إستطاعت العشرينية ​إيما بطرس​ باجتهادها وإرادتها وطموحها، أن تنقش قصة نجاح لا تزال حروفها تتردد. ففي سن الواحد والعشرين وضعت رجلها على سلم النجاح، وأكدت بذلك أن الأهداف والإنجازات المهنية قابلة للتحقيق في أي مرحلة عمرية، والمطلوب فقط اتخاذ المواقف الصحيحة والمناسبة؛ فكانت صغيرة السن وكبيرة الطموح.

أما اليوم فيمكن وصفها بسيدة الأعمال اللبنانية الناجحة، وبالمرأة العصامية التي وصلت إلى القمة بجهدها، وقدراتها، وإصرارها.

كان لـ" الإقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسِّسة العلامة التجارية اللبنانية - العالمية "Poise Design" المتخصصة في تصميم الأحذية، إيما بطرس، للتحدث عن بداياتها المهنية، ومشاريعها المستقبلية، بالإضافة إلى رؤيتها لواقع المرأة اللبنانية في المجتمع.

-    أخبرينا عن نفسك، وعن المراحل التي مررت بها حتى وصلت إلى ما أنت عليه اليوم؟

تخصصت في التصميم الغرافيكي في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، "LAU"، وتخرجت بتقدير امتياز، وعملت في مجال الطباعة أولاً.

أما قصتي مع الأحذية، فبدأت منذ الطفولة، إذ إنني كنت أعاني من الوزن الزائد، ولا أجد دوماً ثياباً على مقاسي، وبالتالي لم أكن قادرة على التعبير عن شخصيتي الفردية كامرأة، من خلال ملابسي. لذلك اتجهت إلى الأحذية، لأن حجم قدميّ سيبقى على ما هو عليه، بغض النظر عن الوزن الذي أكتسبه أو أخسره؛ وبهذه الطريقة أستطيع دائما ارتداء أحذيتي كما أحب وكما يحلو لي.

ومن خلال هذه التجربة شعرت بالشغف نحو الأحذية، ولم أرضَ بارتدائها فحسب، بل قررت تصميمها وتنفيذها أيضا. ووصلت إلى مكان معين في حياتي، وجدت فيه أن السوق في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص، كانت مليئة بمصممي الأزياء، وبالتالي فإن الإهتمام كان مصبوباًعلى الألبسة، في حين لم يعرْ أحد أي أهمية للأحذية. وعندما بدأت مسيرتي، لم يكن هناك أي مصمم متخصص بالأحذية في الشرق الأوسط، وكانت الأحذية الفاخرة الموجودة في السوق، من تصميم علامات تجارية عالمية فقط.

عندما أطلقت علامتي التجارية "Poise Design" في العام 2010، كنت المصممة المحلية الأولى في الشرق الأوسط. وخلال السنوات الماضية، عملنا على تقديم العديد من الأفكار الجديدة، مثل مجموعة الأعراس، ومجموعة الأحذية الراقية (couture)، التي لم تكن موجودة في الماضي.

-    كيف تمكنت من نشر اسمك وإثبات "Poise Design" بين العلامات التجارية العالمية؟

ركزت أولا على الجانب المتعلق بالراحة في الأحذية التي أقدمها، وفي البداية كنت أستورد المواد، والقوالب، والأغراض، والمعدات من إيطاليا، وكنت أصنّع في بيروت. ولكن اليوم، نقلت صناعة منتجاتي بكاملها إلى إيطاليا.

من ناحية أخرى، تتميز منتجات "Poise Design" بعلامات فارقة أصبحنا نُعرف بها، وبالتالي فإن التصاميم ليست مقلدة أو مستوحاة من أي علامة أخرى.

كما أن نوعية منتجاتي تضاهي جودة العلامات العالمية، وبهذه الطريقة أستطيع البيع بأسعار متشابهة.

-    كيف تواجهين المنافسة المحلية والعالمية الموجودة حاليا في مجال تصميم الأحذية؟

لا أؤمن بوجود المنافسة، لأنني أعتبر أن الأفكار المميزة التي أقدمها لا تشبه أي أفكار أخرى. 

كما أن المنافسة غير موجودة في جميع المجالات، لأن كل شخص ينافس نفسه وأعماله الخاصة فقط. وبالتالي فإن المجموعة الأخيرة التي قدمتها هي بحد ذاتها المنافسة بالنسبة لي، لأن كل شخص يختلف من غيره بذوقه وشخصيته وأسلوبه.

-    ما هي البلدان التي تمكنت من إيصال تصاميم "Poise Design" اليها؟

نحن نصدّر التصاميم إلى جميع دول العالم، ولدينا اليوم نقاط للبيع في منطقة الجميزة في بيروت، وفي " LEVEL SHOE DISTRICT" في دبي، وفي "Bmoore Bugatti" في "Mall of The Emirates". وخلال هذه السنة، سنتوسع إلى الكويت والسعودية وقطر.

أما بالنسبة إلى مشاريعي في التصميم، فنحن نسعى حالياًإلى إطلاق مجموعة خاصة بالرجال، بالإضافة إلى مجموعة الأولاد التي أطلقناها منذ بضعة أشهر.

-    ما هي الصعوبات التي تواجهك في عملك؟

الشق الصناعي لطالما كان الأصعب، فأنا بدأت بالعمل حين بلغتُ سنالواحد والعشرين ، وواجهت بعض الصعوبات في التعامل مع المصنعين والموردين في لبنان، لأن غالبيتهم يعتقدون أن هذا المجال مقتصر على الرجال. كما أنهم اعتادوا على طريقة معينة في العمل، وبالتالي بات من الصعب أن يتعرفوا إلى تقنيات جديدة.

-    ما هي الصفات التي ساعدتك على التقدم في مسيرتك المهنية؟

أنا شخص مثابر، وإلا لما كنت استمريت بالعمل حتى يومنا هذا. فالسوق صعبة للغاية، كما أن عملنا مليء بالتقلبات لأننا نصمم بحسب أذواق الناس المختلفة، وقد لا يحبون تصاميمي أحياناً لأنني لا أبيع منتجاً أساسيا مثل الخبز، بل أحذية فاخرة، تعتبر من الكماليات.

من جهة أخرى، لا أعتبر أنني أعمل بل أمارس شغفي، فهذا الموضوع يعني لي الكثير، لأنه أتاح لي في مكان ما من حياتي، أن أتخطى صعوبة كنت أواجهها. لذلك أنا أستيقظ كل يوم لكي أبدأ بالعمل، وحبي لعملي هو حافزي في الحياة.

-    أين تعتبرين نفسك اليوم على مقياس من 1 الى 10؟

أعتبر أنني وصلت الى الرقم 6 والطريق أمامي طويل.

-    هل شعرت يوماً بالتقصير تجاه حياتك الخاصة بسبب العمل؟ وكيف تعملين على تحقيق التوازن بين الاثنين؟

بالطبع قصرت تجاه حياتي الخاصة، لأنني كنت صغيرة في السن عندما أطلقت العلامة التجارية. وبالتالي فإن حياتي بكاملها، كانت مقتصرة على العمل فقط، ولم أولي أي أهمية للشق الشخصي، أو الإجتماعي، أو العائلي.

ولكن خلال الفترة الأخيرة، أي عندما كبرت واكتسبت خبرة أوسع، تعلمت أنه من الجميل أن يحب الإنسان عمله، ويعطيه من كل قلبه، لكن عليه في المقابل أن يخصص الوقت الكافي لحياته الخاصةأيضاً ، بعيداًمن العمل. لذلك أحاول دوماً تحقيق التوازن بين الإثنين، علما أن هذا الأمر صعب للغاية في غالبية الأحيان.

-    من قدم لك الدعم الأكبر خلال مسيرتك؟

في البداية حصلت على مبلغ من المال من والديّ لكي أطلق الأعمال، وبعد فترة أعدت إليهم الأموال وأكملت العمل بمفردي. وبالنسبة لي، فإن دعم والديّ يعني لي الكثير، فلطالما وقفا إلى جانبي من الناحية المعنوية.

فأنا شخص مخاطر، وقمت بالعديد من المخاطرات في عملي، لذلك من المريح أن أعلم أن هناك من يدعمني مهما اشتدت الصعاب.

-    كيف تقيمين وضع المرأة اللبنانية اليوم؟

أعتبر أن وضع المرأة اليوم هو أفضل بكثير من الماضي، والأمور تتطور بشكل ملحوظ، لكننا بحاجة إلى المزيد من الوقت، لأن نظرة المجتمع إليها لا تزال مترددة ومشكوك فيها في بعض الأحيان. فهناك عدد كبير من الأشخاص الذين لا يثقون دائما بأقوال المرأةوأفعالها، خاصة في مجال الأعمال. وأنا شخصياً لا أزال أشعر ببعض التمييز في التعامل معي، من قبل بعض الناس.

-    نصيحة إلى المرأة.

لا يجب أن تعمل المرأة لمجرد الحصول على المردود المادي، بل عليها أن تفكر بهذه الطريقة: "إذا لم تكن بحاجة إلى المال فهل كانت لتعمل في هذا المجال بالتحديد؟ إذا كان الجواب نعم، فهي في المكان الصحيح، وإذا كان الجواب لا، فعليها اتخاذ القرار المناسب، والقيام بما تحبه وتفرح به".

لذلك أقول للمرأة: "لا تستسلمي، اتبعي قلبك وأحلامك وطموحاتك دائما، لو مهما شككوا بقدراتك. فبإمكانك الحصول على كل ما تريدينه، شرط أن تعملي بشكل كافٍ".