قد يُخيّل لمن يسمع أن "فتى العلم الكهربائي" أو "إديسون العرب" حسن كامل الصباح هو عالم لبناني، أن مسقط رأس هذا النابغة تتطاير منه الشحنات الكهربائية التي جعلته يشعر بالفضول لمعرفة المزيد والبحث عن أجوبة لأسئلته الكثيرة. أما الحقيقة فهي أن هذا البلد وبالرغم من صغر مساحته وتواضع عدد سكانه وغناه بالأدمغة لم يتمكن حتى العام 2017 (نعم دخلنا في القرن الواحد والعشرين منذ زمن) من إنتاج أو على الأقل تأمين الكهرباء 24/24.

إذا أردنا الحديث عن تأثير أزمة الكهرباء على الإقتصاد اللبناني فهناك أمثلة كثيرة، فمثلاً لا يمكن أن نستغرب تراجع القطاع الصناعي باستمرار، وذلك لأن أساس المجتمع الصناعي الحديث يعتمد على استخدام الطاقة الكهربائية، ومن المنطقي أن تفقد المنتوجات الزراعية اللبنانية القدرة التنافسية بين المنتوجات الزراعية في الدول المجاورة بسبب كلفة الكهرباء الضرورية لتأمين مياه الري والتبريد والنقل والتخزين والتحويل لصناعات غذائية، والمنطقي أكثر أن تؤثر فاتورتي كهرباء: الأولى لشركة كهرباء لبنان والثانية للمولدات على فاتورة المؤسسات السياحية. أما الأمر غير المنطقي البتة هو أن ينمو عجز الكهرباء بمعدل سنوي يبلغ 2.2 مليار دولار (وعلى سنوات)، ليشكل نحو 52% من حجم عجز الموازنة العامة للبلاد، وأن لا تتشكل لجان لاتخاذ التدابير اللازمة بشكل عاجل.

والمستغرب أكثر أن تكون دراسة هذا الموضوع قد تمت منذ 15 عاماً وتم إقرار قانون لم يتم العمل به بعد. وفي التفاصيل فإن القانون رقم 462 قد صدر في أيلول من العام 2002، الذي نصّ على مبدأ استقلالية كل من نشاطات الإنتاج والنقل والتوزيع في الكهرباء بالإضافة إلى تحديد أصول الإستعانة بالقطاع الخاص وكيفية إعطاء التراخيص ومنحها لقطاعي الإنتاج والتوزيع، ودور إنشاء الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء.

ولمعرفة المزيد عن الأحاديث التي تدور مؤخراً بشأن خصخصة الكهرباء، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع عضو لجنة الأشغال العامة والطاقة والنقل والمياه، ​النائب محمد الحجار​:

هل ترى توجهاً جدياً إلى خصخصة كهرباء لبنان؟

لا. إذا استعرضنا مواقف الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة منذ صدور القرار 462 في العام 2002 حتى اليوم، فأنا أخشى أن هذا المسلسل لن يتوقف. للأسف وزراء الطاقة يعتقدون أن تنفيذ القرار 462 سيقلّص صلاحياتهم التي يعتبرونها أهم من مصلحة البلد، ما أدى إلى استمرار أزمة الكهرباء واستمرار هذا العجز.

وهناك قوانين أخرى تطال ملف الكهرباء، منها القانون 288 الذي صدر في نيسان من العام 2014 الذي يسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في إنتاج الكهرباء. نحن لا نتحدث عن خصخصة القطاع، بل عن إمكانية إشراك القطاع الخاص في الإنتاج كما في كل دول العالم التي تستعين بالقطاع الخاص فيها لإنتاج الكهرباء، ولكن للأسف ما نراه أن الوزراء لا يقبلون بهذه الفكرة.

في حال تمت خصخصة القطاع أو إشراك القطاع الخاص بالإنتاج كما تقول، ما هي الضوابط التي يجب توفيرها لضمان نجاح التجربة؟

الضوابط ستتمثل بتشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي تحدث عنها أيضاً القانون 462 عام 2002. هذه الهيئة مهمتها الإشراف على قطاع الكهرباء والسماح للقطاع الخاص بالمشاركة وبالتالي تؤمن السعر المعقول والنوعية الجيدة للكهرباء التي ستنتجها هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كل دول العالم تعمل بهذا النهج إلا في لبنان حيث يتباهى الوزراء بعدم تطبيق القوانين والأنظمة.

ندعو وزير الطاقة الحالي الى تطبيق القانونين 462/2002 و 288/2014 لأن ما يحصل لا يجوز "وعيب" استمرار العجز المتزايد لانه والهدر ليسا من مصلحة المواطن ولا البلد. وزراء الطاقة المتعاقبون على الوزارة منذ العام 2002 متهمون اليوم بالتسبب بهذا العجز في ملف الكهرباء وبعدم توفير الكهرباء 24/24 كما كان مكتوباً لها أن تكون في حال تنفيذ القانون.

تحدث النائب ابراهيم كنعان يوم أمس عن اتفاق الأطراف حتى الآن على سحب الإجراءت الضريبية من الموازنة، هل ترى أن الوضع الأخير للموازنة سيتضمن هذه الضرائب أم لا؟

في هذا الأمر يجب أن ننظر دائماً إلى مصلحة الوطن والمواطن، ومصلحة الدولة بلا شك فوق مصلحة الجميع. فرض الضرائب في الوقت غير المناسب في بعض الأحيان لا يعني تأمين إيردات إضافية، بل يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التهرب، وإلى المزيد من الإنكماش في الإقتصاد الوطني.

لذلك فإن موضوع الضرائب هذا موضوع علمي يجب دراسته أكثر لاتخاذ القرار المناسب.

ما هي توقعاتك للإقتصاد في المرحلة المقبلة، في الوقت الذي لا تزال فيه الأمور المتعلقة بالموازنة وسلسلة الرتب والإنتخابات النيابية...غير واضحة؟

للأسف نحن اليوم نعيش في مرحلة انكماش بالإقتصاد، لذلك ينبغي الحذر عند فرض ضرائب جديدة، والسؤال هل نحن أكيدون من أن هذه الضرائب ستأتي بالنتائج الإيجابية المرجوة؟ هذا سؤال نحتاج الى إجابة دقيقة عليه، وندعو الإقتصاديين إلى إجابتنا، كما نطلب من وزارتي المالية والإقتصاد المعنيتين بالموضوع إجابتنا.