شارف الربع الأول من العام الحالي على الإنتهاء، وبقيت كافة المؤشرات الإقتصادية راكدة دون أي تقدّم ملحوظ، فالجو الإيجابي الذي ساد نهاية العام الماضي مع إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، بدأ يتلاشى بسبب التأخر في الإتفاق على قانون إنتخابي جديد، وإنتهاء المهل الدستورية لإنجاز الإنتخابات النيابية، وإقترابنا من الفراغ في مؤسسة دستورية أخرى بعد الفراغ الذي دام أكثر من سنتين في سدة الرئاسة.

وجاءت قضية فرض ضرائب إضافية في الموازنة الجديدة لتزيد الطين بلة، ولتظهر أن السلطة السياسية مازالت بعيدة جدا عن الإصلاح والتغيير .. فبدلاً من التوجه نحو محاربة الفساد وإيقاف الهدر في المرافق العامة وتخفيض النفقات، توجهت الحكومة نحو زيادة الأعباء على المواطنين في ظل ظروف إقتصادية تعدّ الأصعب في تاريخ لبنان الحديث.

وبين الموازنة والسلسلة وقانون الإنتخابات، أضاع لبنان الفرصة لإحداث تغيير جذري، وعادت الصورة إلى مرحلة عدم الوضوح والترقّب مع إقترابنا من موسم الصيف الذي يعوّل عليه الكثيرون ... فما هو تأثير فرض ضرائب إضافية على المواطنين في ظل الوضع الإقتصادي الحالي ؟ وكيف يمكن للحكومة الذهاب نحو الحل الأمثل للخروج من مأزق السلسلة ؟ ... هل خسرنا فعلا الجو الإيجابي الذي ساد في البلاد خلال الفترة الأخيرة بعد التأخر في إنجاز قانون إنتخابي ؟ وكيف كان أداء الإقتصاد المحلي في الربع الأول من العام؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصاد د. لويس حبيقة في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

برأيك ما هو تأثير فرض ضرائب إضافية على المواطن في ظل الوضع الإقتصادي الحالي؟ وما هو المخرج لتمويل السلسلة؟

في هذه الظروف المتعثرة والصعبة التي تمرّ فيها البلاد لا يمكن فرض ضرائب وأعباء إضافية على المواطن، فالوضع المعيشي صعب جدا ونسب البطالة مرتفع والنمو الإقتصادي بطيء، ووضع ضريبة في هذه الحالة هو خطأ كبير .. ولكن في نفس الوقت فإن سلسلة الرتب والرواتب هي حق للقطاع العام وعلى الدولة إقرارها.

وإذا نظرنا إلى مشروع الموازنة المقدم اليوم، نرى أن النفقات تخطت الـ24000 مليار ليرة، وهذا أمر غير مقبول .. فأنا إقترحت سابقا أن يتم تخفيض الإنفاق في موازنة 2017 بنسبة 10% على أقل تقدير، وهناك وسائل كثيرة يمكن إستخدامها لتخفيض الإنفاق، فالدولة تنفق اموال طائلة على إيجارات لمباني الوزارات، إضافة إلى تغيير مفروشات كل عام وغيرها من الأمور الأخرى .. وخفض الإنفاق بنسبة 10% يوفّر للدولة 2400 مليار ليرة تقريبا، وهذا الرقم يغطي السلسلة مرتين.

ويمكن من خلال موازنة 2017 الإبقاء على الضرائب الأخرى التي لا تطال المواطن العادي، فالضريبة على الأملاك البحرية هي حق للدولة ويجب أن تقر، وكذلك الضرائب على أرباح الشركات ..

إذا تخفيض الإنفاق وضرب الفساد هم الوسيلة الوحيدة لتأمين إيرادات إضافية للدولة وحل المشاكل العالقة، اما فرض ضرائب وأعباء إضافية على المواطن قد يوصل البلاد إلى مرحلة أسوأ مما هي عليه اليوم.

هل تعتقد أن إرتفاع أجور القطاع العام بعد إقرار السلسلة سيخلق فروقات كبيرة بين رواتب القطاع العام ورواتب القطاع الخاص؟ وماذا عن مطالب النقابات العمالية برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200000 ليرة ؟

الدولة لا يمكن أن تفرض على القطاع الخاص رفع أجوره في حال إقرار سلسلة الرتب، خاصة ان عدد كبير من شركات القطاع الخاص غير قادرة على رفع الأجور وبالكاد قادرة على الإستمرار .. أما بالنسبة لرفع الحد الأدنى للأجور فأنا أعتقد أن الحد الأدنى في لبنان لا قيمة له، فلا يوجد أي مواطن لبناني قادر على العيش بـ 675000 ليرة لبنانية، كما أنه لا يوجد أي موظف يتقاضى هذا المبلغ فقط، وبالتالي فإن رفع الحد الأدنى للأجور لن يغيّر كثيرا في المعادلة الحالية.

أن لا ننسى بأن رفع الحد الأدنى للأجور في المرحلة الحالية قد يدفع عدد كبير من الشركات إلى صرف عمال، مما سيرفع من نسب البطالة المرتفعة أصلا .. لذلك لا أعتقد أن إتخاذ هذا القرار في الوقت الحالي هو أمر مناسب، وتغيير الحد الأدنى للأجور يجب أن يتم في وضع إقتصادي أفضل من الوضع الحالي.

المواطن في الوقت الراهن متخوف من إرتفاع الأسعار في حال إرتفاع رواتب القطاع العام .. فما هي الوسيلة لضبط الأسعار في ظل إقتصاد حرّ كالإقتصاد اللبناني وغياب الرقابة ؟

الوسيلة الوحيدة لضمان عدم إرتفاع الأسعار هو تحرير المنافسة وتحرير الإستيراد، وإلا لن يستطيع أحد أن يضبط الأسعار، فوزارة الإقتصاد تمتلك فقط 150 مفتش، وهذا العدد لا يكفي لمراقبة منطقة كالأشرفية مثلا.

لذلك علينا ضمان وجود المنافسة في السوق، لأنها الوحيدة القادرة على لجم إرتفاع الأسعار دون الحاجة حتى للمراقبة.

هل بدأنا نخسر الجو الإيجابي الذي ساد في البلاد برأيك بعد تأخر الإتفاق على قانون إنتخابي جديد؟

لا شك أننا دخلنا في حالة من الترقب اليوم، فالكل ينتظر هذا الإستحقاق المهم، وهناك خوف حقيقي من تأزم الأمور ووصولها للفراغ في مؤسسة دستورية أخرى .. لذلك المطلوب هو الإتفاق على قانون إنتخابي جديد وتحديد موعد للإنتخابات بأسرع وقت ممكن وإلا سندخل في نفق مظلم جديد لا نعرف تداعياته.

إقتربنا من نهاية الفصل الأول من العام 2017 .. كيف تصف أداء الإقتصاد في هذه الفترة ؟

كنت اتوقع أن الأداء الإقتصادي سيكون أفضل بكثير مما شهدناه في الربع الأول في العام الحالي، فبعد إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وزيارة الرئيس لدول الخليج، إنتظرنا أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على أداء الإقتصاد، ولكن أزمة الصراع على قانون الإنتخابات أعادت الخوف للأجواء ولم تكن النتائج جيدة للأسف.

وأعتقد ان لبنان لا يجب أن يستمر في التعويل على الوضع الإقليمي والتدخلالت الخارجية، فالكل اليوم لديه مشاكله بدءا من الدول العربية، مرورا بأوروبا، ووصولا للولايات المتحدة .. لذلك المطلوب هو حل المشاكل محليا وترتيب اوضاعنا الداخلية لوحدنا.