراء، مذكّرا بأن المادة 66 من الدستور تعطي الوزير صلاحية التصرّف في كثير من الأمور.

اضاف : ان اكثر من 40 جهة سحبت دفتر الشروط فيما تقدمت 8 جهات للمناقصة. وتشكلت لجنة لدرس الملفات وفضّ العروض، على ان تقدم له هذه اللجنة تقريرا يرفعه الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب .

اما بالنسبة لدفتر الشروط فهو موجود منذ ايام حكومة نجيب ميقاتي، فقد جرت الاستعانة باستشاريين اجانب، وتم وضع دفتر شروط ونموذج عقد للتوقيع وافق عليه حينها مجلس الوزراء، وقال : لقد قررنا اننا سنسير بدفتر الشروط ذاك وعقد التوقيع بحكم الاستمرارية، لا سيما ان العمل على وضع دفتر الشروط استلزم ستة اشهر من العمل في عهد حكومة ميقاتي. واضاف: اذا تركنا هذا الدفتر وقررنا البدء من جديد سنحتاج الى 6 اشهر اضافية واعادة دفع كلفة الاستشاريين، ولا يمكن الاتيان بالكهرباء صيفا".

شروحات ابي خليل بينت ان وزارة الطاقة ملتزمة بالمسلك الاداري والقانوني للحكومات السابقة في هذا الاطار ، والوزير يمارس صلاحياته التي يكفلها الدستور.

هل انتهى الاشكال؟

مصادر التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تنفي ان يكون الخلاف سياسيا ، وتدعو الى عدم تضخيم مجريات جلسة مجلس الوزراء التي يجب ان تبقى محصورة ضمن جدران قاعة مجلس الوزراء ولن تتخطاها، مؤكدة ان النقاش لن يؤثر على متانة الحلف القائم بين الثنائي المسيحي "التيار" و"القوات". وتؤكد ان هذا الحلف مستمر وخصوصا من اجل وضع قانون انتخاب جديد يضمن التمثيل الصحيح للبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا .

وزراء آخرون ، من حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي ، استغلوا طرح الرئيس سعد الحريري لموضوع مناقصة البواخر من خارج جدول الاعمال ، ليدخلوا على خط النقاش والتشويش ، فاعتبروا ان "دفتر الشروط للكهرباء، بالطريقة التي وضع فيها يحد التنافس ويحصره بنوعية معينة من الشركات ولا يسمح بحلول اخرى أقل كلفة وأقل تلوثاً، علما ان "امل" و"الاشتراكي" كانا مشاركان في حكومة ميقاتي التي وافقت على دفتر الشروط هذا.

المحاصصة

الذرائع التقنية قد تكون مفيدة للنقاش وليست بالضرورة ، دائما ، ستارا لخلافات سياسية ، وانما لمصالح غير معلنة ، فتمسك القوات اللبنانية بنظرية اطلاق يد القطاع الخاص في مبناء معامل كهرباء جديدة ، عرضها للاتهام في بعض وسائل الاعلام بانها ستشارك في هذه العملية، وضمان حصتها، وهو ما نفته بشدة .علما ان خطة اشراك القطاع الخاص موجودة منذ العام 2010 ، ولكن الاولوية اعطيت لبناء الدولة معاملها الخاصة ، وقد نجحت جزئيا ببناء معلمين جديدين في الجية والذوق ، وفشلت في تجربة بناء معمل دير عمار 2 لاسباب سياسية بحتة .

التدقيق بمسألة زيادة انتاج الكهرباء يقودنا الى حقيقة مرة وهي ان الاولوية اليوم ليس للشروع بمناقصات او تلزيمات بناء معامل جديدة ، بل لاعادة النظر بالسياسة المالية لمؤسسة كهرباء لبنان ، لان الدولة تبيع الكهرباء بخسارة نظرا لتدني سعرها ، والمؤسسة اليوم غير متحمسة لوضع المعملين الجديدين في الجية والذوق في الخدمة واللذين تصل قدرتهما الى 300 ميغاواط ، لان زيادة التغذية بساعات الكهرباء ستعني زيادة خسائر كهرباء لبنان.من هنا كان اقتراح رفع تعرفة الكهرباء مقابل زيادة ساعات التغذية ، من جهة ، والبت بمصير مشروع مقدمي الخدمات، من جهة ثانية.

هذا ما يعيدنا الى قطاع توزيع الكهرباء والجباية ونزع التعديات ، وتحديدا للمشروع الذي سيضع حدا نهائيا للهدر غير الفني للتيار (السرقة ) ، فالمعروف ان هذا المشروع الذي يتولى الجباية ، حقق نجاحا بنسبة كبيرة ، وفقا للمناطق ، ولكنه بحاجة الى استكمال ، وخصوصا لتحويل الشبكة الكهربائية الى شبكة ذكية ( بتركيب العدادات الذكية على المخارج وللمشتركين ) لتنظيم توزيع واستهلاك الكهرباء بشكل علمي ، وتأمين جباية كاملة لكل هذا الاستهلاك .

المعروف ان مؤسسة كهرباء لبنان جددت عقود شركات مقدمي الخدمات الثلاث ، اربع سنوات ، تبدأ في 1- 1 – 2017 ، ولكن وزارة المال رفضت التصديق على العقود الجديدة ، فاحيل الموضوع الى مجلس الوزراء ، بانتظار ان يدرج على جدول الاعمال لمناقشته وبته . واليوم يستمر مقدمو الخدمات بعملهم لـتأمين استمرارية المرفق العام فقط، من دون ان يتمكنوا من استكمال برامج تطوير وتحسين الشبكة ، واطلاق مسار العدادات الذكية ، وتنفيذ كل بنود المشروع .

تأخير بناء معمل دير عمار 2، وعدم تجديد مشروع مقدمي الخدمات ، هما وجهان لعملة سياسية واحدة ، هدفها رهن قطاع الكهرباء لمشيئة سياسية تعطيلية.

الخلاف الذي ظهر في جلسات مجلس الوزراء ، بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ليس هو الخلاف السياسي ، الذي سيعطل تنفيذ خطة الكهرباء واعادة التيار الكهربائي الى اللبنانيين 24 على 24 ، وانما التعطيل السياسي للكهرباء قائم منذ سنوات ، منذ ما قبل الفراغ الرئاسي الذي دام سنتين ونصف السنة ، وكانت تحركات المياومين احد اسلحته ، وسيستمر ، على ما يبدو، خصوصا اذا دخلت قوى أخرى على الخط وشاركت في التعطيل، من حيث تدري او لا تدري.