كان الأسبوع الأخير من شهر نيسان في لبنان حافلاً بالمظاهرات والإضرابات التي نظمها كل من الضمان الإجتماعي، والإتحاد العمالي العام، وأصحاب الشاحنات، وموظفو مستشفى بيروت، والمياومون ومزارعو التفاح وغيرهم...

تختلف مطالب كل قطاع عن الآخر طبعاً، إلا أن ما يجمعهم هو الوضع الإقتصادي الذي يعيشه لبنان منذ سنوات سئموا فيها من إعطاء الفرص لسياسييهم والمسؤولين (اسماً وليس فعلاً)، إلى حين انطلاق العهد الجديد الذي وعدهم بالإلتفات إلى همومهم وتحقيق طموحاتهم. علّق اللبنانيون كل آمالهم على هذه الوعود إلا أنهم وحتى الآن لم يلمسوا بعد ما يقرب إلى التحسن المعيشي حتى.

ومن أبرز التحركات هذا الأسبوع، من حيث المضمون، كانت تلك التي جمعت القطاعات المرتبطة بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي كافة، وذلك اعتراضاً علىالمادتين: 54 التي تلغي موجب استحصال أصحاب العمل على براءة ذمّة لإثبات تسديد متوجباتهم للضمان، وهي الأداة الوحيدة التي يستعملها الصندوق لضمان التزام أصحاب العمل بتسديد الإشتراكات، والمادة 68 التي تتضمن فقرة تلغي الفوائد المترتبة للصندوق عن تقسيط المبالغ المتوجبة على الدولة اللبنانية تجاه الضمان، وتتضمن فقرة ثانية تمنع فتح صناديق الضمان إلا بقرار مجلس الوزراء.

أما أبرزها شكلاً، فكان إغلاق أصحاب الشاحنات عدداً من الطرق ومنها الدوْلية، كما تعرض بعضهم للمواطنين بالضرب وتكسير السيارات.

ما هي آثار هذه التحركات على الإقتصاد اللبناني؟ هل ستؤثر على السياحة خاصةً وأننا مقبلون على موسم الصيف مع آمال معلقة بعودة الخليجيين؟ وماذا إن دخلنا في مرحلة الفراغ في مجلس النواب إن لم يتم الإتفاق على قانون إنتخابي جديد؟ للإجابة عن كل هذه الأسئلة كان لـ"الإقتصاد" هذا الحديث مع رئيس الرابطة العالمية لخبراء الإقتصاد في لبنان وعميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة، البروفيسور ​روك أنطوان مهنا​:

- أولاً ما رأيك بهذه الإعتصامات التي تشهدها الساحة اللبنانية في اليومين الماضيين؟ ألن تؤثر سلباً على الوضع العام؟

لا شك أن كل من هذه المظاهر من اعتصامات ومظاهرات لها آثار سلبية على الإقتصاد، وخاصة في الوقت الذي كنا نعوّل فيه على السياحة وعلى السياح الخليجيين ، وهم العمود الفقري للسياحة في لبنان.

لذلك، إقفال الطرقات، الإضرابات والتظاهرات على أبواب الصيف ليس مناسباً في هذا الوقت بالتحديد. نحن نعيش على أمل الإنتعاش القريب للإقتصاد، إلا أن هذه المظاهر تبيّن أن هناك عراقيل إقتصادية وإجتماعية وأن الدولة باتت لا تحترم قراراتها، وبشكل انتقائي للأسف، مثل مسألة دفع التعويضات لمزارعي التفاح وهذا غير مقبول." 

- بدأ الحديث عن الفراغ الجديد يلوح في الأفق مجدداً، ماذا برأيك ستكون تأثيرات الفراغ على الإقتصاد؟

من أبرز المسببات للعراقيل الإقتصادية والإجتماعية التي تحدّثت عنها هي قانون الإنتخابات هذا، لأن الأمور العالقة من دون حلول كلها تنتظر هذا القانون.

يجب أن ننجز قانون الإنتخابات ونغلق الباب على هذا الموضوع، ما يسمح لنا بالإلتفات إلى الأمور الإقتصادية ومكافحة الفساد وكل هذه الأمور، وإلا سنفقد جزءاً من الصدمة الإيجابية مع كل حدث شبيه بهذه الأحداث.

كلما بردت هذه الصدمة الإيجابية نتيجة الأحداث في الشارع والفشل في الإستحقاقات السياسية يهبط الإندفاع ونفقد الإيجابية.

يوماً بعد يوم نكتشف أن هناك منظوفة تستفيد من هذا الفساد وتود استمراره، وهنا نحن بحاجة إلى صدمة إيجابية لكسر هذه الحلقة. الموضوع ليس فراغاً سياسياً فنحن لدينا تصريف الأعمال لكن المشكلة أننا اعتدنا على ذلك، والأسوأ من الفراغ هو حالة عدم الإستقرار الذي يفقدنا الدفع الإيجابي ويثير جوًّامن الإحباط يؤثر على المستهلك والمستثمر الداخلي والخارجي.

- اقتربنا من الدخول في الشهر الخامس من العام والإدارات العامة وكما يعلم الجميع تعتمد قاعدة الإثني عشرية في نفقاتها، هل برأيك أن الموازنة ستقر أم أنه من الأجدى التركيز على موازنة العام 2018؟

الموازنة من المفترض أن تقر، بغضّ النظر عن الشوائب الموجودة فيها، ليس فقط من أجل تنظيم النفقات بل لأنها تعيد الثقة إلى المؤسسات الدولية بلبنان، الأمر الذي يعطي دفعة إيجابية داخلياً وخارجياً.

لبنان يعوّل على مساعدات للنازحين السوريين من جهات خارجية، وهذه الجهات تريد أن ترى موازنة لتثق بنا وتمنحنا المساعدات.

وأود أن أشير إلى أنه وبالإضافة إلى قانون الإنتخابات والموازنة هناك العديد من الأمور التي يجب إنجازها من ملف النفط إلى الحكومة الإلكترونية التي يجب أن نضع لها الأطر القانونية والتشريعية لمكافحة الفساد بفعالية.

كما لا يجب أن ننسى إقرار مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يؤمن بعض التمويل للبنى التحتية.

إقرار الموازنة بعد سنوات من غيابها يعطي نفحة أمل وجواً إيجابياً للمستثمر، حتى بغياب الرؤية الإقتصادية التي من المفترض أن تتضمنها. وجود الموازنة أفضل من غيابها من الناحيتين الداخلية والخارجية.

يجب أن ننتهي من موضوع قانون الإنتخابات وندعو لتشكيل خلية أزمة إقتصادية ممثلة من الأفرقاء السياسيين ولكن من خبراء الإقتصاد لنعيد الإنطلاق بهذا البلد، وإلا فإننا نفوّت الفرصة للنهوض.