عمّت الشارع اللبناني موجة من ردود الفعل الغاضبة شهدتها العاصمة اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية، احتجاجا على قرار مجلس النواب بفرض ضرائب جديدة تطال مختلف القطاعات، بهدف تأمين الإيرادات لسلسلة الرتب والرواتب.

وفور الحديث عن تلك الضرائب، بادر بعض التجار إلى رفع أسعار الدخان والتبغ والمعسل وعدد من السلع الأخرى بدون أي مبرر منطقي، حيث أنه لم يتم إقرار أي ضريبة، حتى لحظتنا هذه.

فبين ليلة وضحاها، قرر عدد من التجار في مختلف المناطق اللبنانية، أن يظهروا جشعهم واستغلالهم للمواطن الضعيف، بهدف تحقيق أكبر نسبة ممكنة من الأرباح، دون الإلتفات حتى إلى حالة اللبناني الذي بات على شفير الهاوية، والذي ينتظر "الفرج" من دولة أصبحت عاجزة عن إخفاء الفساد المستشري في مسؤوليها كافة.

وهنا لا بد من "حثّ" وزارة "اقتصادنا" على اتخاذ مواقف صارمة، وملموسة على الأرض، وأكثر حزماً من مجرد دعوة المواطنين إلى الإبلاغ عن المخالفات. وذلك لكي يعلم التاجر أنه لم يعد يعيش "على راسه" ويتحكم بجيبة المواطن حين يشاء...

فهل أن الدولة قادرة اليوم على ضبط الأسواق ومراقبة وأسعار السلع ولجمها؟ وكم بلغ عدد الشكاوى التي وصلت إلى جمعية حماية المستهلك في الأيام الماضية؟ وما هو دور هذه الجمعية في توعية المواطن على الإستهلاك الصحيح والسليم؟

أجابت على هذه الأسئلة مسؤولة قسم مراقبة الغذاء وسلامته في جمعية حماية المستهلك د. ​ندى نعمة​في حديث خاص مع "الاقتصاد":

بعد الحديث عن فرض الضرائب الجديدة ومناقشتها في مجلس النواب، شهدت بعض الأسواق ارتفاعات بالأسعار علماً أن الضرائب ليست سارية المفعول بعد. ما هو دور جمعية حماية المستهلك في هذه المرحلة؟

نحن لاحظنا بالطبع هذا الأمر ورفضناه رفضاً قاطعاً، وقبل أسبوع شهدنا أيضاً بعض الارتفاعات في بعض أنواع السلع. ولكن للأسف هذا الأمر عادي في لبنان، لأنه عندما يتم الحديث عن أي زيادة ضريبية أو زيادة للأجور، تكون ردة فعل السوق بأن يبادر التجار فوراًإلى اللعب بالأسعار، وذلك هو بكل صراحة نتيجة غياب الضوابط والمراقبة.

فبحجّة الإقتصاد الحر، ترتفع الأسعار في البلاد بدون أي ضوابط، لذلك يجب أن يكون هناك قرارات حاسمة في القمع والضبط، وليس مجرد قرار على الورق يصدر عن وزارة ما، بل يجب أن نرى مفاعيله على الأرض.

من ناحية أخرى يجب أن نوعي المواطنين على ضرورة مراقبة السلع التي تشهد ارتفاعات غير مسبوقة في أسعارها، خلال فترة زمنية قصيرة، وفي هذا الصدد نطلب منه الإتصال بالخط الساخن، لكي نتحرى عن الموضوع ونتابعه مع المعنيين أي السلطة التنفيذية والوزارات المعنية. فبدون هذا التكامل بين جمعية حماية المستهلك والمواطنين والوزارة، لن نشهد على عمل حقيقي على الأرض، ولن يتم تحقيق ضمانة لحقوق الناس.

ولا بد من الإشارة إلى أن وزراء الإقتصاد المتعاقبين لم يعملوا أو يتعاونوا مع المجتمع المدني والجمعيات، وبالتالي لم نلمس أي تحسن حاصل على الأرض. لذلك نجد أن هناك ضعفاً في نظام المراقبة وأجهزتها وفي المتابعة اليومية أيضاً.

ومن هنا ندعو ليس فقط إلى إيجاد قرار معين، بل إلى ترجمة هذا القرار بعمل فعلي على الأرض. ونريد أن نرى فعالية القرارأيضاً ، وأن نشعر في كل الأوقات أن هناك مراقبين في السوق يجولون على السوبرماركت، ويدرسون الفواتير، ويقارنون بالأسعار، ويجرون استطلاعات للرأي للناس... وذلك لكي يخاف التاجر قليلاً من رفع الأسعار، لأنه في هذه الحالة سيُحاسب.

فالتاجر اللبناني اعتاد أن تكون الإرتفاعات تدريجية وبمفاعيل صغيرة لا تظهر جلية، بل يمكن رصدها بشكل تراكمي على الفاتورة النهائية.

هل برأيك أن الدولة قادرة على ضبط هذا الأمر اليوم؟ وهل أن أجهزتها معدّة لهذا النوع من المحاسبة والمتابعة؟

لا يوجد لدينا دولة من الأساس، فبلدنا صغير وعدد السكان قليل، في حين أن دول العالم أجمع تضبط الأسعار والنوعية وسلامة الناس والخدمات، في حين أننا غير قادرون على ضبط السوق، علماً أنه لدينا 128 نائباً، وعدد متضخم من الوزارات.

فسوقنا صغير ويتوزع على محافظات معينة، وبالتالي يجب توزيع فرق المراقبة، وتعزيز جهاز المراقبة، وتنظيم إجتماعات للتجار لتعريفهم على القرارات التي عليهم الإلتزام بها، وتحميلهم المسؤولية الكاملة في حال تم التلاعب بسعر أي سلعة، بطريقة غير مبررة؛ حيثإن أرباح التجار خيالية من الأساس، ولا أحد يضبطهم. فبالاضافة إلى تلك الأرباح يريدون أيضاً زيادة الأسعار على المواطن بدون مبرر؟

في النهاية المواطن لم يحصل سوى على الأذية من دولته، لأنها تؤذيه في كل القرارات التي تصدرها. فبدلاً من التفتيش عن مصادر تغطي الضرائب الجديدة، ليبحثوا عن تأمين الخدمات للناس ويعززوا العدالة الاجتماعية، لأن أكبر شريحة من اللبنانيين تشعر أنها مظلومة، وأنها تعيش في بلد لا يعطي أدنى حقوق للإسان ويدعي الديمقراطية والحرية. فأصحاب المصالح هم جزء من الطبقة السياسية، لذلك نشعر أن الهيئات الإقتصادية أقوى من الدولة، حيث أنها قادرة على تخريب أي قرار يفيد الناس، فقط لكي تحصل على أرباحها، وهذه مشكلة كبيرة.

وتجدر الإشارة إلى أنه يجب التعاطي مع التجار بشكل يخيفهم، لأنه على التاجر أن يكون تحت راية الدولة، وأن يسمع كلمتها، ويحترم قوانينها، وينظم عمله بحسب قراراتها.

فللأسف عمله اليوم غير منظم لكنه يربح بشكل هائل. وفي المقابل في أوروبا والولايات المتحدة على سبيل المثال، أسعار المأكولات هي الأرخص دائما، وذلك من أجل تأمين عيش كريم للجميع، بينما في لبنان يتلاعبون أكثر بأسعار السلع الأساسية لحياة الناس ولا أحد يتحرك.

كم زاد عدد الشكاوى الواردة إلى جمعية حماية المستهلك في الأيامالقليلة الماضية؟

الشكاوى زادت والناس لا يشتكون فحسب بل يبكون أيضاً من الوضع القائم، فنحن نستجيب لكل الشكاوى، ونسأل، ونراجع الإستمارات، وننزل بشكل أسبوعي إلى الأسواق، وفي هذه الفترة عززنا مراقبة السوق قليلاً لكي نرصد حركة ارتفاع الأسعار.

لكن المواطن اللبناني خائف من المستقبل في ما يتعلق بالضرائب والقرارات العشوائية التي لم تقدم له شيئاً، بل على العكس استنزفته أكثر فأكثر. فليبحثوا عن ضرائب الأرباح الكبيرة والمخفيّة، ولينسوا قليلاً ضرائب الاستهلاك؛ فالشركات والمؤسسات الكبيرة ومؤسسات الأملاك البحرية لا تدفع، وكل هذا الهدر يذهب من درب الدولة.

من جهة أخرى لدينا ضريبة المصارف التي لا أحد يعلم كمية أرباحها، فمن الممنوعالتدخل في هذا القطاعأبداً، ولا أحد "يجرؤ" على التطرق اليها. فنحن لسنا دولة ولا حتى مشروع دولة، بل بقايا الإنتداب والإحتلال والحروب، و"يا ريت تعلمنا".

فنحن نشعر أن هناك مصلحة لتعطيل كل شيء في البلد، أولها قانون الانتخاب والإنتخابات، وهذا كله بهدف خلق نوع من الفوضى تدفع الشعب إلى التحرك. وبالتالي يجب أن يثور المواطنون على الوضع لأن الأمور كبرت كثيراً ومن حقهم المطالبة بحقوقهم.

لكننا لم نتعلم من أخطاء الماضي، بل على العكس نسير بالأمور من سيء إلى أسوأ. لذلك هناك فرصة للشباب اليوم لكي يغيروا واقعهم، لأن لا أحد يأخذ حق الناس إلا إدراتهم ورغبتهم في التغيير.