هو رجل المبادئ وقد تفانى في عمله خدمة لوطنه في المغتربات. عانى الكثير من الصعوبات في لبنان وفي الخارج حيث أسس مستقبله على أربع مراحل بسبب ضياع ما كان قد بدأ به نتيجة الحرب اللبنانية . تخصص في طب الأسنان وعمل بكدّ حتى وصل إلى غايته. غربته لم تحرمه من الشوق إلى بلده الأم فكان متحدثا طليقاً باسم لبنان، فنشر ثقافته بين المغتربين في كندا والعالم من خلال توليه الأمانة العامة العالمية للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ونشط في مجالات اغترابية عدة.

كان لموقع "الاقتصاد" لقاء مع د. نقولا قهوجي المسؤول في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في بريتيش كولومبيا الكندية حيث أطلعنا على مسيرته.

ما هي أبرز المحطات في حياتك الأكاديمية والمهنية؟

في بداياتي كنت أحب أن أنضم إلى الجيش اللبناني فخدمت في الإحتياط في منطقة صور، ولكن الجيش انقسم خلال فترة الحرب فعدت إلى منزلي في بلدة عبرا شرق صيدا، وقررت أن أتبع شقيقي إلى بلجيكا الذي كان يدرس الطب هناك، فسافرت في الباخرة من مدينة صيدا إلى قبرص ومنها إلى فرنسا، وكانت رحلة صعبة جداً. وأقمت في فرنسا لفترة، ومن ثم انتقلت إلى بلجيكا حيث حصلت على إقامة دائمة، ودرست طب الأسنان لخمس سنوات، ومن ثم تخصصت لمدة سنتين متتاليتين، وكنت مع أشقائي الأطباء نساعد بعضنا البعض في الظروف الحالكة،فافتتحت عيادة لي في بلجيكا وكانت "أحوالي" جيدة. أما المحطات الصعبة فكانت عندما قررت أن أعود إلى لبنان، حيث افتتحت عيادتي الخاصة في بلدتي عبرا عام 1983 ولم أكن أعلم أن الحرب ستهجّرني من منطقتي وأخسر منزلي وعيادتي وأعود وأسافر في الباخرة من الناقورة إلى بيروت، وأعود إلى تأسيس كل أعمالي من الصفر. ولكن وللمرة الثالثة تهجّرنا من بيروت وأصيبت عيادتي.عندها هاجرت من لبنان إلى كندا مع زوجتي التي كانت حامل بابنتنا الاولى. ولم نتمكّن من العودة إلى لبنان وبقينا في كندا حيث واجهت مصاعب عدة، منها إعادة دراسة اللغة الانكليزية من جديد،وإعادة فتح عيادة جديدة للمرة الرابعة في فانكوفر. وفي بلجيكا واجهت مع أشقائي مصاعب مالية إذ إن أهلي لم يتمكنوا من إرسال الأموال الوافرة إليناحيثكان والدي موظفاً في الدولة اللبنانية والمال الذي كان يرسله لا تصل قيمته إلى المطلوب بسبب الفرق في العملة. عندها اضطررت إلى العمل في مطعم الجامعة التي تعلمت فيها لمدة ساعة ونصف الساعة، وكما عملت كحارس ليلي في المدينة الجامعية التي عشنا فيها. وكانت أيامنا صعبة بين الدراسة والعمل والأهل والأوضاع الصعبة في لبنان وواجهنا صعوبات كثيرة، ولكن هدفنا كان النجاح رغم كل المصاعب ونجحنا وحققنا كل الأهداف. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأوضاع في لبنان حيث واجهنا مصاعب مالية وإقتصادية، ولكننا بقينا صامدين في وجهها. وقدرنا هو البقاء في كندا.

ما هي الصفات التي تتمتع بها شخصيتك وساعدتك على تخطي الصعوبات؟

من أهم الصفات التي أتمتع بها هي الصدق والإخلاص إذ إنني صديق صادق مع نفسي ومع عائلتي ومع محيطي، وأعيش على المبادئ ولا أترك أحداً، ولا أعمل بمصلحة مع أحد. وأعطتني المثابرة الكثير من العمل، خاصة وأنني أعدت تأسيس عياداتي لأربع مرات متتالية بين لبنان وكندا،وكنت في كل مرة أبدأ من الصفر بدءاً من التجهيز إلى الإفتتاح ولانتظار الزبون الأول وغيرها. وكل ذلك أقوم به عن إخلاص وتفانٍ، ولو على حساب تعبي. كما أشكر أهلي على التربية التي منحوني إياها، لأن الحياة صعبة ولا أحد يعلم ماذا تخبىء له الأيام، وهذا ما حصل معنا بالفعل، حيث حملت لنا مفاجآت صعبة ومزعجة من خلال الحرب والتهجير.

هل حققت ذاتك؟

لا يمكنني أن افصل نفسي كطبيب أسنان عن نفسي كإنسان متعلّق بالهوية اللبنانية، بالتراث اللبناني وبالثقافة اللبنانية. حققت ذاتي كطبيب أسنان ونجحت وعندي خمسة أولاد في الجامعات والمدارس، ومازلنا نسافر سنويا إلى لبنان. وأعمل على إبقاء هذه الهوية في الإغتراب من خلال دوري كمسؤول في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في بريتش كولومبيا. وكنت لفترة أمينا عاماً عالمياً للجامعة الثقافية، وكنت رئيس تحرير مجلة ورقية ومن ثم اصبحت الكترونية وهي "The Lebanese Heritage" او "التراث اللبناني". وهنا احب ان احقق ذاتي اكثر وانشر الثقافة اللبنانية عالمياً بشكل اكبر كي اشعر انني حققت شيئاً فتحقيق الذات ليس بأمر سهل وخاصة اذا كانت مرتبطة بالثقافة والتراث .

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

كنت أعمل لغاية الشهر الماضي ستة أيام في الأسبوع لأنني كنت متعاقداً مع الحكومة الفدرالية في كندا، إلا أنني أوقفت هذا التعاقد وأصبحت أعمل خمسة أيام في الأسبوع، وهذا أمر جيّد خاصة أنني بلغت عامي الستين. وعلى صعيد المشاريع المستقبلية، يبقى لي خمس سنوات للعمل في عيادتي الخاصة على النمط نفسهالذي أتبعه. وبالنسبة للمشاريع على المستوى الثقافي والإجتماعي، أحضر مشروع على مستوى الأمم المتحدة من قبل الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في بريتيش كولومبيا على صعيد الهوية اللبنانية. كما أنني عضو مؤسس في "حركة لبنان بلد الحوار"، حيث سأعمل كي نصل إلى مرحلة أن تعلن الأمم المتحدة لبنان كبلد لحوار الحضارات وحوار الثقافات. وسأضع مجهوداً كبيراً لتحقيق هذا الامر. وعلى الصعيد الشخصي أفكر في أن أتقاعد في لبنان على أن أبقى على اتصال بين لبنان وكندا حيث سيقيم أولادي.

من هو مثلك الأعلى؟

شعاري في الحياة هو "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" وأحاول أن أقوم بأعمالي بشكل صحيح، وأحافظ على علاقاتي بأصدقائي وعائلتي، وما زلت محافظاً على صداقات لي بين بلجيكا وفرنسا وأوروبا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية ولبنان ومازلت على اتصال معهم، كما أنني مازلت عضواً في نقابة أطباء الأسنان في لبنان وعلى اتصال بالجميع. وأحب أن يقال عني إنني رجل مبادئ وبعيد عن الشهرة.

ما هي نصيحتك للشباب اللبناني؟

أنصح الشباب اللبناني بأن يثقفوا أنفسهم ولا يكفي أن يحصلوا على شهادة جامعية، بل عليهم أن يكونوا مثقفين، وأن يتعلموا أكثر عن لبنان وعن تاريخه وحضارته الفينيقية، وكيف استطاع الفينيقيون أن يسيطروا على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط دون الدخول في حروب مع أحد، وذلك بفضل ذكائهم. وأطلب منهم أن يكونوا منفتحين شرط أن يبقوا متشبّثين بتراثهم اللبناني. ألاحظ في هذه الأيام أن الشباب يحبون أن يتقلدوا الشباب الغربي، ولكني أقول لهم أن يحافظوا على التراث اللبناني واحترام العائلة والأهل والإخوة، وأتمنى لهم التوفيق. وأقول لهم إن الهجرة ليست طريق النجاح، فهناك الكثير من الأشخاص الذين لا يملكون سعر ترميم أسنانهم.