لا تزال تداعيات الحراك الذي قام به المجتمع المدني نهاية الأسبوع الماضي واضحة على السلطة السياسية، فمن عشرات التصاريح اليوم التالي (الإثنين) إلى إعادة دراسة ملف السلسلة وتمويلها يمكننا أن نرى أن القوة دائماً للشعب وخاصة إذا كان الملف هو لقمة عيشه.

فمن جهته كشف وزير المالية علي حسن خليل أنه "عرض علينا مليار دولار لإلغاء بند الضريبة على المصارف ورفضنا لأن الضريبة حق للدولة .. وبكلّ جرأة طرحت في مجلس الوزراء فرض ضرائب على الأرباح الاستثنائية في الهندسة المالية".

وأكد أن "سلسلة الرواتب حق، وأنه سيعقد اجتماع لممثلي الكتل السياسية قريباً لتصويب الثُّغر .. والتحفظ على 1%TVAأمر مشروع إذا استطعنا أن نؤمن واردات من مكامن أخرى وسوف نفعل".

أما رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان، فشدد على أنه "لا ضرائب جديدة على الخبز ولا الهاتف ولا صفيحة البنزين ولا المازوت ولا الكهرباء"، موضحاً أيضاً أن "الضريبة المفروضة على تذاكر السفر هي على الدرجة الأولى والطائرات الخاصة،أما السفر بالدرجة العادية فلا ضريبة جديدة عليه".

وللحديث أكثر عن هذه التطورات والملفات الإقتصادية الأخرى، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع نائب رئيس الجامعة الأنطونية وعميد كلية إدارة الأعمال، البروفسور جورج نعمة:

هل تعتقد أن الحكومة اللبنانية ستتخذ خطوة فرض الضرائب العادلة على الأرباح الإستثنائية للمصارف نتيجة الهندسة الماليةالأخيرة؟

هذه الخطوة اليوم باتت أساسية للحكومة أمام ما تواجهه من عجز مالي لتأمين الإستحقاقات وأبرزها الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، ولكن هذا القرار يتطلب اقتناع الأطراف السياسية كافةً به. التداخل بين الطبقة السياسية في لبنان والمصارف مبني على علاقة قوية جداً، وعلى الطرفين الإقتناع أن هذا الوضع بات محرجاً وهذه الخطوة أصبح لا بد منها اليوم.

ومن جهةٍ ثانية، هذه الضريبة تبقى إستثنائية، فإن تم تمويل السلسلة هذا العام منها فهي لن تكون موجودة العام المقبل. مع الإشارة إلى أن السلسلة مع الرتب والأقدمية وإلى ما هنالك كلفة السلسلة سترتفع من عامٍ إلى آخر لذلك فإن هذه الضريبة ليست حلاً مستداماً.

بعد التحرك الشعبي الأخير للمجتمع المدني رأينا أن هناك حالة تشنج في العلاقات بين الأفرقاء السياسيين في المجلس النيابي، هل ترى أن هذا الأمر سيكون له إرتدادات على الملفات الإقتصادية خاصة تلك الموجودة في أدراج المجلس؟

برأيي إن السلطة الساسية شهدت نوعاً من التخبط بعد التحركات الأخيرة، أولاً بسبب الشائعات التي تم نشرها عن ضرائب لم يتم بحثها، ثانياً لأن البلد يمر بفترة دقيقة جداً نتيجة الوضع الإقتصادي الصعب، وثالثاً لأن السلطة السياسية، وبالرغم من أنها نفسها ولكن حكومة جديدة، وصلت إلى تراكم كبير في الملفات والإستحقاقات التي بات تأمين اعتماداتها إلزامياً.

من هنا نرى أن الضغط الشعبي دقيق جداً، والتسامح مع السلطة منذ العام 2012 في موضوع السلسلة والموازنة وصل إلى حدّه لدى القطاعات المستفيدة منها كافة، ما دفع السلطة إلى إعادة ترتيب الأولويات الإقتصادية وتأخيرها بهدف دراستها بعناية أكبر حتى لا نصل إلى حركات إجتماعية تخض البلد.

بخصوص المساعدات التي سيتم تقديمها إلى لبنان، والتي هي قروض وليست هبات، أي أنه يجب إعادة تسديدها مع فوائد، ألا يمكن للبنان الضغط على الجهات المقرضة خاصة أنه أمرٌ غير عادل أن نقوم بتسديد ما هو مقدّم للنازحين؟

مساعدة النازحين بالتأكيد ليس من المفترض أن تكون قروضاً، بل هباتاً، ومن ضمن الدولة اللبنانية، ولكن الثقة بين المؤسسات الدولية والسلطة اللبنانية مهزوزة من ناحية الشفافية والتعاطي وفقاً لمعايير تعتمدها الأمم المتحدة. لذلك فإن المساعدات المباشرة تتخذ طابعاً فردياً أو عن طريق المنظمات غير الحكومية "NGOs". وكما نعلم لبنان يتحمل أكبر وزر من ناحية عدد النازحين السوريين الذين وصلت نسبتهم إلى 40% من عدد سكانه.

أما اليوم فالمساعدات غير المباشرة التي يجب أن يقبلها لبنان بشكل قوانين صادرة عن مجلس النواب فهي القروض الميسرة من البنك الدولي، وهي ليست مساعدات مباشرة للنازحين، بل مساعدات للدولة اللبنانية لتحديث البنى التحتية من كهرباء ومياه وجسور... والتي استنزفت واستهلكت في السنوات الأخيرة. هذه القروض ستكون بفوائد مخفّضة، والمجلس النيابي عليه أن يجتمع ويصدر قانوناً لقبول هذه القروض ويقدّم التسهيلات الإدارية المطلوبة للمؤسسات الدولية.

وشخصياً، لا أعتقد أن هذا كافياً، وعلى المجتمع الدولي إعطاء الأولوية لدولة مثل لبنان تعاني الكثير نتيجة ما يحصل في سوريا ونتيجة النزوح السوري.

وهنا نرى أن تطلعات مؤسسات المجتمع الدولي ليست كافية إذا قمنا بمقارنة بسيطة بين لبنان ودول أخرى كالأردن وتركيا، والسبب هو أن النازحين السوريين في لبنان لا يشكلون خطراً على الداخل الأوروبي بعكس النازحين في تركيا نتيجة الحدود المشتركة بين تركيا وأوروبا. ولهذا السبب نرى أن تركيا تحصل على مساعدات وليس على قروض ميسّرة.