خلال زيارة الوفد النيابي اللبناني الذي ضم ياسيـن جابر وآلان عون وباسم الشاب الاخيرة الى واشنطن ومشاركتهفي مؤتمر البرلمانيين الذي نظمه "البنك الدولي" و"​صندوق النقد الدولي​" في مقر الأخير فوجئ النواب بسماع نصيحة من احد المسؤولين هومدير أوروبا في صندوق النقد الدولي جيفري فرانكس حيث قال :"إنه يقدر المصاعب التي تتسبب بها الأزمة السورية، لكن الصندوق ليس لديه أفكار جاهزة لحلول، واقترح فتح سوق العمل أمام السوريين ليساهموا في نمو الاقتصاد بدل استنزاف هذا الاقتصاد كما يحصل اليوم".

وكان الوفد اللبناني أعرب عن تفهمه طريقة عمل الصندوق الدولي وعن تقديره نجاحاته في أكثر من بلد، إنما اعتبر أن الظروف والأعباء الاستثنائية التي يمر بها لبنان نتيجة زيادة عدد سكانه بنسبة 40 في المئة‏ من النازحين السوريين وإغلاق سبل تصدير المنتجات الصناعية والزراعية إلى الأسواق العربية، لا تقارن بالمصاعب التقليدية للبلدان الأخرى، وتجعل برامج صندوق الدولي غير كافية وتتطلب إجابات استثنائية عليها.

لا احد يمكنه تكهّن ابعاد هذه النصيحة، وعما اذا كانت بريئة بدون اي خلفيات ، او تحمل إشارات معينة.

في المطلق، ضاق صدر لبنان بهذا النزوح غير المسبوق في التاريخ الذي تعدى فيه عدد الذين يشملهم ربع سكان لبنان المقيمين. واسفر عن اضرار مختلفة، يكفي القول عن تسببه برفع نسبة الفقر في المجتمع اللبناني الى مرحلة متقدمة وخطيرة.

دخلت الأزمة السورية عامها السابع. وقد وصل إلى لبنان زهاء 1.5 مليون سوري، لجأوا إليه منذ بدء الصراع في آذار 2011. وقد شكل ذلك ضغوطا كبيرة على ماليته العامة وتقديم الخدمات، والبيئة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الأزمة إلى تفاقم أوضاع الفقر بين اللبنانيين، وكذلك إلى اتساع التفاوت في مستوى الدخل. ويُقدر أنه نتيجة للأزمة السورية، بوجه خاص، فإن نحو 200 ألف لبناني آخرين قد سقطوا في براثن الفقر، ليُضافوا إلى الفقراء السابقين البالغ عددهم مليون شخص. وتذهب التقديرات إلى أن ما بين 250 و 300 ألف مواطن لبناني، معظمهم من الشباب ، قد أصبحوا في عداد العاطلين عن العمل.

كل هذه المؤشرات ساهم في تكوينها الى حد ما هذا الوجود السوري ؟ فكيف لو سمح بتشريعه وبفتح ابواب العمل امام النازحين ؟

نحاس

وزير العمل السابق شربل نحاس قال "للاقتصاد": كل الوقائع تثبت ان هؤلاء النازحين يعملون في لبنان ، ولولا ذلك لكانوا ماتوا من الجوع. للاسف نحن كلبنانيين نتعامل مع المسائل المشابهة بخفية بدون التنبه الى الحقائق. وهذا الاجتهاد الذي سمعناه من احد المسؤولين في صندوق النقد مخالف للواقع على الارض. ونحن من جهتنا نعتمد سياسة النأي بالنفس. والموضوع ليس ابداً عند صندوق النقد ، بل عند السلطة التيسمحت في إدخال هذا الكم من النازحين . هؤلاء دخلوا الى لبنان في عهد الرئيس ميشال سليمان وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي ، ومضى على وجودهم 5 سنوات ، والامور تتفاقم والاعباء تتزايد. واذا قلنا ان هناك نسبة 25% من هؤلاء موجودة في سوق العمل اللبناني اليوم فهذا يعني ان ثمة 250 الف عامل سوري في لبنان.

وحتى تاريخه، لا احد من المسؤولين او الاحزاب في الداخل يريد مناقشة الوضوع.

واستغرب كيف ان السياسات العامة المعتمدة لا تلحظ هذا الوجود وخطورته . وكذلك الموازنات الموضوعة لا تتطرق في بنودها له ولكلفته على الاقتصاد والمجتمع.

وتساءل نحاس لماذا يتم تناول الموضوع عند طرحه فقط من قبل الخارج ، من قبل صندوق النقد او غيره... وبالتأكيد ان ما يطرحه المسؤولون فيه يبقى في إطار النظريات ، فهؤلاء غير معنيين بهذه المشكلة بل يتقاضون رواتبهم من الصندوق .

وعن امكانيةهؤلاء بعد ادخالهم الى سوق العمل في تحريك النمو قال: يجب اولا ايجاد الحلول ولاشك ان وجودهم يرفع حجم الاستهلاك، الا انه في المقابل، لا يمكن اغفال نسبة الهجرة عند اللبنانيين الذي يقابله.

الاسمر

اما رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر فيسأل صندوق النقد عن مكان فرص العمل هذه في لبنان. وقال: كل المؤشرات تدل ان فرص العمل معدومة للبنانيين في كل القطاعات الاقتصادية، السياحية والتجارية وغيرها... الا انني لا أمانع في توظيف النازحين في القطاعات التي حددتها وزارةالعمل مثل البناء والزراعة وغيرها.... انما في غير ذلك فهذا الامر مرفوض.

يصف المسؤولون في البنك الدولي ان ازمة اللاجئين هي أسوأ ازمة في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية الى جانب المجاعة التي اجتاحت العالم .

والحق يقال ان كل المبادرات لمساعدة لبنان على تحمّل وزر هذا الوجود بقيت خجولة . لقد شرعت مجموعة البنك الدولي في 14 تموز 2016 في تنفيذ إطار الشراكة الإستراتيجية (للسنوات المالية 2017 – 2022) الخاص بلبنان. وانصب تركيز هذا الإطار، الذي استرشدت عملية إعداده بمجموعة متنوعة من المشاورات واسعة النطاق مع الحكومة والبرلمان ومؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، على: اولاً: تعزيز الحصول على الخدمات والارتقاء بمستواها؛ و ثانياً: توسيع نطاق الفرص الاقتصادية المتاحة وتعزيز رأس المال البشري.

وبناء على هذين المجالين، ستساعد مجموعة البنك الدولي لبنان في التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة السورية، وحماية المكاسب التنموية للبلاد، وتعزيز آفاق الاستقرار والتنمية في السنوات القادمة. وبالتوازي مع ذلك، ستستمر مؤسسة التمويل الدولية في مساندة تنمية القطاع الخاص من خلال الاستثمارات والعمل الاستشاري في القطاعات الأساسية بهدف زيادة فرص العمل والتوظيف. وستواصل الوكالة الدولية لضمان الاستثمار العمل مع المؤسسة لتحديد الفرص المحتملة للمساندة من خلال أدوات الضمان التي تقدمها. ويتداخل محور التركيز الخاص بالإدارة الرشيدة والحوكمة وتجديد العقد الاجتماعي مع إطار الشراكة الإستراتيجية للبنان بغرض استعادة ثقة المواطنين من خلال تعزيز الاحتواء الاجتماعي والاقتصادي، وتعزيز جودة الخدمات العامة. كما يدمج إطار الشراكة المساواة بين الجنسين في اثنين من محاوره، خاصة في مجال توسيع نطاق الفرص الاقتصادية وتعزيز رأس المال البشري.

بالتعاون مع شركاء التنمية الإقليميين والدوليين الآخرين، تستخدم مجموعة البنك الدولي موارد التمويل الميسر لمساعدة لبنان في مواجهة الآثار الناشئة عن أزمة اللاجئين السوريين، وذلك من خلال تخصيص المؤسسة الدولية للتنمية مبلغ 100 مليون دولار لصالح لبنان بصورة استثنائية، وإنشاء البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسر. وبالإضافة إلى الصندوق الائتماني متعدد المانحين الذي تأسس في كانون الأول 2013، يهدف هذا البرنامج إلى إتاحة التمويل، من خلال المنح، لعدد من المشاريع التي ترتبط مباشرة بتأثير الأزمة السورية على المواطنين اللبنانيين.

اما بعد ، ومهما كان حجم الاهتمام الخارجي بهذا الوضع في لبنان، يبقى الخوف والشك قائمين من ان يكون المجتمع الدولي يدفع للبنان فاتورة توطين النازحين غير آبه بارتداداته على اللبنانيين ولبنان هذا البلد الذي دفع الكثير في السابق وما زال ثمن وجود الغرباء على ارضه.