الكثير الكثير مطلوب من الحكومة خصوصا على صعيد الملفات الأجتماعية التي لها أنعكاس مباشر على حياة المواطن اليومية ...الا أن حكومتنا اليوم في سباق مع الوقت لأنجاز قانون انتخابات يجنب البلاد التمديد المقيت أو الوقوع في الفراغ القاتل:

منذ بدء عملها أنجزت حكومة "استعادة الثقة" القليل القليل وأبرز ما أنجزته أقرار مشروع موازنة 2017 ومرسومي النفط والغاز وخطة الكهرباء ووعدت بسلسلة رتب ورواتب مشروطة بأيرادات ضريبية جديدة وحركت موضوع الدعم الدولي للبنان بسبب عبء النزوح السوري.

كيف تنظر وزيرة المال السابقة د.ريا الحسن الى مشروع موازنة 2017 والى تداعيات أقرار سلسلة الرتب والرواتب...الى ما أنجز وما ينتظر أنجازه خصوصا على الصعيد المطلبي وماذا تقول رئيسة المنطقة الأقتصادية الخاصة في طرابلس عن مساهمة عاصمة الشمال في نمو الناتج المحلي وعن دورها المنتظر في أعادة أعمار سوريا.

الوزيرة د.ريا الحسن أجابت عن كل هذه ألأسئلة في حديث شامل خصت به "الإقتصاد" هذه تفاصيله:

*ذكرت سابقاً انه بمجرد البحث بموضوع الموازنة وإقرارها تعتبر خطوة جيدة نحو الإتجاه الصحيح، ولكن بعيداً عن أهميتها ما رأيك بمشروع الموازنة بصيغته النهائية؟

لا شك انه لا يزال هنالك قراءة اخيرة للموازنة ، ولكن بالنسبة للنسخة الاخيرة التي تم بحثها، انا اعتبرها جيدة جداً لانها تتضمن العديد من الإجراءات التحفيزية التي لم يُسلّط الضوء عليها إعلامياً للأسف، كما تتضمن إجراءات تخفف عبء الضريبة على المواطنين، بالإضافة إلى انها تحمل وعي من كل الأفرقاء السياسيين على ضرورة خفض العجز الذي كان محققاً في العام 2016، إلا ان تبقى العبرة بالتنفيذ.

بالتأكيد هذه الموازنة لن تحل كل المشاكل، خاصة بعد 12 عاماً من الإنتظار، والتوقعات عليها مرتفعة جداً من حيث ان تكون شاملة اكثر للإصلاحات، وبعض التعديلات الضريبية، للأسف لم تأت على هذا النحو لكنها تضمنت إجراءات مهمة جداً، واذا تم الموافقة عليها في مجلس النواب اعتقد انها ستأخذ مساراً إيجابياً على الوضع العام.

*خطر على الدولة

*ذكرت أيضا ان هناك نية عند الأطراف السياسية للبت في المواضيع العالقة، لكن كما نعلم المطالب كثيرة، ونحن الآن نعايش العد العكسي لإقرار قانون إنتخاب الذي له دور اساسي في الاستقرار السياسي الذي ينعكس بدوره على الإقتصاد، فكيف برأيك ستتمكن الحكومة اللبنانية من معالجة كل هذه المواضيع في آن معاً نظراً لضيق الوقت واهمية الملفات المطروحة؟

لنبدأ من فكرة أن التمديد التقني مطروحة، لذا هنالك فرصة للحكومة، إذا ضبطت المناكفات السياسية ان تحل بعض الامور كما حصل في مرسوم اللنفط من فترة وجيزة، بالإضافة الى ملفات الموازنة والكهرباء التي تدرس حالياً بعد جمود تام سيطر عليها لمدة أعوام طويلة.

انا ارى ان هذه المبادرات والخطوات جيدة وعلى الصعيد الشخصي ألاحظ ان هنالك وعي عام من كل الاطراف السياسية إذا لم يتم "حلحلة" العمل على حل بعض الامور خاصة فيما يتعلق بالوضع الإقتصادي، الإجتماعي والمالي هنالك خطر على الدولة.

نلاحظ ايضاً في مجلس الوزراء انهم يحاولون التخفيف من حدة الخلاف فيما بينهم للعمل على العديد الامور بهدف تحقيق انجازات واجراءات ايجابية للمساهمة في نجاح العهد الجديد.

*ما رأيك بالخطوات التي اتختذها الدولة في ملفي النفط والكهرباء؟

لا شك ان مرسومي النفط في غاية الأهمية، لإننا كنا ننتظرهما للمباشرة في إطلاق دورة التراخيص، كما اننا تأخرنا بالنسبة لليونان، قبرص وإسرائيل، لذا آن الأوان لإطلاقها.

وبدأنا اليوم بدورة التراشيح، وإذا بقيت اليوم مستقرة من المفترض ان نبدأ خلال شهر تشرين الأول في إعطاء اول رخصة للتنقيب عن النفط سواء في احد البلوكات او الـ4.

لا يمكننا ان نتأخر أكثر في ملف النفط لأن هذه العملية تأخذ ما يقارب الـ7 أعوام من الوقت. وفي هذه المرحلة علينا ان ندرس علينا ان نسوق لقطاع النفط والغاز اللبناني، لأننا نشهد كيف تسوّق إسرائيل لغازها عبر تركيا إلى اوروبا كما الحال في اليونان وقبرص، لذا بعد إطلاق دورة التراخيص يجب ان يبدأ العمل الجاد على فتح قنوات لتصريف الغاز والنفط، من جهة ثانية علينا ان نأخذ بعين الإعتبار قانون الصندوق السيادي رغم اننا لا نزال في مراحل مبكرة إلا ان على الشركات ان تعرف كيفية إستخدام النفط والغاز داخلياً وخارجياً وآلية إستثمار هذه العائدات، وهل سيسير في طريق النفقات الإستثمارية أم سيتم تخصيص صندوق للأجيال الصاعدة .

بالإضافة إلى قانون الشفافية الذي يعمل عليه حالياً لأن هذه الثروة ستشكل أهم الموارد للأعوام المقبلة، لذا علينا ان نلتزم بأعلى معايير الشفافية الدولية.

اما على صعيد خطة الكهرباء، إذا تبين انه مع وصول فصل الصيف سنعاني من نقص كبير في القدرة الإنتاجية، وبحسب ما تم ذكره ان إستهلاك الطاقة في الصيف (وهو الفصل الاكثر استهلاكاً للطاقة) بالإضافة الى السياح والنازحين تبين الارقام انه ينقص لبنان 1000 ميغاواط على الاقل نقص في القدرة الإنتاجية، لذا من هذا المنطلق علينا وضع حلّ سريع لإنتاج هذه الساعات الإضافية، هل هي البواخر الحل الأمثل؟ بالطبع لا، ولكنها ضرورة لنجاة لبنان من هذه المشكلة في وقت قصير، للأسف كان لا بد من تشغيل المعامل منذ وقت سابق.

خيارنا الاخير هو البواخر،لكن عسى ان لا يبقوا في لبنان الى الأبد!

برأيي عندما يحصل التعاقد مع البواخر يجب ان يُؤخذ قرارا داخل مجلس الوزراء يقضي بمنع التجديد لأكثر من عامين أو ثلاثة إلى حين تواجد معامل جديدة يديرها القطاع الخاص.

لذا العمل على هذا المف يتطلب خطوتين ضروريتين اولهما التعاقد مع البواخر لفترة وجيزة وفي نفس الوقت تلزيم القطاع الخاص من ضمن قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، على ان يبدأ القطاع الخاص في إنتاج الـ1000 ميغاواط الإضافية التي يحتاجها لبنان.

*نشهد اليوم إعتصامات للمطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، برأيك ما هو مصير وتداعيات هذا الموضوع؟

من بعد جلساتي مع البعض الوزراء، يبدو انهم اتفقوا في مجلس الوزراء والنواب على معادلة ثلاثية "رواتب – إيرادات – إصلاحات" كل عنصر منهما مكمل للآخر.

وإن لن تنفذ هذه المعادلة ضمن رؤية موحدة وواضحة لن نشهد أبسطها، إذا إتفق الجميع ان الرواتب هي حق لكل موظفي القطاع العام علينا إيجاد إيرادات، فلا يمكننا تمويل 20% من العجز، سلسلة الرتب و الرواتب تمثل 2000 مليار هي 20% من العجز اللبناني !

لا يستطيع أي بلد أن يموّل هذا الكم الهائل من الإنفاق الإضافي دون فرض ضرائب، نعلم ان علينا ضبط الهدر والتخلص من الفساد لا شك ان هذا المسار ضروري إلا انه طويل الأمد.

*لم لا يتم تمويل سلسلة الرتب والرواتب من الأرباح الإستثنائية للمصارف؟

وضع في الموازنة 1100 مليار، اليوم على المصارف ان تدفع 750 مليون على الأرباح الإستثائية بالإضافة إلى 300

(أعتقد انه يجب ان تكون اكثر من 1100 مليار) وعلى كل حال بالطبع تقدر في الموازنة اليوم الإيرادات من المصارف في الموازنة اكثر مما كانت تدفعه المصارف ، ومن ضمنها الارباح الإستثنائية.

*لا يمكننا ان نلوم المصارف، بل علينا ان نلوم الدولة التي تتكبد عجزا كبيرا ولا تماك أي خيار آخر سوى اللجوء للمصارف

بعض الاشخاص يطالبون بمعدل ضريبي إضافي (فوق المعدلات الطيبيعية) على الارباح الإستثنائية، الأمر الذي أعتبره على الصعيد الشخصي "إزدواج ضريبي" ، فعلى سبيل المثال إذا فرضنا ضريبة نسبتها 15% على 5 مليار دولار ونفرض عليها ضريبة اخرى 5% وهذا غير منطقي. لا يمكننا ان نلوم المصارف، بل علينا ان نلوم الدولة التي تتكبد عجزا كبيرا ولا تماك أي خيار آخر سوى اللجوء للمصارف.

*قدم رئيس الحكومة سعد الحريري حين مشاركته في مؤتمر دعم سوريا والمنطقة في بروكسل رؤية لبنان حيال ملف النازحين السوريين والعبء الاقتصادي الصعب لهذا النزوح ، برأيك هل سيُترجم فعلياً هذا الدعم المعنوي والتفهم الذي شهدناه عبر تصريحات المسؤولين من دول العالم؟

أتمنى ذلك، رغم انني لا املك تطلعات "عالية جدا"ً لأن في مؤتمر لندن لم نحصل على الدعم الكافي، العالم باسره اليوم يُعاني من إرهاق وبات من الصعب اليوم على أي دولة ان تموّل آخرى نظراً للأزمات الإقتصادية العالمية والمتراكمة.

البلاد العربية والاوروبية تعاني من نقص في طفرة الاموال لتمكنها من تقديم الدعم بنفس النسبة (القُدرة) التي كانوا يعتمدونها في السابق كـ"باريس 2" و"باريس 3". لا شك انهم لن يقدموا الدعم بما يُقارب الـ10 او الـ12 مليار دولار أتمنى ان نحصل على ربع هذه القيمة!

*شدد الرئيس الحريري على ضرورة إعادة تأهيل البنية التحتية، من هنا تنبع أهمية قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ورغم كل هذه التصريحات المؤيدة لماذ تأخر هذا القانون؟

هنالك بعض التفاصيل في القانون التي لم يتم الإتفاق عليها حتى الساعة، إلا ان كل الأطراف تعي أهمية إقرار هذا القانون إلا ان "الشيطان يكمن في التفاصيل" كما يُقال، إلا انه اليوم نشهد خروقات إيجابية في المحادثات واتمنى ان يكون هذا أحد الإنجازات التي ستقوم بها الدولة.

اتمنى ان يبصر النور خلال الأشهر القليلة المقبلة.

*كرئيسة للمنطقة الإقتصادية الخاصة بمدينة طرابلس التي تعتبر العجلة الإقتصاد فيها بطيئة، كيف تتم تنمية اقتصاد المنطقة؟

أقيمت فكرة المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس على أساس الإستثمارات، لأن المدينة غير قادرة على إستقطابها، وهذا بسبب فقدان طرابلس للإنماء المتوازن في السابق، كما عانت المدينة من أزمات أمنية متعددة، ومن هذه الأسباب أيضاً الصبغة الدينية الخاصة بطرابلس التي لم تجذب المستثمرين إليها بشكل كبير.

*اذا شهدنا معدلات نمو جيدة في لبنان سيكون جزء كبير منه من مدينة طرابلس؟

المنطقة أقيمت لتكون حافزاً لإستقطاب الإستثمارات، وتضمن العديد من الحوافز المالية والضريبية واليوم باتت المدينة عادت لتروج كمنصة لإعادة إعمار سوريا، وتمتلك طرابلس العديد من الطاقات .

وبرأيي اذا سنشهد معدلات نمو في لبنان سيكون جزء كبير منه من مدينة طرابلس.

*هل تشهد عملية النهوض لمدينة طرابلس أي عراقيل؟

خلال العام الأول كانت بعض العراقيل ناتجة عن "مأسسة" هيئة غير موجودة من الأساس، ووضع كل الإجراءات المطلوبة، اليوم الموازنة باتت موجودة وهي بمعدل 2 مليار ولكن الصرف يتم على اكثر من عام، وإذا إحتجنا اموال اضافية عندها نبحث موضوع صرف المبلغ الإضافي من وزارة المالية.

ولكن حتى الساعة تحول لنا مبلغ معيّن نمّول من خلاله دراسات ومن أهمها: المخطط التوجيهي للمنطقة الذي سيُنجز نهاية هذا العام، بعد ذلك سنقوم بإستقطاب تمويلات للبنى التحتية.

وفي شهر أيار ننتهي من عمليات الردم ونستلم الأرض، من بعدها نلجأ إلى دراسة جدوى قمنا بإعدادها والتي تحدد القطاعات وبحسب القطاعات نبدأ بالعمل على المخطط التوجيهي، وحينها نكون قد حصلنا على بعض الاموال سواء عن طريق القروض الميسرة ام عن طريق الدولة او القطاع الخاص، لبناء البنى التحتية ، وفي هذا الوقت نعمل على نظام التراخيص للشركات والأجراءات التي سترعى عمل هذه المنطقة.

نعمل على هذا المشروع من حوالي العامين و اعتقد اننا نحتاج الى عامين إضافيين لإنجاز كل الإجراءات والأنطمة وبناء البنى التحتية، ونتأمل ان نبدأ في العام 2020 في إستقطاب اول إستثمار.

*برأيك وجود أطراف اخرى تعمل في طرابلس، تخلق نوعاً من تضارب في الصلاحيات ؟

من ناحية المنطقة الإقتصادية الكل متعاون، لأن لا أحد يمكنه ان يقف في وجه مشروع حيوي لطرابلس، وكل الأطراف تبدي تعاونها وتجاوبها مع الهيئة.

المنطقة بحاجة ماسة إلى بنى تحتية ناهيك عن ضرورة المعارض والمرفأ، وعلى صعيد البنى التحتية نشهد بعض العراقيل البسيطة، كالتأخير في التنفيذ وصرف الأشخاص المتعديين على الأرض وهنا لا بد من امور اللجوء للسياسة المحلية لحلحة بعض الامور التي تعرقل تنفيذ المشاريع الإستثمارية.

ولكني أرى ان الوضع بالمدينة أفضل من العامين السابقين، إذ نشهد روحاً مفعمة بالأمل في النهوض، كما ان الحكومة والجهات المانحة تبدي إهتماما كبيرا لهذه المنطقة.