هو فنان متميز وصاحب مشروع تجاري ناجح. هو نموذج يؤكد أن النجاح في متناول اليد، في أي مرحلة عمرية، وأن كل ما يحتاج إليه الإنسان لتحقيق أهدافه، هو اتخاذ المواقف والمبادرات والخطوات الصحيحة.

خالد الميس هو مؤسس شركة فنية وإبداعية، تخدم أهدافاًإنسانية وإجتماعية وتراثية، فهو يسعى من خلال أعماله ومجموعاته إلى إعادة تنشيط الأعمال الحرفية التقليدية في لبنان، التي أهملتها السنوات وتفوقت عليها الآلات، وتقديمها إلى الناس بطريقة حديثة وعصرية.

كان لـ"الإقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع مؤسس "Khaled EL MAYS Atelier" الموجودة في شارع مونو في الأشرفيه، خالد الميس:

كيف انطلقت مسيرتك المهنية؟ وما هي المراحل التي أوصلتك إلى تأسيس "Khaled EL MAYS Atelier"؟

تخصصت في الهندسة المعمارية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، وبعد ذلك سافرت إلى مدينة نيويورك الأميركية، حيث حصلت على شهادة الماجستير فيالفنون الرقمية (digital arts) من "Pratt Institute".

وفي تلك الفترة، كنت أعلم أنني سأعود في يوم من الأيام إلى لبنان، لأنني أردت التخصص في تصميم وتنفيذ الأثاث (furniture).

لكن الإنسان يمر دائما في مرحلة من حياته، لا يعلم خلالها ماذا يريد أن أفعل، لذلك فور عودتي إلى أرض الوطن، أعطيت بعض المحاضرات الجامعية، وكان مستقبلي المهني لا يزال مجسّما في رأسي.

وفي حزيران 2013، قررت إطلاق أول مجموعة خاصة بي من الأثاث، ولا أريد القول إن الأمور حصلت بطريقة عشوائية، إنما أتذكر أنني دعوت بعض الأشخاص إلى العشاء في منزلي، وأحد الأصدقاء من غير اللبنانيين، أعجبته قطع الأثاث الموجودة، وسألني عن مصدرها، فقلت له أنها بمثابة مشروع أعمل على تطويره في المستقبل، لكنه لا يزال اليوم مجرد نموذج مبدئي. فقال لي إنه سيفتتح مطعماً قريباً، وأراد مني العمل معه على تصميم الأثاث وتنفيذهلهذا المطعم؛ وهنا كانت نقطة التحول في حياتي، وبهذه الطريقة بدأت الأمور تتبلور بشكل جدي.

هذه السلسلة من الأحداث أسهمت في تسريع طرح مجموعتي الخاصة، ففي حين كنت أعمل على مشروعي الأول، سعيت أيضا إلى تطوير مجموعتي الأولى، التي لاقت اهتماما واسعاًبعد مشاركتي في "Beirut Design Week"؛ الأمر الذي ساعدني على نشر اسمي في السوق.

من هنا كانت البداية... وبعد ذلك ركزت بصراحة على العمل الشاق والجدي، لأن هذه المقومات أساسية في مجال الأعمال وخاصة في لبنان، حيث الوضع الإقتصادي منهك، وعلى شفير الهاوية طوال الوقت.

برأيك، ما الذي ساعدك على التقدم في العمل والحفاظ على استمرارية شركتك؟

إنها حقا مسألة تناسق واتساق وعمل جدي. فمن أجل الحصول على عملاء من جميع أنحاء العالم، يجب الحفاظ على مستوى معين من التطور. وأنا شخصياً أسعى دوماًإلى تحديث معرفتي ومواكبة العصر.

ولا بد من الإشارة إلى أن أهم عوامل النجاح، هو تجاهل الأجواء السلبية الموجودة بكثرة في هذا البلد.

لماذا قررت الغوص في عالم الأثاث المصنوعة يدوياً؟

أنا متحدّر من البقاع، وقد أردت التعاون مع حرفيين من المنطقة، من أجل تصنيع المنتجات الحديثة بطريقة تقليدية، أي بدون استخدام الآلات الثقيلة. وأول مجموعة قدمتها، كانت مصنوعة بالكامل من الخشب، وتعاونت حينها مع ورشة عمل واحدة فقط. وفي البداية لم يفهم الحرفي ماذا أريد بالتحديد، لأنه معتاد على صنع الطاولات والكراسي والأثاث التقليدية والتجارية، لذلك تعذبت قليلاً للوصول إلى المجموعة الأولى "RHIZOMES".

وبعد ذلك أكملت المسيرة، وتعاونت في مجموعتي الثانية مع حرفيين من منطقة الكرنتينا، وفي الثالثة عدت إلى البقاع وأضفت الحديد إلى الخشب. فالجزء الأساسي من عملي هو التعاون مع حرفيين لبنانيين.

ولا بد من الإشارة إلى أن مجموعاتي تلاقي إقبالا واسعاً، ولقد تمكنت من إيصالها إلى متاجر عدة خارج لبنان؛ فهي موجودة بشكل دائم في متجر "Cities Store" في دبي وجدة، كما لدي زبائن في بلدان أخرى مثل الكويت ونيويورك.

هل أن منتجات خالد الميس موجهة إلى الميزانيات كافة؟

هذه العلامة التجارية ليست باهظة الثمن، لكنها في نهاية المطاف مصنوعة يدوياً وذات إنتاج محدود. وبالتالي ليست موجهة للجميع، إنما في الوقت ذاته بإمكان كل شخص الحصول عليها، ولكن ليس بكمية كبيرة وبطريقة صناعية.

إلى أي مدى استعنت بوسائل التواصل الإجتماعي من أجل نشر اسمك وعلامتك التجارية بين الناس؟

وسائل التواصل تساعد على نشر الوعي حول أمر معين، شرط تقديم كمية مناسبة من البيانات المنشورة؛ فعندما يرى الناس كمية التفاعل، والأماكن التي تصل إليها علامتي التجارية، سيتابعونها بشكل أكبر.

لكنني لا أستطيع القول بفخر أنني أحصل على أرباح ضخمة من عملي، لكنني أعتبره مهما جداً لأنه بمثابة إعادة استثمار للمعرفة، وفي الوقت ذاته أنا أمارس المهنة التي أحبها وأشعر بالشغف تجاهها. فمشغلي هو مشروع تجاري ناجح، لكن لا يمكن اعتباره إلى حد اليوم، مشروع تجاري مربح.

كيف تواجه المنافسة المحلية والعالمية الموجودة في مجال تصميم قطع الأثاث؟

الأمر بأكمله يتعلق بالثقافة، فأنا لا أحاول منافسة أحد، ولكن أسعى للوصول إلى معايير أساسية تقدمها العلامات التجارية الأخرى؛ اذ إنني أعمد إلى توفير الجودة ذاتها، والتجربة ذاتها، والمقدار ذاته من الإثارة.

ولا بد من القول أنني أعمل في حقل إبداعي، لذلك فإن العمل في مجال الفن والإبداع يشبه الشوكولا، أي أن هناك العديد من الشركات والنكهات الموجودة، إنما يمكن لشخص واحد أن يحبها جميعها.

أما المنافسة في مجال عملي، فليست أبدا مباشرة، ودائما هناك عنصر أو مكون متميز له علاقة بالمصمم أو بالشخص الذي يقف وراء العلامة التجارية؛ وبالتالي يتم التعاطي مع المنافسة من زاوية مختلفة، أي أنني بحاجة دائماً إلى التركيز على التفاصيل النهائية، ودراسة الإنتاج، والإستمرار في التعاون مع الناس والحرفيين،... وهذا ما يميزني بطريقة أو بأخرى.

كما أنني لا أحاول أبداً منافسة المنتجات المستوردة، لأنني أقدم المنتجات اللبنانية 100%، الأمر الذي يضعني في مكانة مختلفة.

هل تلقيت الدعم المعنوي من محيطك؟

هناك بعض الأشخاص الذين اشتروا المنتجات لأنهم أحبوا التصاميم، وتعرفوا إلى طريقة العمل، وفي السنوات الثلاث الأولى لم أسعإلى تسويق منتجاتي أو الإعلان أنها لبنانية وتصنع عبر الحرفيين، لأنني لم أرغب في الحصول على أفضلية أو فائدة من هذا الأمر.

ولكن اليوم، وبعد أربع سنوات، تم الإعلان بشكل واضح عن طريقة العمل، لأن هذا الواقع إيجابي ومحفّز، وبالتالي علينا ذكره.

هل كان لعائلتك أي دور في تشجيعك على إطلاق مجموعاتك الخاصة؟

نعم بالطبع، فهم في البداية علّموني، وبعد ذلك بدأت بالعمل مع رأس مال صغير، كان موجوداً في حساب لي من والديّ؛ والمبلغ كان قليلاً ومخصصاً لحالات الطوارئ فقط، لكنني صرفته بأكمله خلال أسبوع واحد، حتى تمكنت من إطلاق المجموعة الأولى.

هذا الأمر مضحك، لأن بعد ثلاثة أشهر سألوني عن مصدر الأموال التي أتاحت لي إطلاق المجموعة، فاضطررت إلى أخبارهم الحقيقة، وغضب والدي حينها، لكنني تمكنت من إعادة المبلغ بعد أشهر قليلة، وبالتالي فرح بعد أن رأى النتيجة.

هل استطعت تحقيق التوازن بين عملك وحياتك الخاصة؟

عملي لا يأخذني من حياتي الخاصة، لكنني كمصمم أفكر دوماً في المشغل، والعمل "يأكل رأسي"؛ وحتى خلال وجودي مع العائلة أو الأصدقاء، يبقى تفكيري في مكان آخر تماماً. وما زلت أتعلم السيطرة على هذا الأمر...

ما هي النصيحة التي تقدمها إلى جيل الشباب في لبنان؟

النجاح هو ثمرة العمل الشاق والإتساق، لأن الأمور الأخرى قابلة للتدبير، إذ إنه يمكن التحكم دوماً بالخيارات المتاحة لتوفير المال لإطلاق مشروع ما.

ولا بد من الإشارة إلى أن الشاق هو المتابعة الدائمة، ومعرفة أين أنا، وإلى أين أريد الوصول. أما الإتساق فهو من خلال وضع هدف معين، والإصرار على تحقيقه في كل الأوقات.

فالحياة مليئة بالإخفاقات، وأنا شخصيا أفشل تقريباً كل أسبوع في شيء ما، لكنني أتعلم وأتابع المسيرة.