شدد رئيس جمعية المصارف اللبنانية ورئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب د. جوزف طربيه خلال مؤتمر مصرفي عُقد في بيروت اليوم، أنه "لا بد للبنان ان يتمهل في اصدار اي تشريعات تُعيد تنظيم القطاع المالي، بحجة اقرار الموازنة".

وإعتبر أن "المستثمر ينتظر وهو في حالة ترقب، لذلك علينا ان نحدد الدور الاقتصادي الذي نريد للبنان ان يلعبه في المنطقة، قبل اقرار اي ضرائب جديدة، خاصة تلك التي لها مفعول رجعي ... وعلينا العمل على بناء بيئة مستقرة دون ان نسيء للمظهر الإستثماري، فلبنان ليس دولة صناعية ولا دولة تجارية، لكنه مركز مالي مهم".

وقصد طربيه من خلال هذا التنويه، الضرائب التي تم إقتراحها في مشروع موازنة 2017، والتي تطال المصارف، ولعل أبرزها إقتراح رفع الفوائد المحققة من المودعين من 5% الى 7% .. إضافة إلى رفع معدل الضريبة على شركات الاموال الى 17%.

فهل ستؤدي فعلا هذه الضرائب إلى هروب المستثمرين، وخروج للودائع من المصارف ؟ وماذا عن الضرائب الأخرى التي تطال المواطن الفقير؟ .. وكيف سينعكس تأجيل الإنتخابات النيابية وعدم التوصل لإتفاق حول قانون إنتخابي جديد على الوضع الإقتصادي في لبنان؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

برأيك، هل ستؤدي رفع الضرائب على الفوائد المحققة من المودعين إلى خروج للودائع من المصارف؟ خاصة ان جمعية المصارف حذرت من الضرائب التي تناول بعضها القطاع المصرفي بصورة انتقائية بحسب تعبيرها ..

المصارف سيطالها ثلاث أنواع من الضرائب في مشروع موازنة 2017، أولا زيادة الضريبة على الفوائد المحققة من المودعين من 5% الى 7%، وهذه الضريبة يدفعها المصرف عن المودع، وبالتالي هي تطال المودعيين فقط .. أما الضريبة الثانية فهي رفع معدل الضريبة على شركات الاموال الى 17%، والضريبة الثالثة تطال أرباح المصارف من الأسهم المدرجة في بورصة بيروت .. وهذه الضرائب الثلاثة تؤمن للدولة 185 مليون دولار سنوياً.

وبعد إقتراح هذه الضرائب في مشروع الموازنة، قامت المصارف بإقتراح هندسة مالية بالتعاون مع مصرف لبنان ووزارة المالية، تقضي بتغطية المصارف لعجز موازنة 2017 (البالغ نحو 5 مليار دولار) عبر إكتتابها بسندات تصدرها وزارة المالية بالليرة اللبنانية واليوروبوند، وبفوائد أقل من فوائد السوق حاليا .. وهذا يسمح للدولة اللبنانية الحصول على مبلغ الـ185 مليون دولار من فرق الفوائد... على أن يسري هذا الإقتراح فقط لمرة واحدة في العام 2017، ثم تقوم الدولة في العام 2018 بإصلاحات تساهم في زيادة واردات الدولة ومنها مكافحة الفساد السياسي المالي، والفساد الإداري المالي، والتهرب الضريبي، وتفعيل أجهزة الرقابة .. وغيرها.

إذا هذا كان عرض المصارف للدولة اللبنانية، ولكن هذا العرض أمامه عائقان .. العائق الاول هو ان الدولة اللبنانية لديها سقف للإنفاق، ومن المتوقع ان لا يسمح مجلس النواب بإستدانة مبالغ كبيرة، أي أنه لن يسمح بإستدانة 5 مليارات دولار لتغطية العجز بل سيضع سقفا محددا للإستدانة.. والحاجز الثاني هو عدم توافق المصارف على كيفية توزيع هذه الخسارة (الـ 185 مليون دولار) فيما بينها، حيث كان الإقتراح أن يتحمل كل مصرف نسبة من الخسارة تعادل حصته بإقراض الدولة، وبحسب ما هو معروف فإن المصارف الصغيرة تمتلك الحصة الأكبر من إقراض الدولة، وعليها تالياً تحمل الجزء الأكبر من الخسارة، وهذا ما رفضته الأخيرة .. لذلك فإن هذا الإقتراح من المصارف سقط، ولا يمكن تطبيقه.

أما فيما يتعلق بتخوف جمعية المصارف من هروب الودائع والرساميل وتحولها إلى دول أخرى، فبإعتقادي أن المشكلة لا تكمن في زيادة الضريبة على فوائد المودعين .. المشكلة الأكبر هي في نسب الفوائد المرتفعة الموجودة في القطاع المصرفي اللبناني والتي يجب أن تنخفض بنسبة 20% على الأقل، وانا شخصيا لو كنت مسؤولاً عن السياسة النقدية في لبنان، فأول ما أقوم به هو زيادة عرض النقد في السوق، وتحفيز الحركة الإقتصادية .. وبمجرد القيام بهذه الخطوة ستنخفض نسب الفوائد تلقائيا من معدّل 6% تقريبا، إلى 4.8%.

وبرأيي فإن هذه الفوائد المرتفعة الموجودة منذ أكثر من 25 سنة تقف عائقا امام تحفيز الإستثمار والإستهلاك وتحريك العجلة الإقتصادية، ولا يمكن أن نستمر في إقتصاد ريعي كل هذه المدة ... وهذه السياسة تم إستخدامها بهدف تثبيت سعر الليرة، ولكن هذا المنطق هو منطق الريع ونحن بحاجة لسياسة مختلفة يكون هدفها الإنتاج والنمو وزيادة فرص العمل والحفاظ على شبابنا وقوتنا العاملة.

ما رأيك بالضرائب المقترحة الاخرى التي تطال بمعظمها ذوي الدخل المحدود؟ وكيف ستنعكس هذه الضرائب على الوضع الإقتصادي؟

تعبنا من الكلام والحديث عن هذه السياسة، فلطالما طالبنا بوقف الضرائب التي تطال المكلفين الملتزمين والطبقة الفقيرة في لبنان، ويجب التوجه نحو المتهربين من الضرائب، ونحو الفساد في مؤسسة الكهرباء، والصفقات المشبوهة وغيرها ..

بدلا من فرض الضرائب عشوائيا، علينا العمل أولا على إرساء المساواة بين المكلفين أمام الضريبة، والتخفيف من الهدر العام والسرقات، وتفعيل أجهزة الرقابة كالخدمة المدنية والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة والمجلس التأديبي العام، وإسترداد دورهم الذي كان موجود في عهد الرئيس فؤاد شهاب وشارل حلو ... وعندما تتجهون نحو زيادة الضرائب عليكم أن تسألوا أهل الإختصاص والتوجه نحو الضرائب المفيدة، فليس منطقيا أن تتم زيادة الضرائب عشوائيا، وخصوصا الضرائب غير المباشرة مثل القيمة المضافة، والفوائد المصرفية، والعمليات المالية، والكحول، ورسم الطابع وغيرها .. فهذه كلها ضرائب تطال الطبقات الفقيرة، وهناك اصول يجب إتباعها خلال إقرار الموازنات وفرض الضرائب، وعلى من هم في موقع القرار أن يعرفوا جيدا ما الفرق بين السياسة المالية والسياسة النقدية قبل إتخاذ قرارات مشابهة.

بإختصار هناك ما يعرف بالضرائب المفيدة، وهناك ما يسمى ضرائب مؤذية .. وفي ظل الركود الإقتصادي الذي نعيشه علينا التوجه نحو الضرائب المفيدة.

بعد إنتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، كان التحدي الأكبر هو إقرار موازنة وإجراء إنتخابات نيابية بموعدها ... ولكن بعد عرقلة إنجاز إستحقاق الإنتخابات النيابية، ما هي تداعيات ذلك على الإقتصاد؟

كنت اول الأشخاص الذين صرّحوا بأن إنتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة له أثر إيجابي لمدة شهرين فقط، وهذا الأثر سيتبدد إن لم يتم تدعيمه بإجراءات مهمة وأساسية وأبرزها قانون إنتخاب عصري، ونظام ضريبي جديد، وإقرار موازنة شفافة، والإنتهاء من قطع حسابات الموازنات السابقة، والبدء بإصلاحات إدارية، وإعادة الهيبة والدور لأجهزة الرقابة.

لذلك فإن تأخير هذه الخطوات، سيؤدي إلى تبخّر الجو الإيجابي الذي ساد في الفترة الماضية.