مضى عام تقريبا على البدء بتطبيق خطة الوزير السابق النائب اكرم شهيب والتي قامت اساسا على اقفال مطمر الناعمة وفتح مطمرين بديلين في برج حمود والكوستا برافا ، لاستيعاب نفايات بيروت وجبل لبنان لمدة 18 شهرا فقط ، ما يعني ان ازمة النفايات بدأت تطل برأسها مجددا من دون التفات الحكومة لها ، حتى الآن ، نظرا لانشغالها بلمفات تعتبرها أهم ، كالموازنة وسلسلة الرتب والرواتب ... وقانون الانتخاب .

شهيب مهندس تلك الخطة استغل الجلسة النيابية العامة لمناقشة الحكومة مطلع هذا الشهر ليدق ناقوس الخطر مسبقا ، اي قبل ستة اشهر من امتلاء المطمرين المذكورين ، لافتا الى خطورة ملفّ النفايات، ومحذّراً من الأزمة التي سيولّدها انعدام التواصل بين اللجنة الوزارية المكلّفة معالجة الملف ووزير البيئة في غياب الإعلان عن خطة بعيدة المدى. كما حذر من ان لبنان ذاهب إلى أزمة كارثية عام 2018 في موضوع النفايات، لافتاً إلى أنّ "الساحات المحدّدة لتجميع النفايات تضيق، والكمّيات تتراكم".

هذا التحذير مر مرور الكرام ولم تلتفت الحكومة بعد الى ضرورة عقد جلسة خاصة لايجاد حل دائم لازمة النفايات ، ما يثير التساؤل عن قدرة الدولة وقطاعها العام على ادارة ومعالجة هكذا ازمة ، ام ان المطلوب الاستفادة من خبرات وقدرات القطاع الخاص في هذا المجال .

قد يكون ذلك مطلوبا لان الدولة غير مؤهلة حاليا لايجاد الحلول وتنفيذها ، ويمكنها الاستفادة من تجارب التشركة الناجحة في قطاعات ناجحة مثل الهاتف الخليوي وقطاع توزع الكهرباء ، لاقامة نموذج آخر يقوم على تعاون القطاعين العام والخاص في ملف النفايات. ولكن بداية ينبغي السؤال عن الحل الذي ينبغي اعتماده ، هل هو الطمر ، او الفرز والتدوير ، او الحرق وتوليد الطاقة.

رئيس مجلس ادارة شركة "بوتك" المهندس زياد يونس أكد أن كل الحلول جيدة ، وفي الوقت نفسه يمكن أن تغدو جميعها كارثية. فذلك يعتمد على الجهة التي ستتولى عملية إدارتها وعلى كيفية تطبيقها.

اضاف: "ان أي مطمر صحي للنفايات يعالجها بشكل جيّد عبر عملية هندسية متكاملة حسب مواصفات فنية محددة يمكن أن يحوّل الكسارت البشعة والمناظر الطبيعية المهشّمة إلى أماكن عامة جميلة، في حين أن أي مطمر تتم إدارته بطريقة سيئة وهمجية قد يتحول إلى مكب يشكل خطراً على الصحة والبيئة بتلويث مصادر المياه الجوفية".

كما إن إنشاء مصنع لفزر النفايات لتحويلها إلى أسمدة واستخراج الوقود منها (RDF)، وإدارته بشكل جيّد، سوف يقلص من كمية النفايات بنسبة تتراوح بين الـ60 والـ80 في المئة. ولن يسبب هذا المصنع بأي انتشار للروائح الكريهة بل سوف يندمج مع المشهد الحضاري. أما المصنع المُدار بطريقة سيئة، فسيشكل مرفقاً عديم الفائدة يُنتِج روائحَ كريهة وأسمدةً لا تنفع، فتُرمى في نهاية المطاف في المكبّات؛ وRDF غير مطابق للمواصفات سيترك 80 في المئة من النفايات التي ستُنقل إليه من دون معاجلة لتنتهي في المطامر، كما هي الحال اليوم.

إن الإدارة السليمة لمحطة تحويل النفايات إلى طاقة من خلال استخدام التكنولوجيا الفعالة والمجرّبة، ستنتج الطاقة بتكلفة اقتصادية معقولة بانبعاثات ضئيلة جداً (مقارنةً مع انبعاثات محطة توليد الكهرباء في الزوق، على سبيل المثال) فيمكنها، لأنها طريقة صديقة للبيئة، الإندماج مع مراكز المدن والمباني والضواحي، ولن يشعر بها السكان المجاورون. أما المحطة ذات الإدارة السيئة فستشكّل خطراً على السلامة؛ وستُبنى وفقاً لمعايير تلوّث غير اوروبية وغير مقبولة ؛ أو ستحتوي على بعض التكنولوجيا "المبتكرة" بحيث نصبح فئران تجارب لاختبار اختراعاتهم الجديدة التي قد تنجح في بعض الأحيان ولكنها غالباً ما تفشل. لقد خسرت جينيرال إيلكتريك ، على سبيل المثال ، مليار دولار على محطة أُجبِرت في نهاية المطاف على إقفالها لأن ابتكارها فشل ولم يكن فعّالاً.

وأكد يونس أن الشرط الأساسي والأهم للنجاح أو للفشل في هذا الملف هو الإدارة الجيّدة والبناءة ؛ فالخبرات والتكنولوجيا موجودة وليست معقّدة.

برأي يونس أن حل ازمة النفايات يتطلب اجراءات عدة:

-حرق النفايات وتحويلها إلى طاقة في المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان.

-فرز النفايات وتحويلها إلى أسمدة واستخراج الوقود منها في المناطق الحضرية الأخرى.

-إنشاء مطامر صحيّة في المناطق الريفية.

-تنظيف أكثر من 700 مكب عشوائي على الأراضي اللبنانية كافة.

ولنفترض أن هذا هو الحل المعتمد أو أي حل آخر، فكيف تكون آلية تنفيذه ، وما هو الاطار الذي يسمح بمشاركة فعّالة للقطاع الخاص ؟

- الخطوة الأولى: اختيار هيئة أو إدارة واحدة لإدارة ملف النفايات، ومنحها كامل الصلاحيات في هذا الشأن. فلا يعقل أن يكون القرار لوزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار ومكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية ووزارة الداخلية واللجان الوزارية، ونتوقّع أن نحصل على نتيجة من هذه السلطات مجتمعةً. إذ ليس سهلاً أن نحصل على نتيجة من سلطة واحدة منها، فكيف إذاً لو كانت مجتمعةً، فعندها سيكون الفشل حتميّاً.

- الخطوة الثانية: ان تستقطب تلك الهيئة القدرات البشرية المؤهلة وتضع خطةً متكاملة تُحدِّد فيها بالتفصيل المبادئ التوجيهية لما هو مقبول، ويوافَق عليها من قبل مجلس الوزراء. وبعدها يتوجب على الهيئة أن تلتزم بالخطة الموضوعة بحذافيرها. ما إن نحصل على خطةٍ، يصبح أي حلّ ، ولو لم يكن هو الامثل ، أفضل من اللاحل.

-الخطوة الثالثة: هي اختيار الأراضي للمطامر والمصانع الأساسية. هذا تدبير يمكن للدولة وحدها اتخاذه؛ ويستطيع القطاع الخاص تقديم المساعدة في هذا المجال ولكنه لا يستطيع فرض أي شيء. فالحكومة وحدها تستطيع فعل ذلك ولا يمكنها التنصل من واجبها هذا لأية جهة أخرى. والحكومة وحدها تستطيع اتخاذ القرارات والتعويض على المتضررين ويتوجب عليها فعل ذلك.

- الخطوة الرابعة: تحديد كيفية اشراك القطاع الخاص في الاستثمار والإدارة. وهنا ينبغي وضع شروط صارمة على الشركات المتقدة للمناقصات، مثل ان تكون الشركة المقاولة كبيرة تحافظ على سمعتها من خلال عملها. فلا يجوز أن تمنح مشاريع بـ100 مليون دولار لمقاول يبلغ حجم أعماله 20 مليون دولار. كما يجب أن يكون الطرف المنفّذ هو الطرف المشغّل.

وينبغي أن تكون الشركة الاستشارية كبيرة وذات تجربة وسمعة مرموقتين، وأن يكون المشروع صغيراً بالنسبة إليها، وليس أكبر مشروع تقوم به. وعليها أن تكون قادرة على تقديم تأمين على المسؤولية المهنية بحجم الأضرار التي يمكن أن تنجم من جراء فشل المشروع.

وعلى النحو الأمثل، يجب أن يمثل المشروع استثمارا مشتركا بين القطاع الخاص والادارة العامة، وهذه ليست خصخصة اذ أن نظام الـ PPP يؤمن الشفافية المطلوبة لتقليص فجوة اللاثقة مع المواطنين ، ويؤمن الاستمرارية المطلوبة في القطاع الخاص للاستسثمار في مشاريع طويلة الامد.