هو ليس مشهد ساخر من فيلم أو مسلسل كوميدي بل واقعة حصلت فعلياً داخل مخفر زقاق البلاط بتاريخ 25 تشرين الثاني 2016، حين تنبّه أحد الحراس في السجن أن هناك رنين لهاتف محمول يصدح في أروقة النظارة حيث يمكث الموقوفون بعد القبض عليهم قبل إحالتهم إلى القضاء المختص، وبعد التدقيق والتمحيص إكتشف الحارس أن أحد الموقوفين يحمل هاتفه الذي تم سحبه منه بمجرّد القبض عليه، ولكن كيف وصل الهاتف إلى "حسين.د" الرجل الخمسيني وكيف تحوّل هاتفه إلى مركز سنترال يتصل الموقوفون الآخرون بذويهم مقابل 10 ألف ليرة دفعوها لحسين؟

في تفاصيل الواقعة التي كانت جلستها، يوم الجمعة، داخل المحكمة العسكرية تم إستحضار الرقيب الأول "ماجد.ع" المسؤول الرئيسي عن وصول هاتف حسين إلى غرفته بالنظارة ومن ثم إنتقاله إلى 12 شخص موقوفين معه.

وخلال إستجواب الرقيب الأول ماجد من قبل رئيس المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت قال " أعطيته الهاتف كي يموّه عن نفسه ولكي يسمع أناشيد دينية كونه كان متعباً جداً لا سيّما أن والده لم يمض على وفاته أكثر من أسبوع، شفقت عليه وأعطيته إياه دون أي مقابل مادي لكن سحبت الشريحة منه وأبقيتها معي".

لكن كيف وصلت الشريحة إلى يد "حسين" وأصبح هاتفه أشبه بسنترال نقّال إستفاد منه مادياً إذ قبض 10 ألف ليرة لبنانية عن كل مخابرة يجريها الموقوفون؟

من خلال إستجواب حسين إعترف بأنه طلب من الرقيب متوسلاً أن يعطيه الهاتف للتمويه فقط عن نفسه وليس أكثر وأنه حاول أن يعطيه بعض المال لقاء خدمته وهي عبارة عن 20 دولار أميركي، لكن الرقيب رفض وإمتنع عن إعطائه إياه، ليعود حسين متوسلاً إليه "أنا مثل والدك أرجوك إعطيني إياه ساعتين فقط"، فإقتنع الرقيب وسحب الشريحة لكن بعد ساعتين كان رنين الهاتف يصدح بالمخفر ليتبين أن حسين كان يخبئ الشريحة في حذائه.

وكي يستفيد حسين من إعادة تعبئة خطه بعد ان إستعمله الجميع، طلب من كل شخص يريد الإتصال مرة ثانية دفع مبلغ 10 ألف ليرة كي يتم تعبئة الخط والإستفادة منه في اليوم التالي فوافق الجميع.

وبسؤاله من قبل رئيس المحكمة العميد حسين عبدالله عن السبب الذي دفعه للقيام بذلك واستعمال الهاتف داخل السجن أجاب: "الله يردّ الضربات عنّك سيدنا كان بدّي اطمّن عإمّي بعد وفاة والدي.. كانت بالمستشفى. وكنت أحيانا أستمع إلى أناشيد دينيّة للتمويه عن نفسي." واعترف المتهم أنّه أعطى هاتفه لجميع الموقوفين "تا يفشّو خلقن ويحكو"، وعزا تصرّفه إلى طيبة قلبه، غامزأً إلى طيبة قلب الرقيب أيضاً.

لكن ليس الرقيب والموقوف وحدهما من يحاكما في القضيّة، فإلى جانبهما مثل كلّ من علي ب، جعفر ط، ومحمّد غ ومبين ح، فأكّدوا انّهم استعاروا هاتف "حسين" من أجل مكالمة أمهاتهم، وأقرّ بعضهم بمحادثة زوجته وعمّته وخالته، فيما قام أحدهم بتشريج الخط بالدولارات لمدّة شهر" كي لا يحترق".

ربيع دمج