استضافت ندوة "​حوار بيروت​" عبر أثير إذاعة لبنان الحر، من مقرّ الإذاعة في منطقة أدونيس، مع المعدة والمقدمة ريما خداج، بعنوان "سياسة الضرائب الجائرة وفوضى الأسعار وتراجع الإقتصاد: هل من إصلاحات؟"، رئيس قسم الدراسات والأبحاث الإقتصادية في مجموعة "بنك بيبلوس" د.نسيب غبريل، والخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة.

بداية قال د. غبريل أن "موضوع الضرائب فعل فعله حتى قبل إقرارها وظهر ذلك من خلال الإحتجاجات الشعبية.. ففرض ضرائب من خلال الموازنة الحالية يضر بصورة لبنان والإقتصاد اللبناني، لأننا بعد 12 سنة من دون موازنات وبعد 6 سنوات من النمو البسيط في الإقتصاد لا يجب أن نقر هكذا موازنة .. فموازنة 2017 يجب أن يكون لها هدفين، الهدف الأول هو تحفيز الإقتصاد على قدر المستطاع وبكل الوسائل الممكنة، اما الهدف الثاني فهو تخفيض حاجات الدولة للإستدانة .. لم نرى هذه الأهداف في الموازنة المطروحة، بل رأينا وبكل وضوح ضرائب على الإستهلاك وضرائب على الدخل وضرائب على الربح بغض النظر عن نسبة تلك الضرائب .. فمبدأ فرض ضرائب بعد 6 سنوات من الركود و12 سنة من دون موازنة وسنتين من الفراغ السياسي، يشكل ضرارا حقيقياً بغض النظر عن مستويات هذه الضرائب ونسبتها ومن تطال وغيرها من الامور الأخرى .. لذلك التحفيز للإقتصاد كان يجب أن يكون أولوية الموازنة، كما كان يجب تخفيض بعض الضرائب الموجودة من أجل إرسال إشارات إيجابية للسوق .. فأذا أردنا فعلا تحفيز بعض القطاعات، علينا تخفيض الأعباء التشغيلية، فالإقتصاد اليوم يعاني من عدم إستقرار سياسي وعدم تطبيق الإصلاحات وتأجيل للقرارات الأساسية .. كما أن الأعباء التشغيلية على القطاع الخاص هو العائق الأساسي أمام نمو الإقتصاد اللبناني، فالقطاع الخاص يمكنه التاقلم مع التقلبات السياسية ومع عدم الوضوح بالرؤية السياسية، ولكنه لا يمكنه تحمل الإرتفاع في الأعباء التشغيلية .. فبين عام 2007 و2010 كانت نسب النمو حوالي 9% سنويا، ولكنها هبطت من 2011 لإلى 2016 إلى أقل من 2% سنويا .. وهذا الهبوط سببه ليس فقط عدم الإستقرار السياسي والوضع الإقليمي، بل سببه الخلل البنيوي الموجود في الإقتصاد اللبناني الذي يتمثل بالأعباء التشغيلية على الإقتصاد وعلى القطاع الخاص، إبتداءا من البنى التحتية المترهلة، مرورا بالتعاطي مع القطاع العام والعبء الذي يشكله هذا القطاع على القطاع الخاص، وصولا إلى عدم تطبيق القوانين، والكلفة التي تترتب على الشركات .. فهذا هو فعلا ما أدى إلى تراجع النمو وهذا ما يجب معالجته بشكل فوري وبشكل مباشر".

وأضاف غبريل "لذلك تراجعت الإستثمارات الأجنبية المباشرة من 14% من الناتج المحلي في عام 2008، إلى أقل من 5% من الناتج المحلي في 2015 .. وهذا ليس فقط بسبب الوضع السياسي المتقلب، فالإستثمارات الأجنبية المباشرة تأتي على المدى الطويل، وهي قادرة على تحمّل بعض التقلبات".

وإعتبر أن "التقلبات التي تحصل اليوم هي في غير محلها، وهذا ما ضرب الثقة .. فمؤشر بنك بيبلوس والجامعة الأميركية لثقة المستهلك في لبنان وصل في الربع الأخير من العام 2016 إلى اعلى مستوى له في السنوات الخمس الماضية بسبب الإنفراج السياسي وإنتخاب رئيس وتشكيل حكومة .. في كانون الثاني بقيت الأرقام مرتفعة، ولكنها بدءاً من شباط بدأت بالتراجع بشكل واضح، والسبب هو ان موضوع الضرائب طغى على موضوع الإصلاحات".

وتابع غبريل "لا يمكنني أن أستوعب بأن نفقات الدولة في الموازنة الحالية إرتفعت من 13 مليار و500 مليون دولار في عام 2015 إلى تقريبا 15 مليار دولار في 2016، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 16 مليار و 400 مليون دولار في عام 2017 .. وبنفس الوقت لا نرى أي مناقشة حول كيفية العمل على تخفيض هذه النفقات التي تؤدي لإرتفاع الدين العام، فليس هناك أي رؤية متكاملة للدولة اللبنانية".

ولفت إلى أن "العدالة الإجتماعية هي أن لا تقوم الدولة بفرض ضرائب على الأشخاص الملتزمة أصلا بدفع ضرائبها، بل يجب أن تبحث عن المتهربين من الضرائب وملاحقتهم وإجبارهم على دفع الضرائب ... ففي لبنان هناك بين 30 و 40% من اللبنانيين يدفعون ضرائبهم بالكامل، في حين أن العدد الباقي متهرب من الضرائب جزئيا أو كليا .. لذلك فإن الأولوية يجب أن تكون لمكافحة التهرب، وبعد ذلك يمكن فرض بعض الضرائب المقبولة".

من جانبه قال الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة أن "الضرائب ضرورة اليوم، وهذه الضرورة يفرضها واقعنا الحالي المتمثل بالهدر والفساد والخطط الإقتصادية الغائبة .. فإذا إستبعدنا السلسلة اليوم من الموازنة الحالية والضرائب المقترحة لتمويلها أيضا، نجد ان العجز بحسب مشروع الموازنة يبلغ 6 مليار دولار تقريبا، فمن أين سيقومون بتغطية هذا العجز ؟ .. هذا العجز هو عبارة عن دين إضافي سيزيد على الدين العام، وهذا يعني أن الدولة كانت بحاجة إلى تمويل هذا العجز بعيدا عن الإستدانة، لأن الدين اليوم يلحق العجز بسبب نسب النمو المنخفضة، في حين انه في السابق كان النمو الكبير الذي يحققه الإقتصاد يمتص جزءا من هذا العجز ويخفف من خطورته .. لهذه الأسباب إتجهت الدولة نحو الضرائب متحججة بالسلسلة".

وإعتبر عجاقة ان "فقدان السيطرة على خدمة الدين العام يؤدي لتحول الفائدة إلى دين ورأسمال بحد ذاته، وهذا يؤدي مستقبلا إلى إزدياد حجم الدين العام بشكل كبير مما قد يوصلنا إلى الإنفجار ... وأنا أعتقد ان فكرة السلسلة وفرض ضرائب لتمويلها ليس امرا دقيقا، فالإيرادات التي ستأتي من الضرائب المقترحة اليوم، أكبر من حجم السلسلة وكلفتها، والدليل أن السلسلة تكلفتها 1200 مليار ليرة، في حين أن الواردات من خلال الضرائب ستصل إلى 2400 مليار ليرة".

وتابع "إتخاذ إجراءات ضريبية بغياب أي سعي للإصلاح، هو بمثابة إغراق للإقتصاد اللبناني ودفعه للتراجع أكثر .. ولكن هذا لا يلغي أن الضرائب اليوم هو أمر إلزامي وحتمي، وإن لم ندفع الضرائب اليوم، فأولادنا سيدفعونها بالمستقبل، ولكن هذا الأمر يجب أن تواكبه إصلاحات شاملة ومحاربة للفساد والهدر".

وفي سؤال للزميلة خداج عن حق المواطن الذي يدفع الضرائب بالحصول على خدمات مقبولة في المقابل على أقل تقدير .. قال عجاقة "إذا كانت هذه الحكومة فعلا تريد إستعادة ثقة الناس كما أعلنت في بيانها الوزاري، فعليها محاربة الفساد والهدر يشكل جدي قبل فرض ضرائب على الناس .. فالعمل الجدي بهذا الإتجاه يدفع الناس لتقبل الضريبة ويرفع من ثقتها بالحكومة وبالدولة".