العناد والاصرار من أهم صفاتها. تمتاز بمستوى عالٍ من الشجاعة، تتحلى ببعد النظر، وتتغنى بالمهارات والمعارف.

إنها المؤرخة والفنانة والأستاذة الجامعية لينا المرّ نعمة.

تخرجت لينا المر نعمة من مدرسة الفنون الجميلة في باريس في العام 1982. مارست مهنة الرسم خلال إقامتها في فرنسا والولايات المتحدة، لكنها شعرت بخيبة أمل لاكتشاف إصدارات مختلفة من الحقائق ذاتها، لذلك ثابرت على البحوث، وأصبحت مؤرخة.

في الفترة ما بين 1994 و1996، حاضرت في تاريخ الفن في جامعة "ALBA" في بيروت، وهي تدرّس في "الجامعة اللبنانية" منذ العام 1995، تاريخ العمارة، وتاريخ الفن، وتاريخ الحضارات، وتاريخ العمارة الداخلية، وتاريخ العمارة اللبنانية، وتاريخ العمارة المسيحية والأوروبية، وتاريخ الهندسة المعمارية الإسلامية والمحلية في الشرق الأوسط.

من ناحية الآثار، أثبتت أن الفينيقيين كانوا يتمتعون بالمعرفة العلمية والفنية، لبناء نصب تذكاري مثل بعلبك، في حين أن الرومان لم يفعلوا ذلك. كما أثبتت، مع الحجج الأثرية والمعمارية، أن بعلبك لا يمكن أن تكون نصبا رومانيا، بل هي في الواقع فينيقية. وتشمل منشوراتها حول هذا الموضوع كتاب " Baalbek Monument Phénicien" و" Phoenician Baalbek, Baalbek la Phénicienne, بعلبك الفينيقية". كما كتبت كتابا أكثر عمومية عن الفينيقيين وأحفادهم اللبنانيين اسمه " Si Beyrouth parlaitبيروت إن حكت".

أما من جهة التاريخ، فهاجمت أساطير عصر النهضة، وخاصة تلك المتعلقة بليوناردو دا فينشي، مايكل أنجلو، رافايللو، والثورة الفرنسية؛ وفي المجلد الأول من موسوعة " La Renaissance en Question"، المسمى " Des Origines à Léonard de Vinci"، تظهر نعمة الوجه السلبي لحكام عصر النهضة الإيطالية، المخبأة من قبل الكتب السياحية، وتبين السبب الحقيقي وراء تمويل هذا الفن. كما تظهر الوجه الإنساني غير الاعتيادي لليوناردو دا فينشي الذي، على عكس ما يعتقد البعض، كان رجلا إنسانيا للغاية، وملحدا قاده الفكر ليصبح مسيحيا كاثوليكيا. كما يتضمن الكتاب نظريتها حول دا فنشي الذي غيّر مصير أوروبا بسبب تأثيره على الملك فرانسيس الأول.

لينا المرّ نعمة خصّت "الاقتصاد" بهذه المقابلة المميزة:

كيف تصفين مسيرتك المهنية الطويلة؟

مسيرتي كانت مليئة بالعوائق والصعوبات، لأنني أتناول في كتاباتي مواضيع شائكة تنال إعجاب الناس لكنها تخيف الصحافة، والبرهان على ذلك أن الناس لا زالوا يشترون كتابي الأخير الذي صدر منذ ثلاثة أشهر، لكن الإعلام لا يجرؤ على تغطيته والحديث عنه، بسبب الأمور الحساسة الموجودة فيه.

فأنا لا أسير مع الموجات والتيارات الموجودة اليوم، ولا أعمل بحسب "الموضة"، أو الأمور المفروضة في الاعلام، بل أتكلم بمنطق، وأقدم الإثباتات المقنعة، لذلك لا يستطيع أحد محاربتي، وبالتالي يقاتلون بالصمت.

ولا بد من الاشارة الى أن مسيرتي صعبة للغاية، لأنه ليس من السهل أن نكون ضد الجميع بالأمور كافة، لكنني أعتبر أن لا أحد مجبر على تحمل الكذب، ونحن لسنا عبيد للأشخاص الذين يروجون للكذب، بل نسعى الى تقديم الحقيقية؛ وبالنهاية الحقيقة أوصلتني الى مكاني الحالي.

برأيك، ما هي الصفات التي ساعدتك على التقدم وتحقيق النجاحات المهنية؟

يقولون أن عائلة المرّ تتحلى بالعناد، ولو أردت التوقف عند الأمور الصعبة لما أكملت المسيرة. وبالتالي أنا امرأة عنيدة، وأطلب الكثير من نفسي، وأنادي بالكمال. لذلك أكون مستعدة دائما للعمل على صفحة واحدة أكثر من 40 مرة، فأراجعها وأعيد كتابتها حتى تنال اعجابي؛ أي يهمني أن أقول الحقيقة، وأن يكون عملي ممتازا، أكثر من اهتمامي بإنهاء العمل، والترفيه عن نفسي.

ومن هذه الناحية أنا أتعامل بصعوبة وقساوة مع نفسي، لكن هذا الأمر ايجابي ومفيد في العمل، لأنني لا أركض وراء الشهرة، وبل أترك جميع الأمور بيد الله، والبرهان على ذلك هو أن وضعي اليوم هو أفضل بكثير من البداية، ووضعي في المستقبل سيصبح أفضل حتما.

ما هي العوائق التي تواجهك في عملك؟

كتاباتي جريئة، ولدي الكثير من الأعداء، فأنا قمت بإحراق علم تنظيم داعش، وقد توعّدوا بقتلي. وهنا لا بد من القول أن كل انسان سيموت في نهاية المطاف، ولكن من المهم أن يموت بكرامته، وليس بالذل. فأنا أكتب بسبب رفضي للذل والظلم، وأريد تحمل جميع النتائج مهما كانت صعبة؛ اذ أن كتاباتي خطيرة وتمس بمواضيع تزعج البعض، وبالتالي أتحارب من جهات عدة.

مثلا لطالما أصريت على أن بعلبك فينيقية، في حين أن تلاميذي أصروا على أنها رومانية بسبب أسلوب العمارة المعتمد فيها، لكنني أكدت لهم أن الأسلوب روماني لكن الهوية فينيقية. وعاد التلاميذ مرة ثانية، وقالوا أنهم يخبرون الناس بهذا الموضوع، ويقولون أنه لا يكفي الحديث فقط، بل يجب الحصول على معلومات موثقة. توجهت حينها الى والديّ، وتأكدت منهم حول هذا الموضوع، وكتبت الكتاب المتعلق بأثارات بعلبك، وتملكني الغضب خلال الكتابة لأنه ليس من المنطقي أن يصر الناس على أن بعلبك رومانية، في حين أن البراهين تؤكد العكس.

كيف تقيمين دور الرجل في حياتك؟

تلقيت الدعم من زوجي، لكنه لم يشجعني دوما على العمل، ففي البداية لم يحبذ ما أقوم به، ولكن عندما أعجب بعملي، شجعني الى أقصى الحدود.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أصدرت عشرات الكتب، وسأستمر بهذه المسيرة طالما أنني لا أزال على قيد الحياة.

كيف تقيمين وضع المرأة في لبنان اليوم؟

في السنوات القليلة الماضية، حكي عن إصدار قانون لمنع العنف ضد المرأة، وحينها سمعنا صرخة رجال الدين للأسف، ورفضهم للمس بهذا الموضوع.

لكنني أؤكد أن هناك عنف ضد المرأة وضد الجميع، لكن وضع المرأة في لبنان متقدم بحسب المجتمع الذي تتواجد فيه، وبحسب الرجل الموجود في حياتها، ولكن ليس بحسب القوانين الموجودة؛ علما أن الدستور اللبناني يؤكد على المساواة بين جميع اللبنانيين، ولا يفرق بين الرجل والمرأة.

ما هي نصيحة لينا المرّ نعمة الى المرأة؟

صحيح أن العنف لا يجوز، ولكن اذا كرهت المرأة زوجها لن يتوقف عن ضربها، وستكون تعيسة، لذلك يجب أن تحاول تصحيح زواجها في حال ضربها أو لم يعاملها معاملة جيدة؛ فأحيانا تكون المشكلة من المرأة وليس من الرجل فقط.

أما على الصعيد العملي، فأنا أعتبر أن العمل الأهم في الحياة هو الأمومة.