خمسة وثلاثون عامًا من المُعاناة يعيشها المواطن اللبناني مع قطاع كهرباء لا يُلبّي إحتياجاته ولا طموحات الإقتصاد اللبناني، 35 عامًا كلّفت خزينة الدولة أكثر من نصف الدين العام اللبناني. فإلى متى سياسة حرارية عقلانية؟ 

41 مليار دولار أميركي هو حجم الإستيراد من المُشتقات النفطية من أول كانون الثاني 2005 حتىأخر كانون الأول 2016. أرقام خيالية لا تتناسب والإنتاج للماكينة الإقتصادية اللبنانية. وهذا يعني أن الاقتصاد اللبناني يُنتج 9 دولار أميركي لكل دولار واحد من الطاقة مُقارنة بفرنسا التي يُنتج إقتصادها 41 دولار أميركي لكل دولار طاقة.

نعم هذه الأرقام كفيلة بدفع الحكومة إلى البحث عن إستراتيجية تُقلّل التعلّق بالنفط إن على صعيد الكهرباء أو على صعيد الإستهلاك المنزلي أو النقل أوغيرهم من القطاعات التي تستخدم الطاقة. فالمعروف أن 95 إلى 99% من السلع والخدمات تفرض إستخدام الطاقة إن في تصنيعها أو في إستهلاكها وبالتالي، يتوجب وضع إستراتيجية مُتعدّدة المصادر تسمح بتخفيف التعلّق بالنفط وأسعاره المُتقلّبة كما وزيادة الكفاءة الحرارية في الماكينة الإنتاجية.

الـ Energy Mix...

الـ energy mix هو مفهوم يشمل عدّة مصادر من الطاقة الأولية بهدف إنتاج الطاقة الثانوية (عادة ما تكون الكهرباء). وتتألف الطاقة الأولية من الطاقة الأحفورية (80.6%) أو الطاقة المُتجدّدة (16.7%) أو الطاقة النووية (2.7%) (أرقام العام 2010). ويتم وضع إستراتيجية حرارية تُسمّى بالـ Energy Mix تشمل إستخدام عدّة مصادر من الطاقة الأولية مثل النفط، الغاز، الفحم، الطاقة الشمسية، البايوماس، الهيدرومائي... لتمكين البلد – صاحب الإستراتيجية – من تنويع مصادره مُحققًا بذلك عدّة أهداف:

أولًا – تفادي التعلّق بتقلبات أسعار النفط والذي يُعتبر مصدر الطاقة الأساسي في العالم؛

ثانيًا – عدم التعرض لقطع الإمدادات من الطاقة في حال كان هناك خلاف سياسي مع البلد المُورّد أو نتيجة أعمال إرهابية؛

ثالثًا – تخفيف الكلفة الحرارية على الإقتصاد عبر إختيار المزيج الأنسب من الطاقة الأولية؛

رابعًا – تحسين الكفاءة الحرارية للإقتصاد من خلال إختيار الطاقة الأولية التي تتناسب والإستخدام في الإقتصاد (إنارة، نقل، صناعة...)؛

خامسًا – تخفيف الضرّر على البيئة من خلال إعتماد طاقات أولية غير مُلوثة للإنسان والطبيعة وبالتالي لا تُساهم في الإنبعاثات الحرارية؛

من هذا المُنطلق، أصبح من غير المقبول ألا يكون في بلد مُعين وخاصة في لبنان سياسة حرارية محورها الـ Energy Mix لأن في ذلك خسارة كبيرة على الإقتصاد وعلى الإنسان وعلى البيئة.

مهما كانت الأسباب التي دفعت لبنان إلى الإعتماد في الماضي على النفط بشكل أحادي (حرب، فساد، هدر، قلّة المعرفة...)، يتوجّب على حكومة الرئيس الحريري وضع إستراتيجية حرارية وتطبيقها تحت طائلة الفشل الذريع في إدارة الشأن العام.

إقتراح إستراتيجة حرارية...

كل إستراتيجية مهما كان نوعها لها أهداف وبالتالي فإن المرحلة الأولى منها يكون بوضع أهداف عقلانية يُمكن تحقيقها في فترة زمنية لا تتخطّى الخمسة عشر عامًا:

أولًا – رفع مُساهمة الطاقة المُتجدّدة في إنتاج الطاقة في لبنان إلى 10% (حاليًا لا يتخطّى هذا الرقم الـ 3%)، وهذا الأمر يتمّ عبر البدء بخلق قيود على المنازل (المنازل تستهلك القسم الأكبر من الطاقة). هذه القيود (قانونية) يواكبها تحفيزات ضريبية تسمح للأسر التي تختار الطاقة المُتجدّدة بالإستفادة من تخفيضات على الأسعار؛

ثانيًا – تنويع مصادر الطاقة الأولية المُستخدمة في إنتاج الكهرباء بحيث يتمّ إدخال معامل على الغاز، والماء، والطاقة الشمسية، والرياح. هذا الأمر يعني الحاجة إلى إستثمارات لا يُمكن للدولة تأمينها إلا عبر القطاع الخاص وبالتالي يجب إقرار قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام ليتسنّى للقطاع الخاص إستخدام أمواله وخبرته على المنصّة العامّة؛

ثالثًا – زيادة الكفاءة الحرارية في المنازل وهذا الأمر يتمّ عبر إلزام المُطور العقاري بمعايير حرارية تتلائم وطبيعة الطقس في لبنان. إذ من غير المقبول أنه وحتى يومنا هذا لا يتمّ وضع عوازل حرارية على جدران المنازل من الداخل بل يكتفي المُطوّر العقاري بوضع الإسمنت ووضع طبقة من الطلاء فقط. هذا الأمر هو قمّة التخلّف الحراري في الوقت الذي يعلم الجميع أن المنازل هي أول مُستهلك للطاقة؛

رابعًا – زيادة الكفاءة الحرارية لوسائل النقلإذ يجب البدء بتحديث الأسطول الحالي من السيارات والباصات من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات الحديثة ورفع الضرائب على السيارات القديمة. أيضًا يتوجّب تشجيع السيارات الهجينة (Hybrid) والتي تسّمح بتقليل الإستهلاك بشكل كبير؛

خامسًا – دعم الأبحاث في مجال الطاقة المُتجدّدة وتحسين الكفاءة الحرارية وذلك من خلال التحفيزات الضريبية.

هذه الإجراءات يجب مواكبتها بتحفيز الإستثمارات وتوعية المواطن من خلال الدعايات كما وإبراز الإنجازات التي تقوم بها الشركات والمواطنون في هذا المجال. أيضًا يتوجّب على وزارة الطاقة والمياه طرح النماذج الحرارية التي تتلائم مع الواقع اللبناني بشكل يُعظّم الكفاءة الحرارية ويُخفّض الكلفة في نفس الوقت.

في الختام لا يسعنا القول إلا أن هناك العديد من الجمعيات التي بدأت بمواكبة الطاقة المُتجدّدة وزيادة الكفاءة الحرارية إضافة إلى العديد من الخبراء التي يُمكن لوزارة الطاقة الإستعانة بهم للمضي قدمًا في هذا الأمر الذي يتطلّب جهود المواطنين والشركات والدولة.