أثار اعلان وزير الطاقة سيزار أبي خليل أن الأزمة السورية هي التي حالت الوصول الى 24 على 24 ساعة كهرباء ، استغراب بعض الاوساط الاقتصادية ، واستنكار بعضها الآخر ، وأعتبر مراقبون انه مجرد تبرير لواقع فشل وزارة الطاقة في الايفاء بوعدها الذي أطلقه الوزير الاسبق جبران باسيل عام 2011 وقال فيه ان سنصل في العام 2015 الى 24 ساعة كهرباء.

المشكلة هنا ، كما هو الحال دائما في لبنان ، وللاسف ، ان الملف الاقتصادي والانمائي ، يتعرض للتسييس ، فيأتي النقد أو التأييد انطلاقا من مواقف مسبقة ، تبعا للانتماء السياسي لهذا او ذاك من المعلقين .

اذا تركنا السياسة جانبا ، وتناولنا المعطيات الاحصائية ، معطوفة على التقارير الدولية الموثوقة ،عن التاثير السلبي لوجود النازحين السوريين خصوصا ، وتداعيات الازمة السورية عموما ، لوجدنا ان اعلان ابي خليل قريب من الواقع .

لقد أنجزت الدولة إنشاء معملين جديدين في الزوق والجية، الاول بقدرة 193 ميغاواط والثاني بقدرة 77 ميغاواط ، انتهت الاعمال فيهما منذ مطلع عام 2016، إلا أنهما لم يوضعا في العمل لاسباب شتى . ومن شأن وضعهما في الخدمة أن يزيد انتاج ​الكهرباء​ بمعدل 270 ميغاواط .ستضاف الى الكميات المنتجة اليوم وهي على النحو الآتي :

دير عمار 430 ميغاواط، الزهراني 430، الزوق 220، الجية 80، بعلبك 60، صور 60، الحريشة 33، إنتاج مائي 60 ميغاواط ، اي ما مجموعه 1377 ميغاواط . ( الملاحظ ان المعلومات الرسمية على موقع مؤسسة ​كهرباء لبنان​ تفيد ان قدرات المعامل الحرارية 2038 ميغاواط والمعامل المائية 220 فيكون المجموع 2248 ميغاواط!!)

أما قدرة المولدات الخاصة فتبلغ حوالى 750ميغاواط تكلف المواطنين مليارا و200 مليون دولار سنويا ، حسب تقرير للبنك الدولي عام 2015 . ليصير مجموع الطاقة المنتجة في لبنان الفي ميغاواط تقريبا هي حاجته الدنيا ، اي مع استمرار ساعات التقنين ، وخارج موسم الذروة في الصيف. وما فاقم المشكلة في السنوات الخمس الاخيرة هو وجود مليون ومئتي الف نازح سوري ، حسب ارقام الامم المتحدة ، ويرتفع العدد الى مليون ونصف المليون ، حسب دراسات خاصة ، وهذا العدد يستهلك من الطاقة الكهربائية ما يتراوح بين 310 الى 400 ميغاواط .

في الاصل لبنان يحتاج الى اكثر من ثلاثة آلاف ميغاواط. والطلب على الكهرباء يبلغ في وقت الذروة صيفا 3500 ميغاواط. وقد لحظت خطة وضعتها حكومة الرئيس ​سعد الحريري​ عام 2010 وباشرت بتنفيذها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 ، ايصال الانتاج الى 5000 ميغاوط عام 2015 .

كل الخطوات التي قامت بها الدولة لتأمين كميات اضافية من الطاقة مثل استئجار البواخر التركية ، رافقتها زيادة غير طبيعية على الاستهلاك بتدفق النازحين . ولم يحدث في التاريخ ان ارتفع عدد سكان بلد ما بنسبة الثلث خلال سنوات قليلة .

الارقام التي تعرض عن حجم استهلاك النازحين السوريين ليست دقيقة ، لانها تعتمد على القياس والمماثلة ، فهولاء بغالبيتهم الساحقة يأخذون الكهرباء مجانا وعشوائيا من دون وجود عدادات تسجل مؤشرات الاستهلاك . فاذا افترضنا ان كل وحدة سكنية لمشترك مع أسرته المؤلفة من 4 اشخاص تستهلك حوالى الف كيلو واط ساعة شهريا للاستخدام المنزلي فقط ، فهذا لا يعني ان عائلة نازحة مماثلة ستستهلك القدر نفسه ، ثمة عشرات أو مئات الالاف من النازحين لا يعيشون في منازل أو أبنية ، وانما في مخيمات عشوائية ، حيث الاستهلاك مفتوح، من دون اي ضوابط .

هذا ما اكده مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لوكا رندا في مؤتمر صحافي مشترك مع الوزير ابي خليل اذ قال حرفيا: ان النازحين السوريين يقومون بتوصيل الكابلات إلى أقرب مصدر للطاقة، وبالتالي استخدام الكهرباء لتسخين المياه والتدفئة وكذلك لتشغيل المزيد من الأجهزة المنزلية على الطاقة الكهربائية. مما قد يؤدي إلى إلحاق الأضرار بشبكة التوزيع عدا عن الاستهلاك الهائل للطاقة . على سبيل المثال في المناطق القريبة من النقاط التي توفر الطاقة للمستشفيات، تشكل هذه الكابلات الكهربائية الموصولة مشكلة كبرى بحيث تؤدي إلى تحميل شبكة التوزيع أكثر من طاقتها، مما يضطر المستشفيات إلى الاعتماد على مولداتها الخاصة.

كما تضطر المدارس أيضا للجوء إلى المولدات مع زيادة أربع ساعات عمل يوميا لدى بعض المدارس لاستيعاب الطلاب السوريين. هذا الطلب المتزايد على الطاقة يتسبب بحرق محولات التوزيع، كما يؤدي إلى انخفاض في نوعية الطاقة ونقص في جهد التيار الكهربائي".

الخسائر اللاحقة بقطاع الكهرباء تشكل حصة الاسد من الاربعة عشر مليار دولار التي تكبدها لبنان خلال خمس سنوات ، جراء ازمة النازحين ، ولم يصل الى لبنان سوى 4 مليارات دولار من المساعدات .

الا ان هذا المبلغ يشمل كل الخدمات ، ومعظمها استهلك على التغذية والايواء والطبابة والوقاية من الامراض ، ولم يتم الالتفات أبدا الى تعزيز البنى التحتية لمناطق انتشار النازحين والمجتمعات المضيفة ، كبناء معمل لانتاج الكهرباء مثلا .

ويؤكد الوزير ابي خليل إن قطاع الكهرباء لم يستفد حتى اليوم من المساعدات اذ أن الممولين لا يعتبرونه أولوية، غير أنه القطاع الوحيد الذي لا غنى عنه في تشغيل قطاعات أخرى كالمياه والصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الحيوية الهامة.

هذا الواقع يجب ان يتغير ، على الاقل هذا ما تأمله الحكومة ، وقد أعلن رئيسها سعد الحريري قبل شهر ونصف في السراي "خطة لبنان للاستجابة للأزمة" 2017-2020، وهي خطة مشتركة، تمتد لعدة سنوات، بين الحكومة اللبنانية وشركائها الدوليين والمحليين، تهدف إلى الاستجابة للتحديات المرتبطة بواحدة من أقسى وأطول الأزمات التي يشهدها لبنان ، وهي ازمة النازحين السوريين .

وحدد الحريري الخطوات الاولى وهي : إجراء مسح شامل لوجود النازحين ، وتقويم تأثير وجودهم على الاقتصاد الحقيقي والوضع المالي والبنية التحتية المادية ، تحديد المشاريع ذات الأولوية التي تساعد على دعم المجتمعات المضيفة وتخفيف آثار الأزمة عنها.

ولعل أهم هذه المشاريع الاسراع في انشاء معمل جديد لانتاج الطاقة الكهربائية لا تقل انتاجيته عن 500 ميغاواط ، مع ما يستلزمه من توسيع وتطوير شبكة النقل والتوزيع ، بكلفة تجارية 500 مليون دولار ، الا ان اي من الدول المتقدمة صناعيا قادرة على انجازه بنصف المبلغ اذا ارادات ، اي بـ 250 مليون دولار ، ستكفي لسد حاجات النازحين السوريين في لبنان من التيار الكهربائي، وتزيد عنها بكثير .