كشف تقرير "بنك عوده" الصادر في 5 نيسان 2017 أن لبنان المصنف بـB2 من قبل وكالة "موديز" و"B-" من قبل وكالة "ستاندرد آند بورز" و"B-" من قبل وكالة "فيتش" هو بلد من الإستثمار المتناقض مع سجل طويل من المرونة المالية والسوقية ضمن بيئة شاملة مع اختلالات كبيرة وشكوك. وفي ظل هذه البيئة، فإن سوق الدخل الثابت اللبناني مدفوع بشكل رئيس من سندات اليوروبوند السيادية اللبنانية التي تمثل 93% من ديون لبنان بالعملة الأجنبية والتي تمثل بدورها حوالى 40% من إجمالي الدين العام. وتحتفظ المصارف اللبنانية بنحو 60% من إجمالي سندات اليوروبوند اللبنانية، وتترك نسبة الـ40% المتبقية للمستثمرين المقيمين وغير المقيمين والمستثمرين من المؤسسات الأجنبية. وبما أن المصارف اللبنانية تمثل الجزء الأكبر من سندات اليوروبوند المعلقة، فإن سوق السندات يرتبط ارتباطا وثيقا بظروف القطاع المالي اللبناني بشكل عام ومع نمو قاعدة تمويله.

وأضاف التقرير أنه لا تزال الأوضاع المالية والنقدية تشهد مرونة غير نمطية على مستوى القطاع المالي، مع مرحلة جديدة من الصمود تمتد للإستقرار المالي على المدى الطويل. ولعل الجانب الأروع في النموذج الإقتصادي اللبناني هو الإستقرار الملحوظ مع مرور الوقت على الرغم من البيئة التشغيلية المتقلبة من جهة والإختلالات الحادة من ناحية أخرى. وقد تمكن لبنان بالفعل من الحفاظ على اتجاه الإستقرار على المدى الطويل في معدلات التضخم، وسعر الصرف، وتدفقات رؤوس الأموال الداخلة، ونشاطه المصرفي.

وحول استقرار التضخم المنخفض، لفت إلى أنه كان ملحوظاً جيداً كيف تمكن لبنان من أن يحافظ على معدلات تضخم منخفضة على مدى فترة طويلة من الزمن تمتد لأكثر من عقدين، وتجنب ضغوط الأسعار غير المنتظمة. ويعمل الإقتصاد اللبناني في الواقع على الجانب الكينزي المسطح من منحنى العرض الإجمالي، ما يسمح بالنمو في الطلب الكلي من دون ضغوط كبيرة على الأسعار. وعلى وجه الخصوص، بلغ متوسط التضخم على مدى السنوات الخمس الماضية 1.8% سنويا، مقابل متوسط قدره 5.6% للأسواق الناشئة.

وتجدر الإشارة إلى أنه تم الإبلاغ عن الانكماش الصافي في عام 2015، وأبلغ عن تضخم معدوم في العام الماضي وسط الإنخفاض الحاد في أسعار النفط. ويشار إلى أن معدلات التضخم المنخفضة قد عوضت عن التقدير الأخير لليرة اللبنانية (الذي يوازي ارتفاع الدولار الأميركي مقارنة بالعملات العالمية)، ما أدى إلى تغيير سعر الصرف الفعلي الحقيقي في لبنان على نطاق واسع.

وعن استقرار ربط العملة، قال التقرير إن لبنان حافظ بشكل ملحوظ على استقرار نظام التبادل المربوط، مع عدم وجود انحراف في سعر صرف العملة منذ العام 1993 على الرغم من بعض الضغوط النقدية المؤقتة في أوقات عدم اليقين. وقد تم دعم استقرار الربط من خلال الديناميكيات الماكروية والنقدية، حيث تماشت الليرة اللبنانية مع أساسيات الإقتصاد الكلي للبلاد. ولعل الدعم الملموس لذلك هو متوسط النمو السنوي منذ العام 1993 (5.3 مليار دولار أمريكي)، وهو ما يتجاوز المتوسط السنوي لإنشاء النقود المحلية (4.3 مليار دولار أمريكي) في مكونَيْ النمو في مطالبات المصارف على القطاعين الخاص والعام. ومع ذلك، فمن المرجح أن يستمر استقرار التبادل على الأقل في الأجل القريب مع الأصول الخارجية لمصرف لبنان، بما في ذلك الذهب الذي يغطي مخزون الليرة اللبنانية بالكامل. وحتى في حالة استبعاد الذهب، تمثل الإحتياطيات الأجنبية حالياً 76% من عرض النقود بالليرة اللبنانية، أي أكثر من ضعف المتوسط في الأسواق ذات التصنيف المماثل، ما يشير إلى وجود قدرة قوية لدى البنك المركزي للحفاظ على ربط العملة.

وأما حول استقرار التدفقات المالية فأشار إلى أن لبنان يتقدم على بعض البلدان القليلة جداً التي تشهد تدفقات كبيرة من رؤوس الأموال إلى الداخل خلال فترة طويلة حيث تأتي من المغتربين اللبنانيين الذين يشكلون ما يعادل ثلاثة أضعاف سكان لبنان، ويحتفظون بعلاقات قوية مع اقتصاد بلدهم الأم. وبلغ متوسط تدفقات لبنان المالية إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 30% خلال نصف العقد الماضي من الاضطرابات الإقليمية، والتي تدعم التوازن المالي للبلاد. وعلى الرغم من التصحيح النسبي في التدفقات الداخلة منذ انهيار أسعار النفط، فلا تزال تبلغ أكثر من 1.4 مليار دولار في الشهر، بينما تمثل التحويلات المالية الجزء الأكبر منها. والواقع أن لبنان لم يشهد على مدى السنوات ال 25 الماضية تقلبات غير منتظمة في ميزان المدفوعات، على خلفية عجز متوسط قدره 5% من الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط فائض قدره 9% من الناتج المحلي الإجمالي.

و أخيرا وليس آخرا، وليس بعيداً من استقرار التدفقات المالية، ذكر أنه تم الإبلاغ بشكل مكثف عن مرونة القطاع المصرفي في لبنان على مدى السنوات الماضية من قبل جميع المؤسسات المرجعية الدولية تقريباً. ومن الملاحظ بشكل خاص المرونة الفريدة للبنوك اللبنانية التي حافظت على نشاطها خلال فترات الإضطرابات الداخلية والخارجية. وعلى مدى العقدين والنصف الماضيين، سجل نمو الودائع معدل نمو سنوي مركب بلغ 15% سنوياً، مع عدم حدوث انخفاض في قاعدة الودائع على أساس سنوي. وعلى الرغم من التباطؤ النسبي في نمو الودائع على مدى السنوات القليلة الماضية، فإنه لا يزال كافياً لتمويل احتياجات الاقتراض من الإقتصاد في مكونات القطاعين الخاص والعام. ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه الحلقات الناجحة من المرونة التاريخية، بدعم من نظام تنظيمي صارم وهياكل محافظة جيدة التنوع، إلى زيادة حماية الصناعة المصرفية أمام الصدمات المحتملة في المستقبل على المدى القصير إلى المتوسط. وبعبارة قليلة، يمثل القطاع المصرفي في لبنان الجاذبية الرئيسة للبلد الداخلى، وهو حجر الزاوية في صموده المتناقض للاضطرابات وسط الظروف المحلية والخارجية المتقلبة بشكل عام.