هو رجل عصامي بدأ من "لا شيء"، وبعد رحلة طويلة من المثابرة والعمل الجاد، أصبح واحداً من أهم رواد التكنولوجيا في الشرق الأوسط. إذ أنه يُعتبرالشخص الذي فتح الباب في المنطقة، على طريقة سهلة وممتعة للإستماع إلى الموسيقى بطريقة شرعية.

لم يخف يوماً من المخاطرة، واعتبر أن أكبر عائق أمام التقدم، هو الخوف من الفشل والإخفاق؛ فكان النجاح حليفه!

قصة نجاح إيلي حبيب تستحق الوقوف عندها لنأخذ منها الدروس والعبر، فعلى الرغم من بداياته الصعبة، تمكن مع شريكه إدي مارون، ومع فريق العمل المكون من خمس وستين شخصاً، من إيصال شركة "أنغامي" اليوم إلى أكثر من خمسة وثلاثين مليون مستخدم.

فلنتعرف معا إلى المراحل التي سبقت إطلاق "أنغامي"، والطموحات التي ستليها، في هذه المقابلة الخاصة لـ"الإقتصاد" مع الشريك المؤسس للشركة، إيلي حبيب:

ما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنت عليه اليوم؟

حصلت على ماجستير في هندسة البرمجيات (software engineering)، ولم أتوظف يوماً لسبب بسيط وهو أنني لطالما أحببت التكنولوجيا، واهتمّيت في خلق المنتجات.

منذ أن كنت في الجامعة، بدأت بإنتاج البرامج أو البرمجيات (softwares)، وفي البداية كنت أقدم البرامج لمجال المحاسبة، ومن ثم انتقلت إلى المطاعم والصيدليات، قبل أن يبدأ مفهوم الأنترنت (online) بالظهور في نهاية التسعينات. وهنا انتلقت إلى التجارة الإلكترونية (e-commerce)، وبدأت بإطلاق مواقع ألكترونية مختصصة بهذا الموضوع.

كان هذا الأمر مثيراًللإهتمام بالنسبة لي جداً،لأنه جديد، وأنا أردت تجربة التكنولوجيا الحديثة، لذلك افتتحت عدداً من الشركات، وفي النهاية أطلقت شركة متخصصة في الشبكات الخلوية (cellular networks)، ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقتي بالموسيقى تترسخ، لأننا بدأنا في العام 2000 بإرسال النغمات (concept ringtones) إلى الناس. وهنا كنت بحاجة إلى شخص يعزف الموسيقى، لكي نقدم النغمات المميزة للهواتف، فتعرفت إلى إدي مارون العازف والمحامي.

ومع الوقت قررنا التخلي عن هذا العمل من أجل تأسيس شركة "أنغامي" (Anghami). فنحن لاحظنا عدم وجود طريقة شرعية في منطقة الشرق الأوسط لكي يستمع الشخص من خلالها إلى الموسيقى الصحيحة، ولكي يحصل من خلالها أيضا على الموسيقى الجديدة. ومنذ خمس سنوات اضطررنا إلى سرقة وقرصنة (pirating) الموسيقى من هنا ومن هناك، لكي نضعها على الموقع وننقلها إلى هواتف المستخدمين؛ لم يكن لدينا خيار آخر.

وبعدها قررنا أن نقدم الموسيقى للمستخدمين بشكل سهل وسريع، وبطريقة شرعية، وبنوعية ممتازة، فقمنا بدراسة السوق، وأطلقنا "أنغامي" كما هي اليوم، في آذار 2012، وأقلعنا رسمياً في كانون الأول 2012.

ما هي برأيك مقومات الرجل الناجح في مجال الأعمال؟

لا أظن أنني سأتمكن من الإجابة بشكل عام على هذا السؤال، بل أستطيع التحدث عن تجربتي الخاصة. وأعتقد أن نجاحنا في "أنغامي" هو نتيجة عوامل عدة:

أولا، إهتمامنا الكامل بالتفاصيل البسيطة والمعقدة، الصغيرة والكبيرة على حد سواء.

ثانياً، لقد تمكنا من بناء فريق عمل رائع مكوّن من خمسة وستين شخصاً نستطيع الإتكال عليهم، لمساعدتنا على التقدم.

ثالثاً، أنا لم أعتبر نفسي يوماً الرئيس أو الشخص الذي يقرر وغيري ينفّذ، كما لم أحضر الموظفين للعمل عندي، بل على العكس، سعيت للحصول على أشخاص يعملون معي لكي نتمكن من مساعدة بعضنا البعض من أجل بناء مشروع ناجح معاً، والوصول إلى وجهة واحدة وهدف واحد.

رابعا، نحن نعمل في المكتب بحسب هذه الجملة "In god we trust in the rest we test"، والتي تعني أننا نؤمن بالله فقط، وأن جميع الأمور الأخرى نجرّد بها، وبالتالي لا شيء مُنزَل بالنسبة لنا، ونحن مستعدون إلى تجربة كل الأمور.

خامساً، لقد قدمنا خدمة يريدها الناس، وركزنا على أدق التفاصيل لتكون بأعلى مستوى ممكن، وسعينا إلى إتقانها.

سادساً، نحن نتأكد دوماً من تقديم الأفضل، كما أننا لا نخاف من تجربة الأفكار الجديدة مع المستخدمين، فالأمور المحققة هي أفضل بكثير من الأمور الممتازة وغير المحققة (Better done than perfect)، لأن الكمال بحاجة إلى الكثير من الوقت، في حين أنني أستطيع تقديم فكرة إلى الناس، وأختبارها معهم، وتطويرها مع الوقت.

ومن خلال هذه العوامل تمكنا من الوصول إلى مكان بعيد، ولدينا حالياًحوالىخمسة وثلاثين مليون مستخدم لـ"أنغامي"، ونحن نفتخر بهذا الأمر.

هل تعتبر "أنغامي" أكبر إنجاز حققته على الصعيد المهني؟

"أنغامي" هي بالطبع أكبر إنجاز بالنسبة لي على الصعيد المهني، فقد أسست على مدى السنوات شركات عدة، وأنا فخور بالمكان الذي وصلت إليه اليوم. فـ"أنغامي" هي المكان الذي تمكنت من خلاله من العمل مع الملايين من الأشخاص، ولقد بنينا كل ذلك من لا شيء، لذلك لا يمكن أن أكون أكثر فخراً!

وأنا أعتبر أنني أب لثلاثة أولاد: ولدان حقيقيان، بالإضافة الى ولدٍ ثالثٍ اسمه "أنغامي"، يكبر ويكبر ويكبر كل يوم...

ولا بد من الإشارة إلى أن "أنغامي" مميزة بالنسبة لي، لأننا خلقنا هذا المفهوم من العدم.

ماذا يعني لك الظهور مع شريكك إدي مارون على غلاف مجلة "فوبس الشرق الأوسط"؟

نحن لم نطلب من "فوربس" أن تتكلم عنا، لكن القيمين على المجلة وجدوا أننا نستحق ذلك بسبب قصتنا في "أنغامي". وبالتالي عندما علمت أننا نظهر على الغلاف تفاجأت، وأنا بالطبع فخور بهذا الأمر، وبالمكان الذي وصلنا إليه. لكن في الوقت ذاته، لقد اعتدنا على التواجد في الإعلام، إذ إننا ظهرنا مؤخراً عبر "BBC" و"Business Insider" وغيرها، وبالتالي نحن لا "نسكر" من نجاحاتنا ومن الأمور التي حققناها (We don’t drink our own kool aid).

ولا بد من الإشارة إلى أننا نشكر الجميع على الإهتمام بنا، لكنني أعتقد أن صورة الغلاف الموجودة على "فوربس" كانت تنقص ثلاثة وستين شخصاً آخر يعلمون في "أنغامي"، لأنهم أسهموا معنا في ايصال هذه الشركة الى مكانها اليوم.

وأنا سعيد اليوم بظهورنا على "فوربس"، وأتمنى أن تبقى وسائل الإعلام مهتمة بـ"أنغامي"، لأنني أسعى إلى إلهام الآخرين من خلالها، لكي نسمع عن المزيد من قصص النجاح في لبنان. كما أتمنى أن يعمل اللبنانيون مع بعضهم البعض، ويساعدون بعضهم البعض على النجاح. فهناك العديد من الشركات والمشاريع اللبنانية التي تستحق أن يتم إلقاء الضوء عليها، كما هناك العديد من الأشخاص الذين يستحقون أن يظهروا على الغلاف أيضا.

هل شعرت بالتقصير تجاه عائلتك وحياتك الخاصة بسبب انشغالك بالعمل؟

نعم بالطبع، فأنا لا أؤمن بما يسمى بالتوازن بين الحياة والعمل، لأن الإنسان بحاجة إلى التضحية في جانب ما، لكي يحصل على الجانب الآخر. ولقد مررت بفترة صعبة جداً على الصعيد العائلي، ولست فخوراً بهذا الأمر، كما أنني أندم على العديد من الأمور، لكنني لم أكن أمتلك الخيار حينها. فعندما يكون الإنسان في طور إطلاق مشروع كبير ولديه فريق عمل متواضع، لن تكفيه الـ24 ساعة من النهار.

لقد اضطررت إلى التضحية في مكان ما من حياتي، لكن الوضع تغير اليوم لأن فريق العمل توسع بشكل كبير. ولكن مع ذلك، لا أزال أعمل لأوقات طويلة، وأعطي الكثير من وقتي واهتمامي للشركة. ولكن من ناحية أخرى، أتمكن حالياً من تخصيص الوقت لعائلتي، لأنني أصبحت قادراً على تقسيم العمل بشكل أكبر.

أين تجد نفسك اليوم على مقياس من 1 الى 10؟ وما هي مشاريعك وتطلعاتك المستقبلية؟

كل شخص في "أنغامي" يقول إنه إيلي حبيب أو إدي مارون، بمعنى أنهم يفكرون مثلنا، لذلك نطمح معاًإلى الأكبر. وبالتالي لم أصل بعد إلى المكان الذي سأتوقف فيه عن العمل، فالنجاح بالنسبة لي هو عندما أجد نفسي وصلت إلى مكان أشعر فيه أنني راض ومقتنع بما لدي.

فمفهوم الشركة الناشئة (Start up) بالنسبة لي، يعني الشركة التي تحاول كل يوم أن تقدم نموذج عمل أفضل، وأن توسع نطاق عملها. وبالتالي فإن هدفنا اليومي هو التوسع، والعمل أكثر، والمحاولة أكثر.

ولا بد من الإشارة إلى أن طموحي لا يزال أكبر بكثير ممّا وصلتإليه اليوم، لكنني سعيد بما حققته، وأعتقد أنني اقتربت من الرقم 6 فقط. فأنا أسافر سنوياًإلى الولايات المتحدة لكي أتعلم وأتقدم، كأي طالب عادي، لأن هناك العديد من الأمور الجديدة والخفيةفي مجال عملنالا أعرفها، وبالتالي أسعى إلى تعلمها، وفي كل أسبوع أجد نفسي أطلب المزيد من العلم والمعرفة.

بالإستناد إلى تجربتك المهنية الخاصة، ما هي الرسالة التي تودّ توجيهها إلى جيل الشباب اللبناني الصاعد؟

أقول للشباب: "لا تتوقفوا عن التعلم، ولا تشبعوا من العلم، بل اطلبوا المعرفة دوما، وثابروا للوصول إلى طموحاتكم كافة". فإذا استمر الإنسان بالتعلم، وبقي يقول إن غداً هو أفضل من اليوم، وتقبل آراء الآخرين بانفتاح، سيتمكن من التقدم أكثر فأكثر.

للأسف في لبنان لا يتحدث الناس كثيراً مع بضعهم البعض، ولا يتعلمون من بعضهم البعض، بل يعتقدون أن للنجاح أسراراً. في حين أن هذه الذهنية غير موجودة في الولايات المتحدة بشكل عام وفي وادي السيليكون بشكل خاص، حيث يتبادل الناس خبراتهم، ويتعلمون من بعضهم البعض.

وأعتقد أن لبنان يعاني من هذا الأمر بسبب النظام التعليمي الموجود، والذي يدفع التلميذ للوصول إلى المركز الأول فقط، ولا يشجعه على بلوغ الصدارة يداً بيد مع رفاقه؛ فأنا أستطيع أن أكون الأول في الموسيقى، وهو الأول في الرسم، وهي الأولى في الركض، وهو الأول في الصحافة، وهي الأولى في التجارة،... وبالتالي نستطيع أن نعمل جميعنا مع بعضنا البعض لكي نتقدم.

ولا بد من الإشارة إلى أن وادي السيليكون ليس مكانا بل هو عقلية تفيد بأن الجميع يتعاون ويتعلم من غيره لكي يقدم الأفضل. بينما في لبنان، يفكرون أن كل شخص ينافس غيره لكي يصل أسرع.

ولكن في النهاية أقول : إنه بالتعاون ينجح الإنسان أكثر، وإذا عملنا مع بضعنا البعض سنتمكن من إنشاء وادي سيليكون ثانٍ، وذلك ليس من خلال الأموال أو المؤتمرات، بل انطلاقا من فكرة التعاون من أجل المساهمة في تقدم بلدنا. فنحن قادرون على إنشاء مجتمع مكوّن من الأشخاص الأذكياء والموهوبين، لكي يتعاونوا معاً على بناء قطاع تكنولوجي ناجح في لبنان.