أظهرت ميزانيّة مصرف لبنان إنخفاضاً في الموجودات بالعملة الأجنبيّة بمبلغ قدره 330.15 مليون دولار خلال النصف الأوَّل من شھر نيسان 2017 إلى 39.76 مليار دولار من 40.09 مليار دولار في نھاية شھر آذار.

ومن ناحية أخرى إرتفعت قيمة إحتياطات لبنان من الذھب بـ 409.38 مليون دولار إلى 11.87 مليار دولار وذلك على إثر إرتفاع سعر الذھب إلى أعلى مستوى له خلال خمسة أشھر نتيجة تراجع الدولار الأميركي بعد تصريح الرئيس ترامب بأنّ الدولار أصبح قويّاً جدّاً.

وبذلك يكون إجمالي الإحتياطات (ذھب وعملة أجنبيّة) قد وصل إلى 51.63 مليار دولار مقابل 47.66 مليار دولار في الفترة نفسھا من العام المنصرم، وتشكّل ھذه الإحتياطات 67.82% من الدين العامّ الإجمالي و78.39% من صافي الدين العامّ، كما تغطّي حوالي 124.97 شھراً من خدمة الدين.

ويأتي هذا الإرتفاع نتيجة لسياسات مصرف لبنان المركزي، التي ركزت على رفع الإحتياطات الأجنبية بهدف حماية الليرة وتثبيت سعر صرف العملة الوطنية، إلا أن هذه السياسة واجهت إنتقادات عدة، وظهرت بعض الأصوات التي تيشر بإنهيار الليرة عاجلا أم آجلا في حال إستمرار الوضع الإقتصادي كما هو عليه اليوم.

في المقابل، أبلغت الإدارة الأميركية حاكم المركزي رياض سلامة، إعداد عقوبات مالية جديدة تستهدف شخصيات وشركات متهمة بدعم حزب الله، ستشمل كل مؤسسات الحزب، ما سيؤدي إلى "حشر" المصارف اللبنانية في مأزق يصعب الخروج منه.

فهل الليرة فعلاً في خطر أم أن الكلام الذي يتم تداوله هو مجرد تهويل؟ ماذا عن سياسة مصرف لبنان النقدية والإنتقادات التي تواجهها؟ وهل الإستمرار بسياسة العمل بالنقد دون إعطاء أي إهتماما للوضع الإقتصادي ممكن؟ وكيف سيتصرف مصرف لبنان حيال العقوبات المالية الجديدة على حزب الله؟ ... أسئلة كثيرة أجاب عنها نائب رئيس الجامعة الأنطونية عميد كلية إدارة الأعمال البروفيسور جورج نعمة  في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية هل تعتقد أن الليرة فعلا في خطر؟ أم أن الحديث عن هذا الموضوع هو مجرّد تهويل؟

إذا أردنا ان نتحدث علمياً، فإن العملة الوطنية تكون بخطر في حال إستُنفذت الإحتياطات بالعملات الأجنبية من البنك المركزي، لذلك سعى مصرف لبنان من خلال الهندسة المالية التي بدأها العام الماضي لزيادة الإحتياطات الأجنبية، وتمت عملية "Swap"، أي تبديل سندات بين الليرة والدولار مع مجموعة من المصارف بشرط ان تدخل العملات الأجنبية من الخارج وليس من الداخل.

ولكن بنفس الوقت فإن المستوى التاريخي الذي وصلت إليه الإحتياطات الأجنبية (40 مليار دولار تقريبا) – على الرغم من أنه رقم جيّد – إلا أنه ليس رقم واقعي على الأرض .. فهناك مبالغ كبرى من هذا الإحتياط متحرّكة، وموجودة في السوق بشكل قروض ميسرة، لذلك كان هناك حاجة لزيادة الإحتياطات خاصة وأن ميزان المدفوعات بين عامي 2012 و 2016 كان سلبياً، ووصلت قيمة العجز إلى 10 مليارات دولار، وهذا الرقم إستُنزف من الإحتياطات الأجبية لمصرف لبنان، لذلك كان من الضروري إتباع هندسة خاصة لرفع الإحتياطات من جديد.

في هذا الإطار يمكننا القول أنه في حال إستمرار العجز في ميزان المدفوعات، سيضطر مصرف لبنان للإستمرار بهذه الهندسة المالية في المستقبل، خاصة أنه في سياسة سعر الصرف الثابت تنهار العملة في حال إستنفداذ الإحتياطات الأجنبية .. فهو مختلف عن سياسة سعر الصرف المتحرك الذي يحدد فيه السوق قيمة العملة.

ماذا عن سياسة مصرف لبنان النقدية والإنتقادات التي تواجهها؟ وهل الإستمرار بسياسة العمل بالنقد دون إعطاء أي إهتماما للوضع الإقتصادي ممكن؟

لا شك أن لهذه السياسة إيجابيات في المحافظة على سعر صرف الليرة، ولكن أيضا لها سلبيات كبيرة على الإقتصاد .. فالمحافظة على سعر صرف ثابت يلزمنا برفع الفوائد خاصة على الليرة، وهذا يقتل إمكانية تمويل إستثمارات إنتاجية في البلد، لأن الإستثمار الإنتاجي الذي يتم تمويله بواسطة قروض من المصارف، يجب أن تكون فوائده منخفضة وغير مرتفعة .. وهذا الأمر غير ممكن ظل سياسة سعر صرف ثابت.

لذلك يمكننا القول أن المصرف المركزي نجح في الحفاظ على سعر صرف الليرة، ولكنه لم يصل لغرضة من ناحية تنشيط الإستثمار الإنتاجي وزيادة القدرة الشرائية، فالإقتصاد لم يتحول لإقتصاد منتج، ولم نتمكن من خلق فرص عمل، وبالتالي تدهورت القدرة الشرائية للمواطنين.

فلجنة المؤشر التي تمثل الأطراف الثلاثة للإنتاج (الدولة، الهيئات الإقتصادية، النقابات العمالية) والتي تعطي الرقم السنوي للتضخم (Consumer Price Index) ... أظهرت أن القطاع الخاص والدولة لم يستطيعوا إجراء تصحيح سنوي للأجور لمرافقة الإرتفاع في التضخم .. وهذا يثبت بأن الهدف الذي وُضع قبل تنفيذ سياسات مصرف لبنان، لم نتمكن من الوصول إليه للأسف.

وبالنسبة لإمكانية تغيير السياسة النقدية المتبعة حاليا، فالجواب سلبي، وبإعتقادي لا يوجد إمكانية في الوقت الراهن لتغييرها، لأن العمل على تبديل السياسة النقدية اليوم يحمل مخاطر كبرى في ظل الأوضاع السياسية والامنية غير المستقرة نوعاً ما.

علمياً نحن بحاجة لتغيير السياسة النقدية، ولكن للأسف الوضع السياسي والأمني والظروف الراهنة لا تسمح بذلك.

كيف سيتصرف مصرف لبنان برأيك حيال العقوبات المالية الجديدة على حزب الله؟

العقوبات المالية الجديدة ستطال أشخاص بالإسم، ولن تطال أحزاب وأطراف سياسية بشكل مباشر .. وهنا على مصرف لبنان مواجهة هذا الإستحقاق الجدي والخطر بموضوعية وبطريقة متقنة كما فعل سابقا.

ونحن لن نستطيع رفض القرارات الأميركية، فهذا العالم يحكمه الأقوى إقتصادياً ومالياً، وبالتالي علينا أن نضع ثوابت ومعاير نتعامل من خلالها مع المودعين ومع المصارف .. لأن هذه الطريقة ستمكن مصرف لبنان من ضبط حركة المصارف وتفادي إمكانية تعميم هذه العقوبات والوصول إلى تسكير حسابات عشوائية.

وبنفس الوقت على مصرف لبنان إتخاذ قرار واضح تجاه الإدارة الأميركية، وطلب تبريرات واضحة، كي نتمكن من التصرف بشكل موضوعي وعلمي وواقعي .. فهدفنا الأساسي هو الحفاظ على الإستقرار الداخلي، وليس العمل بطريقة متهورة لإرضاء الأخرين.

كيف تقيّم أداء القطاع الأقتصادي في الأشهر الأربعة الأولى من العام؟

أعتقد ان المشهد لم يتغير كثيراً مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2016، فعلى الرغم من أن بداية العام كانت واعدة بعد إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، ولكن للأسف التعطيل السياسي الحاصل في ملف القانون الجديد للإنتخابات يطال جميع القطاعات، وقد قضى على شهية المستثمر والمستهلك، خاصة أن هناك خوف من الدخول في المجهول.

لذلك نرى ركوداً في الأسواق في الوقت الراهن، على امل أن نتمكن من تخطيها في نهاية الشهر الجاري، ولكن بشكل عام الإقتصاد يُستنزف، ولا يمكن الإستمرار على هذه الحال ليس فقط على المدى البعيد، بل أيضا على المدى المتوسط.