لا يمكن التكهنّ اذا كان النزول الى الشارع هذه المرة من اجل الدفاع عن اموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سيكون الاخير لهذا الموسم ام سيتبعه تحركات اخرى.

 

هذه المرة عنوان التحرك كان من اجل إلغاء المادتين 54 و 68 الواردتين في مشروع الموازنة العامة للعام 2017 لجهة اعفاء الدولة من زيادات التأخير على الديون المتوجبة عليها والبالغة حتى نهاية العام 2016 نحو 1،900 مليار ليرة، بالاضافة الى ديون المؤسسات العامة البالغة قيمتها 370 مليار ليرة لبنانية والاجازة بتقسيطها دون فوائد ولأجال طويلة، وحصر موجب تقديم براءة الذمة التي يصدرها الصندوق في حالتي التصفية والحل فقط.

 

فرئيس مجلس النواب نبيه بري ارسل اشارات اطمئنان الى رئيس الاتحاد العمالي العام د.بشارة الاسمر الذي التقى به عشية التحرك ووعده من موقعه كرئيس للسلطة التشريعية بحماية مؤسسة الضمان وزيادة إنتاجية هذه الإدارة الوطنية بما يحول دون محاولات إلغائها أو تحويل وارداتها.

 

وفي هذا السياق ، يؤكد الدكتور الاسمر ان التحرك الذي حصل اخيراً كان تحرّكاً كبيراً ، طالما افتقدته الساحة لمدة طويلة، علما ان هناك العديد لم يتمكن من الوصول بفعل قطع الطرقات الذي هو مرفوض . وقال: ان هاتين المادتين تخالفان نظام المحاسبة العمومية وفق المادة الخامسة منه؛ ويقول " للاقتصاد" الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هيئة مستقلة ولا دخل للموازنة العامة به.

 

للأسف، لقد شهدنا على مر المراحل كل محاولات ضرب الصندوق من قبل اصحاب رساميل كبيرة بحيث يفسح المجال لسيطرة شركات التأمين الخاصة.

 

ففي العام 2002، جرى تخفيض الاشتراكات ، وفي العام 2004 لحظ مشروع قانون الموازنة منع التوظيف في المؤسسة . فضلاً عن ذلك، سمح بمد اليد الى فرع تعويض نهاية الخدمة

 

واستعمال امواله بما يقارب 10 مليارات ليرة لسد العجز في فروع أخرى.

 

واليوم جاء اقتراح فتح الصناديق بقرار من مجلس الوزراء، علما ان هذا التدبير ينعكس سلبا على المضمونين واصحاب العمل، ويزعزع الامن الاجتماعي ويفقد الصندوق استقلاله القانوني.

 

فلسفة وجود

 

بالامس ، كان الاستنفار في الشارع دفاعاً عن الضمان الاجتماعي الذي لم يسمح له منذانشائه بترجمة فلسفة وجوده ؛ اذ انه وفق جميل ملك المدير السابق لفرع امرض والامومة فان قانون الضمان الاجتماعي الذي دخل حيذ التنفيذ بالمرسوم رقم 13955 تاريخ 26/9/ 1963 طبقاً لأحكام المادة 58 من الدستور وتعديلاته المتعاقبة، ولا سيما منها التعديل القانوني الشهير بالقانون رقم 16 / 75 تاريخ 11 / 4 / 1975 الذي أعاد صياغة المراحل الثلاث المتعلقة بفئات الخاضعين لأحكامه التي نصت عليها المواد 9 و10 و11 و12 والمادة 11 ودمجها في مرحلة واحدة وفي مادة وحيدة هي المادة 9 بصياغتها الجديدة التي ألغت ضمنياً المواد الخمس السابقة الذكر، وجعلت من مجلس الوزراء وصاحب الصلاحية في اخضاع سائر الفئات اللبنانية على التوالي للضمان الاجتماعي طبقاً لنص الفقرة هـ - البند 1 – المقطع اولاً من المادة 9 الجديدة ونصها: "تحدد بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العمل ( وزير الوصاية) وانهاء مجلس ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبالشروط المحددة فيها فئات سائقي السيارات العمومية والحرفيين وسائر فئات الاشخاص اللبنانيين غير المذكورين في هذه المادة (9) الذين تتبين ضرورة اخضاعهم منذ المرحلة الاولى لبعض او جميع فروع الضمان الاجتماعي".

وبناءً عليه، وفق ملك ، فإن هذا القانون يكون قد صدر مخالفاً لقواعد الصلاحية والاختصاص بتجاوزه لمجلس الوزراء، وجاء مليئاً بالمغالطات والمخالفات والثغر القانونية القاتلة المتعارضة والمتناقضة مع الاحكام والمبادىء التي بني عليها قانون الضمان الاجتماعي لحماية سائر فئات الشعب اللبناني على اختلاف تشكيلاتها الاقتصادية والاجتماعية، ان في تحديد المخاطر وأنواعها، أو في شروط الخضوع الإلزامي (وليس الانتساب كما ذهب اليه هذا القانون) وشروط الاستفادة، وان في التمويل ومصادره وكيفية تحقيق التوازن المالي وديمومته، ودائماً في ظل سيادة مبدأ التكافل الاجتماعي بين قوى الانتاج في التمويل وسائر الفئات الاجتماعية المشمولة بالحماية في التقديمات تبعاً لقاعدة: "من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته".

 

الجدير ذكره ، عندما اطلق "البارون بيفيريدج"Baron William Beveridgeالمشروع الجديد للضمان الاجتماعي في بريطانيا عام 1942 كان يتطلع الى خطوة تستند الى مبدأ التعاضد الاجتماعي وتهدف الى ازالة حال العوز عن جميع المواطنين عن طريق تأمين مدخول كاف يؤمن في أي وقت ما يكفي للعيش. و يكفي أن يكون المواطن بريطانيا للاستفادة من كل التغطية الاجتماعية .

الا انه في لبنان ، النظام الشامل للحماية الصحية والاجتماعية يحتاج للأسف الى اتفاق سياسي غير موجود بعد يطال صلب القوانين.

وتقول المادة الأولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان: "يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق"، ويحدد هذا الاعلان بمادتيه 22 و25 صراحة الحالات التي يجب أخذها في الحسبان للوصول الى وضع صحي جيد للمواطن (تأمين للصحة أو حالات العجز أو الشيخوخة).

المادة 22 : لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية وفي أن تتحقق بواسطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته.

المادة 25 : (1) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة ،وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.

(2) للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بالحماية الاجتماعية عينها سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية.

في البدء، صحيح ان هذه التقديمات كانت مرتبطة بالاشتراكات، لكن البلدان المتقدمة لا تضع حاليا هذه الشروط .

فالضمان صمام آمان في كل البلدان ، فهل هناك اتجاه فعلي لإلغائه في لبنان بعد كل هذه الضغوطات ؟

وهل تعرض مشروع قانون الموازنة العامة لمالية الضمان هو محاولة اخرى لتصفيته؟