تعتبر باتريسيا عيسى من النساء البارزات والمميزات في قطاع التأثير الالكتروني في لبنان ودول الخليج.

هي رائدة أعمال شابة شقت طريقها بثبات حتى أصبحت في وقت قصير، اسما لامعاً في سماء التسويق، وفي عالم الأنترنت الواسع.

قصةعيسى تحمل الكثير من العبر، وخبرتها الحياتية والمهنية تشكل حافزاً أساسياً للتقدم والنجاح، كما أن شخصيتها القوية والجريئة تعطيدفعاً لكل امرأة طموحة، وعازمة على الوصول إلى أحلامها.

فلنتعرف معاً إلى مسيرة صاحبة المدونة الألكترونية "Fashionicia"، والشخصية المؤثرة، باتريسيا عيسى، في هذه المقابلة الخاصة مع "الإقتصاد":

من هي باتريسيا عيسى؟

أنا قادمة من خلفية متنوعة للغاية، إذ أنني حصلت على إجازة في التمويل والموارد المالية من "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، وعلى ماجستر في الشؤون الدولية من "الجامعة اللبنانية الأميركية"، "LAU"، كما أن عائلتي تعمل في مجال العقارات.

وظيفتي الأولى كانت في إدارة وسائل التواصل الإجتماعية، كما عملت كمحررة وشريكة في مجلة، وبالتالي اكتشفت في وقت مبكرشغفي بالتسويق، والصورة، وسرد القصص.

ومنذ ذلك الحين، كل ما فعلته، بداية مع عملي كمؤثرة في نمط الحياة (lifestyle influencer)، مروراً باستلامي الإستشارات الإبداعية لشركة متعددة الجنسيات، ووصولاً إلى تقديم الإستشارات المستقلة في تسويق العلامات الفاخرة لمشاريع عدة؛ هي عوامل وجهتني بطريقة أو بأخرى، للتخطيط لعملي الخاص، الذي سيتم إطلاقه قريباً.

وبالإضافة إلى ذلك، أنا قارئة متعطشة للمواضيع المتعلقة بالتاريخ والسياسات الدولية، وكاتبة ومتحدثة تحفيزية، ومحبة للفنون ولكل ما هو جميل، ومؤيدللحياة المسالمة (zen)، و"مدمنة" على الأزياء والموضة، وشخصية مؤثرة في نمط الحياة (lifestyle influencer).

أين كانت البداية ومتى؟ وكيف تبلورت مسيرتك المهنية حتى وصلت إلى ما أنتِ عليه اليوم؟

إنطلق كل شيء في أواخر العام 2011، حين بدأت بالعمل في مجلة، وتعلّقت بوسائل الإعلام ونمط الحياة. ومن هناك قررت إطلاق مدونتي الإلكترونية الخاصة "www.fashionicia.com"، واستلام مشاريع عدة حول وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتسويق.

ومع نمو م​​​​​​​لفي المهني وتوسعه، قررت التفكير بالأعمال الجدية، لذلك بدأت بالتعاون مع العلامات التجارية كمؤثرة ومستشارة لها. ومن هناك، عمدت إلى إطلاق مشروعي الخاص، الذي أعمل على​​​​​​​إنشائه في الوقت الحاضر.

وأنا أشكر الله لأنني لطالما كنت محاطة بوالدين رائعين، وبأصدقاء وقفوا دائماًإلى جانبي ودعموا طموحي باستمرار.

لماذا قررت الجمع بين مجالات عدة والتخصص في قطاعات متنوعة؟

أنا لا أعلم حقاً كيف حدث كل هذا! لكن اهتماماتي تتوزع بين الأعمال التجارية الدولية، ووسائل الإعلام، والسياسة، والدبلوماسية الدولية، والتسويق. وإذا نظرنا إلى كل تلك المواضيع، نرى أنها تعتمد جميعها، على المجموعة ذاتها من المهارات؛ ألا وهي الإحساس التجاري القوي، ومهارات الإتصال، والحضور المتميز. وبالتالي ليس من الصعب أبدا الجمع بينها.

كيف أطلقت "Fashionicia"؟ ومن أين حصلت على التمويل اللازم للبدء؟

أطلقت "Fashionicia" بشكل عفوي ومفاجئ، فأنا لطالما رغبت في الحصول على مدونتي الألكترونية الخاصة، لكن صديقي المفضل جاد، دفعني وشجعني على القيام بهذه الخطوة.

كما أن والدي دعمني طوال الوقت، واهتم بالنفقات والتمويل، حتى دون أن يعلم ما كنت أقوم به؛ وطالما كانت الثقة بيننا عمياء.

من هم متابعو "Fashionicia"؟ كيف تواجهين المنافسة الموجودة؟ وما الذي يميزك من غيرك؟

متابعو "Fashionicia"هم بالأساس شبان وشابات من لبنان ودول الخليج. فأنا لدي جمهور كبير من الرجال أيضاً، بسبب اهتماماتي في الدراجات النارية والسيارات الرياضية القديمة (muscle cars)، التي أجمعها مع شقيقي.

أما بالنسبة إلى المنافسة، فأنا لا أتنافس مع أحد، بل أميّز! فعندما يطلق الإنسان هويته الإستثنائية، ويستخدم صوته الخاص، يفقد الإهتمام في التنافس ضد أي شخص آخر. كما أنني صاحبة رأي، ولست تجارية، وبالتالي أفضّل السير وفق قواعدي وقوانيني الخاصة.

ولا بد من الإشارة إلى أن شخصيتي الحقيقية والواقعية تميزني من الآخرين. فأنا نادراً ما ألتقط صوراً لملابس لا أخطط لارتدائها، أو لماكياج لست على استعداد للخروج به. كما أنني أعرض المنتجات التي أستخدمها بانتظام، وأتعاون مع العلامات التجارية التي أحبها. وبالتالي لا أنظم حياتي على مراحل، بل أتكلم فقط بشكل عفوي، عن الأمور التي أعايشها يومياً.

وعلاوة على ذلك، أنا أكتب عن مواضيع عدة غير متعلقة بالأزياء ونمط الحياة، وبالتالي أعتبر نفسي "كاتبة" أكثر من "مدونة إلكترونية".حيث إنني لا أتبع الإتجاهات بشكل أعمى، ولا أشعر بالضغط للحصول على صورة معينة لجسمي، كما لا أتأثر بالأفكار النمطية المنتشرة عبر الأنترنت.

هل تمكنت من إيصال اسمك إلى خارج لبنان؟

نعم بالطبع، فأنا غالباً ما تتم دعوتي لحضور مناسبات إقليمية. كما أن العلامات التجارية العالمية تدعوني في الكثير من الأحيان، للسفر إلى دول الخليج، من أجل حضور مناسبات حصرية.

ولكن بصراحة، أنا أهتم بالموضيع الإقليمية أكثر من الدولية، ولهذا السبب أتوجه كثيراًإلى المرأة العربية بالتحديد.

أين ترين نفسك بعد خمس سنوات من الآن؟ ما هي مشاريعك المستقبلية؟ وما الذي تطمحين إلى تحقيقه؟

لا أستطيع الجزم حقاً، نظراًإلى الطريقة العشوائية وغير المخططة التي تبلورت فيها مسيرتي المهنية خلال السنوات الخمس الماضية. لكنني أسعى بكل تأكيد إلى تشغيل أعمالي التي أنا بصدد إطلاقها حالياً، بالإضافة إلى رفع مستوى خدماتي الإعلامية. وكما ذكرت سابقاً، هذه هي خططي المستقبلية، وربما لدي مفاجأتين صغيرتين أيضاً لا أستطيع الكشف عنهما الآن، لكنهما بالتأكيد ذات صلة مباشرة بالجانب الأكثر جدية من حياتي المهنية.

أما طموحي فلا يتلخص في إطلاق عملي الخاص وإدارته فحسب، بل يتوسع ليشمل التأثير من جهة تمكين المرأة العربية؛ وبالتالي فإن كل ما أستطيع القيام به لتمكين المرأة، يندرج تحت طموحي. كما أن هدفي لا يتمحور فقط حول ما يمكنني القيام به، ولكن أيضاًحول ما يمكنني إعطاءه، لكي أترك ميراثي الخاص.

ما هي الصعوبات المهنية التي تواجهك خلال مسيرتك المهنية؟

العمل في سوق صغير يشكل أحد أكبر العقبات التي أواجهها. وهناك صعوبة أخرى، تكمن في أن البعض ليس على دراية جيدة في التسويق الصحيح، ما يعنيأن الناس غالبا ما يفشلون في التعرف على المحتوى القيم، وفي التفرقة ما بين الأمور النافعة، وتلك التي لا أهمية لها.

وبالاضافة إلى ذلك، فإن المؤثرين لا يؤثرون بالناس في المواضيع المهمة حقاً، وهم إما يركزون على عرض أنفسهم، وإما يقومون بأي شيء من أجل اكتساب الشعبية. وهذا الواقع يشكل عقبة كبيرة، لأنه يحدّ من الإحترافية، ومن القيمة المضافة للأمور الحقيقية.

هل واجهت يوماً أي تمييز في إطار العمل لمجرد كونك امرأة؟

لم أتعرض يوماً إلى التمييز لأني امرأة، وذلك ربما بسبب عملي في مجالات تطغى عليها النساء. ومع ذلك، أستطيع القول إنني تعرضت في العديد من المرات، إلى مواقف محرجة، كما تلقيت مقترحات غير لائقة.

برأيك، ما الذي ساعدك على التقدم؟ وما هي الصفات التي تتمتعين بها وأسهمت في نجاحك المهني؟

أنا تقدمت ونجحت من تلقاء نفسي، وبالطبع بفضل دعم والديّ وأصدقائي المقربين.

كما أن شخصيتي وخلفيتي المتنوعة ساعدتني بالتأكيد. وبالتالي يمكن القول إن النجاح هو ثمرة الشخصية القوية، وفرض الوجود، والنهج الجريء، ومهارات الإتصال والإبداع، والمثابرة.

كيف تمكنت من التنسيق بين عملك وحياتك الخاصة؟

في الواقع هذا السؤال مهم للغاية، لأنه لدي رسالة قوية أسعى إلى إيصالها. ففي مرحلة من المراحل، وضعت حياتي الشخصية والعاطفية قبل بعض الخيارات المهنية، وبسبب ذلك أضعت العديد من الفرص، وغيرت جداول سفري، وكنت مقتنعة حينها بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به. ولكن عندما يوجد الرجل مع الخيارات ذاتها، فإن أفضل ما يستطيع فعله هو التحدث، وبالتالي لن يبادر المرأة بالتضحيات ذاتها.

لذلك أنصح كل امرأة أن لا تقوم بما قمت به، لأنني شعرت في ذلك الوقت بخيبة أمل لا أستطيع وصفهاحتى.

ولا بد من الاشارة إلى أنه على المرأة أن تختار الرجل الذي سينحني معها، ويحترم طموحاتها، ولا يضعها أمام خيارات مصيرية. عليها أن تختار الرجل الذي سوف يبذل قصارى جهده لكي يكون معها أينما كانت، وسوف يقوم بأكثر من مجرد الكلام.

على صعيد حقوق المرأة، ما هي المعوقات التي تقف في طريق تقدم المرأة اللبنانية؟

في هذه المرحلة، لا أعتقد أن المرأة تعاني من المجتمع كما كانت في السابق، بل قد تقع ضحية النساء اللواتي لا يؤمنن بأنفسهنّ، وببعضهنّ البعض؛ فبدلاً من أن تدعم المرأة شقيقتها المرأة، تسعى في بعض الأحيان إلى تحطيمها.

ولا بد من الإشارة إلى أنني أتنقل دائما بين لبنان ودول الخليج، وأستطيع القول إلى حد ما، أن معظم الآباء والأشقاء والأزواج يدعمون النساء إلى أقصى الحدود. ولكن رغم ذلك، ما زلنا بحاجة إلى تغييرات قانونية لصالحنا، وإلى المزيد من دعم المرأة للمرأة.

كيف تقيمين دور الرجل في لبنان بشكل عام وفي مسيرتك المهنية بشكل خاص؟

لا أستطيع حقا تقييم دور "الرجل" بشكل عام، لأن كل شخص يرى هذا الدور من خلال بيئته الخاصة، ومستواه العلمي، وطبقته الاجتماعية. وأنا لا أقصد التحدث بشكل عدائي، لكنني أعتقد أن الإختلافات الاجتماعية والإقتصادية تترجم إلى سلوكيات مختلفة؛ ما يعنيأن الرجل سيدعم أو لا يدعم حقوق المرأة ومساواتها، تبعاً لمكانته، ومستواه العلمي، وتربيته. وبالتالي لا يمكنأن نتوقع أن يتغير الرجل الآتي من خلفية تضطهد النساء، بين ليلة وضحاها. وفي الوقت ذاته، ليس هناك ما يدعو للدهشة، عندما يدعم الرجل الناجح والمتعلم المرأة.

فالرجل القوي يدعم المرأة دائماً، وأنا أعرف ذلك لأنني تربيت على يد رجل قوي! كما أن الرجال الذين التقيت بهم خلال مسيرتي المهنية، كانوا في الغالب لطيفين وداعمين، يحترمون المرأة التي يعلمون معها تلقائياً ويقدرونها.

ولا بد من القول إن والدي هو صخرتي، فهو لم يعاملني يوماً كـ"فتاة"، بل أعطاني الحرية الكاملة والثقة العمياء، وبفضله ليس لدي سوى الأمور الجيدة لأقولها عن الرجال؛ لكننيحتما لا أستطيع التعميم في هذا الإطار.

إنما أتمنى حقاً أن يتمكن الآباء من تمكين بناتهم الصغيرات بالطريقة التي مكنني بها والدي.

ما رأيك بالتقدم الذي حققته المرأة في لبنان على صعيد الحقوق؟

إن وضع المرأة في لبنان يشكل مسألة ذات جانبين: الأول يتمثل في ما حققته المرأة لنفسها، والثاني في كيفية قيام النظام القانوني. ففي حين أن المرأة اللبنانية هي رائدة في حياتها المهنية، وترفع اسم لبنان عالياً في المنطقة، يبقى نظامنا القانوني ومجتمعنا الذكوري – في بعض الفئات – يقف عقبة أمام تقدمها.

فأنا لا أستطيع أن أصدق أن المرأة في لبنان هي جراحة دماغ، وأستاذة، ومهندسة، وأم خارقة،...؛ ورغم ذلك تميزها القوانين عن الرجل. ولا أستطيع أن أصدق أن المرأة في لبنان لا تستطيع اعطاء جنسيتها لأولادها، أو الحصول على حضانتهم.

كما لا أستطيع أن أصدق أن الأديان تفرض علينا طريقة معينة لإدارة جوانب رئيسية من حياتنا، بدلاً من قانون مدني عادل.

والمؤسف أن المرأة تشكل أكثر من نصف المجتمع اللبناني، لذلك إذا استطعنا، ولو للحظة، أن ننسى خلافاتنا، وخاصة انتماءاتنا الدينية التي تبقينا في المرتبة الثانية؛ فيمكننا بسهولة أن نغير النظام... لكن النساء لا يعرفن حقا قوتهن الحقيقية!

ما هي نصيحة باتريسيا عيسى للمرأة؟

لا توجد نصيحة عامة تُقَدَّم لجميع النساء، لكنني أطلب من كل امرأة أن تستفيد من إمكانياتها الحقيقية الكاملة، وتتحدى كل ما يقف في طريقها. فالسلطة لا تعطى أبدا، بل تؤخذ دائماً بالقوة.