عادت التوترات الأمنية والضربات الإرهابية لتضرب المنطقة من جديد، فبعد الضربة الأميركية لمطار الشعيرات العسكري في سوريا وما رافقها من ردود فعل إقليمية وعالمية، جاءت التفجيرات الإرهابية التي ضربت كنيستين في مصر أمس لتعيد التوتر للمنطقة من جديد خاصة وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي صرّح بوجوب معاقبة الدول المساهمة في نشر الإرهاب وتمويله، كما أعلن حالة الطوارىء في البلاد لمدة 3 أشهر.

ولا شك أن موقع لبنان الجغرافي يضعه في وسط هذه الدوامة الخطيرة التي لا يوجد أي مؤشرات لإنتهائها قريبا، فلا بد ان تنعكس هذه التوترات سلبا على الوضع الإقتصادي الداخلي على الرغم من كل الجهود التي يبذلها لبنان لتحييد نفسه عن هذا الصراع وتداعياته .. فمع إقتراب موسم الصيف الذي يعول عليه الكثيرون لتحريك العجلة الإقتصادية ولو بشكل جزئي، جاءت هذه التوترات لتشكل عاملا سلبيا قد يوثر على الحركة السياحية هذا الموسم.

من جهة أخرى يجب أن لا ننسى بأن لبنان تخطى المهل الدستورية لإجراء الإنتخابات النيابية، ومازال العمل للإتفاق على قانون إنتخابي جديد يراوح مكانه، وهذا يوجه رسالة سلبية أيضا للمجتمع الدولي خاصة واننا إقتربنا من الفراغ في مؤسسة دستورية جديدة.

فما هي إنعكاسات التطورات الجديدة في المنطقة على الوضع الإقتصادي اللبناني بشكل عام؟ وهل سنصل إلى الفراغ في مؤسسة دستورية مجددا؟ .. هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

بداية، كيف ستنعكس التطورات الأخيرة في المنطقة برأيك على الإقتصاد اللبناني بشكل عام، وخاصة على الموسم السياحي القريب؟

الكلام عن عودة العنف إلى المنطقة ليس كلاماً دقيقا، لأن العنف لم يترك المنطقة بعد ولم يهجرها .. ونحن في قلب هذه العاصفة، وهذه الحرائق برأيي لن تتوقف طالما لم تتحقق أهداف القوى العالمية التي كانت السبب في إشعالها، والمطلوب بإعتقادي هو الوصول إلى فدرلة منطقة الشرق الأوسط (الفيدرالية) على أساس طائفي قبلي وعنصري، والأحداث الأخيرة التي حصلت تندرج ضمن هذا السياق.

أما بالنسبة لإنعكاس هذا الصراع والتداعيات على لبنان، فنحن مازلنا بمنأى عن العنف والنار التي تشهدها دول الجوار، وبالتالي نحن نلعب دور الملجأ في هذه المرحلة وهناك أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين والعراقيين الذين أتوا إلى لبنان، وقسم كبير منهم يمتلك رؤوس اموال جيدة ويساهمون إلى حد ما في تحريك القطاع الفندقي، والنشاط السياحي في البلد.

ولكن فيما يتعلق بالوضع السياحي بشكل عام فلن يحدث تغيير كبير، حيث أن لبنان في السنوات الأخيرة كان يعاني من حظر السياح الخليجيين، وبرأيي على الرغم من زيارة الرئيس ميشال عون إلى السعودية فإن الوضع لن يتغير كثيرا حيث مازال الخوف وعدم الإطمئنان يسيطر على هذه الدول، وبالتالي فإن التعويل عليهم بالنسبة للموسم السياحي هو تعويل نظري أكثر مما هو تعويل واقعي.

من هنا أستطيع القول أن التأثير لن يكون كبيرا والوضع السياحي سيبقى على حاله بغض النظر عن إشتداد الصراع الإقليمي في المنطقة أو عدم إشتداده .. فهذا الصراع قائم ومستمر طالما لم تتحقق الأهداف المرجوة منه، والموسم السياحي سيكون عادياً على الرغم من التفاؤل الذي كان قائما بهذا الخصوص.

بعد إنتهاء المهل الدستورية لإجراء الإنتخابات النيابية، مازال الإتفاق على قانون إنتخاب جديد يراوح مكانه .. برأيك كيف سيتنعكس المماطلة في هذا الإستحقاق على الإقتصاد؟

لا يمكنني إلا أن أربط هذا الملف بملفات المنطقة ككل .. فبرأيي أن المايسترو الذي يريد إعادة رسم المنطقة كما ذكرت وتقسيمها وفدرلتها، ليس من مصلحته أن يرى دولاً مركزية قوية .. وبالتالي بعد إنهيار الدولة المركزية في العراق وسوريا، لا شك بان هذا المايسترو لا يريد دولة مركزية قوية في لبنان، لذلك فإن هذا الملف (قانون الإنتخابات) ليس ملف داخلي فقط، والوصول للإستقرار السياسي الكامل في لبنان غير مطلوب من قبل الدول الكبرى في المرحلة الحالية.

ولا شك أن لذلك إنعكاسات إقتصادية سلبية بدءا من تراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين، وصولا إلى كافة القطاعات الإقتصادية الأخرى.

ما الذي يمكن أن يفعله لبنان برأيك للبقاء بعيدا عن هذه الدوامة في المنطقة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟ وهل أنت متفائل بالمستقبل القريب؟

إذا أردنا فعلا أن نسير في الطريق السليم، وأن نقطع الطريق أمام صعوبات مالية إضافية .. فعلينا الذهاب والمضي نحو اللامركزية المالية والإدارية في البلد.

فكل قضاء يجب أن يكون لديه "مجلس قضاء" يتم إنتخابه خلال إجراء الإنتخابات النيابية، وهذه المجالس في الأقضية تكون مهمتها جباية الضرائب، وتمويل مشاريع إنمائية من خلال العائدات الضرائبية (كمعامل إنتاج كهرباء، معامل فرز نفايات، نقل مشترك، محطات تكرير مياه ... وغيرها) .. وهذا سيخفف تكاليف على الخزينة المركزية وسيضع حداً لتوسع الدين العام.

السير بهذا الطريق سيساعدنا على تجنب الفدرلة الكاملة التي يسعى لتطبيقها المايسترو الكبير في المنطقة ككل .. إذا اللامركزية المالية والإدارية هي الحل الإنقاذي للبنان، ولا يوجد أي حل إنقاذي أخر لكل مشاكلنا المالية والإقتصادية والإجتماعية.