مرة جديدة يقع القطاع السياحي اللبناني ضحية "الطبخة" السياسية المعقدة، ففي الأسابيع الماضية، زادت حدة التجاذبات والخطابات التي تؤثر على صورة لبنان في الخارج، وعلى الرغم من ذلك، شهد مطار بيروت الدولي حركة ناشطة خلال النصف الأول من شهر نيسان الجاري، بالتزامن مع حلول عيد الفصح المجيد، ولكن الأرقام لم تأتِ على قدر التوقعات.

انما الطموحات بالحصول على فترة سياحية واعدة خلال صيف 2017 تبقى موجودة، واللبنانيون يعلقون آمالهم على موسم اصطياف ناجح، خاصة مع التطورات الأخيرة في ملف القانون الانتخابي الجديد، والمهلة التي أعطاها رئيس الجمهورية العماد عون، من أجل العودة الى المفاوضات وإيجاد الحلول المرضية.

فما هي المتطلبات المفروضة اليوم من أجل إعادة "شرارة" السياحة الناجحة الى لبنان؟ وهل أن زيارة عون الى السعودية وقطر ستأتي بنتائجها قريبا؟ وكيف تؤثر الحزم التشجيعية التي أطلقتها وزارة السياحة على المؤسسات السياحية اللبنانية؟

أجاب على هذه الأسئلة نقيب أصحاب الفنادق في لبنان، بيار الأشقر، في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد":

بعد الأحداث الحاصلة على الساحة السياسية اللبنانية في الأسابيع القليلة الماضية، كيف تقيم الحركة السياحية خلال عطلة عيد الفصح؟ وما هو تأثير التجاذبات بين الأفرقاء السياسيين على عدد السياح القادمين؟

توقعاتنا وطموحاتنا كانت أكثر وأكبر، لكن السجال والتحديات الحاصلة تؤثر سلبا على صورة لبنان الداخلية. فالسائح يأتي من الاردن، وسوريا، والعراق، ومصر، وغيرها من البلدان الناطقة باللغة العربية، والتي تحتوي على فضائيات تبثّ الأخبار السلبية عن لبنان، وبالتالي يتأثر بغياب الخبر الإيجابي.

فالحديث عن موضوع قانون الانتخاب، وسّع التداعيات، لأن هناك جهات أعطته أكثر من قيمته، وهذا ما أدى الى تخوف البعض من القدوم الى لبنان بسبب الأوضاع القائمة.

ولكن بالطبع هناك أشخاص يأتون الى لبنان، انما هل يلاقي هذا العدد طموحاتنا وامكانياتنا؟ بالطبع لا! فكل ما هو حاصل مرتبط بالاستقرار الأمني الموجود 100%، في حين أن الاستقرار السياسي وبعض الأحاديث السلبية عن حروب متوقعة، تبعد السياح؛ لأن لبنان يحتوي على مطار واحد، ويفتقد الى خطوط نقل يومية في البحر، مثلما هو موجود في بلدان أخرى، كما أن طريق سوريا مقطوعة، وبالتالي يتخوف السائح من أن يعلق هنا مثلما حدث خلال حرب تموز.

وبالتالي فإن السجال السياسي يؤثر على القطاع، وهناك أشخاص يزايدون في الأمور ويحرصون على تأزم الأوضاع لأسباب سياسية. كما أن الاعلام بشكل عام، لا يركز على الخبر الجميل الذي يتضمن نجاحات اللبنانيين ومشاريعهم، بل يهتم بالمواضيع التي تشوه صورة لبنان الحقيقية.

هل أن حزم العروضات المغرية التي أطلقتها وزارة السياحة لتشجيع العرب والأرمن على القدوم الى لبنان، بدأت تظهر آثارها ونتائجها على القطاع السياحي المحلي؟

في العادة عندما نقدم الحزم التشجيعية، تكون أسعارها مميزة فعلا، وبالتالي لا شك في أن عدد السياح سيتزايد حينها. لكن من ناحية أخرى، لقد ضحّينا في هذه العروضات، بنسبة كبيرة من أرباحنا، وحتى ولو دخل عدد سياح أكثر، ستكون مداخلينا أقل؛ فالفندق يقدم مثلا غرفته بـ60 دولار بدلا من 100 دولار، واذا كانت نسبة الإشغال في هذا الفندق 40%، وارتفعت مع هذه الأسعار الى 80% و90%، ستزيد حينها المداخيل بشكل ملحوظ، ولكن ما يحصل اليوم هو أن نسبة الإشغال كانت 40%، وارتفعت الى حوالي 55% فقط، وبالتالي فإن هذه النسبة لا تؤدي الى فرق ملحوظ، لأن ارتفاع عدد الزبائن بهذا السعر المنخفض، لن يسهم في زيادة المداخيل، بل على العكس سيخفضها.

ولهذا السبب نعود ونكرر أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في هذا البلد، مطلوب بشدّة اليوم، وذلك لكي نتمكن بسهولة من قلب الأمور في البلد نحو الأفضل، وحينها سيعود السائح دون الحاجة الى الحزم.

ففي الماضي، كان لبنان مقصد أهل الخليج، وكانت الأسواق التجارية وجميع الخدمات ناشطة بأكملها. وهناك فرق كبير بين السائح الخليجي والسائح العادي، من ناحية الحجوزات في الفنادق والمطاعم، ومدة إقامته، ومصاريفه، ومتطلباته،... لكن وجود الخليجي في لبنان اليوم، منوط بحرارة الخطاب السياسي، وحركة القدوم تنشط وتتراجع بحسب التصاريح والخطابات، فعندما يتهجم بعض الأفرقاء السياسيين على دول الخليج لن يأتي السائح، وبالتالي فإن هذه الأجواء لن تساعد البلد على الوقوف على رجليه مجددا. ففي العام 2006، بعد حرب كارثية مرت علينا، عاد السائح الى بيروت بعد حوالي أسبوع، وفي العام 2008، بعد أحداث 7 أيار واغلاق المطار، عاد السائح فور صدور اتفاقية الدوحة أي بعد حوالي 10 أيام. لكن في ذلك الوقت، لم نكن نشهد على خطابات قاسية ضد الخليج العربي وأهل الخليج والأنظمة الخليجية، لكن اليوم تغيرت الأمور، ونحن نتحمل المسوؤلية ونتكبد خسائر تصاريح من هذا النوع.

هل أنت متفائل من المرحلة المقبلة، خاصة مع اقترابنا من انطلاقة الموسم السياحي لصيف 2017؟

بالعادة يبدأ العرب والخليجيون بتأكيد الحجوزات منذ نهاية شهر أيار، وبالتالي اذا توقفت التصاريح الهجومية والمحرّضة والسلبية، وتمكّن السياسيون من التوصل الى قانون انتخاب، ستنخفض وتيرة الخطابات السياسية والتوترات والتجاذبات، وسيسود جو من الاطمئنان، من شأنه المساعدة على تحسين الحركة وزيادة الحجوزات.

وفي الوقت ذاته، هناك جهود كبيرة تحاول جهات عدة القيام بها، وعلى رأسها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، في ما يتعلق بمحاول ايجاد طريقة لطمأنة الخليجيين والتأكيد لهم بأن هذا البلد بلدهم، وهو بلد آمن ولا أحد سيتعرض لهم أو يضايقهم.

ولا شك في أن المطلوب اليوم هو الخطاب السياسي المهدئ والمطمئن، لكي تتخذ الدول قرارا نهائيا بشأن إزالة التنبيه الموجود والحظر المفروض.