لا يمكن الجزم حتى تاريخه عما اذا كانت الحكومة الحالية تضع في اولوياتهاالامور المعيشية والاقتصادية في البلاد ام انها فقط حكومة اجراء الانتخابات النيابية كما اطلق عليها البعض،وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها لرسم إستراتيجيات إقتصادية، علما أن رئيس الحكومة سعد الحريري أكد بأن أولوية الحكومة ستكون معالجة الأزمات المعيشية كمسألة النفايات والكهرباء وغيرها ... وحتى الأن كل من يراقب السوق أو الحركة لا يمكنه ان يتحدث عن اي نهضة إقتصادية أو تحوّل جذري بل الكل يشكو من التباطؤ الاقتصادي الذي كان ينقصه رزمة من الضرائب تحضرها له موازنة العام 2017 لتفجّر ثورة اجتماعية،بعد تراجع القدرات الشرائية لدى الأسر اللبنانية، مع تراجع قدرة الاقتصاد على خلق فرص العمل حيث لا تتجاوز حاليا ما يناهز 5 آلاف فرصة عمل سنويا، بينما المطلوب أكثر بخمسة أضعاف المستوى الحالي وفق رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار.

في المطلق، القدرة الشرائية قاعدة تقاس على اساسها مستويات البلدان المعيشية.

ويمكن وصف القدرة الشرائيّة بأنها عبارة عن مصطلح اقتصادي شائع الاستخدام في التعبير عن مدى حجم الاقتصاد الوطني بالإضافة إلى مدى قدرة الأفراد على التأقلم مع المؤشرات الاقتصاديّة. ويدلّ ارتفاع مؤشر القدرة الشرائيّة لأي عملة وطنية على أن المجتمع في الدولة يعيش برفاهية اقتصادية؛ أي إن العلاقة طردية بين مستوى المعيشة، ومقياس القدرة الشرائيّة. إن مدى التطور الاقتصادي لأي بلدٍ يعتمد في تصنيفه على مدى تطوّر المستوى المعيشي لسكانه؛ حيث يؤخذ بعين الاعتبار كل من الأجر والخدمات العامة المقدمة للسكان ومستواها، بالإضافة إلى أرقام الدخل القومي، كما أنّ القدرة الشرائية هي تلك الكمية من السلع والخدمات المشتراة بواسطة كمية من النقود، وبالتالي قدرة الأفراد على شراء السلع والخدمات باستخدام وحدةٍ نقدية معيّنة.

وبين رياح السياسة المتقلبة ونمو الاقتصاد البطيء المعرّض للهزات اين هي القوة او القدرة الشرائية في لبنان؟

فؤاد زمكحل

رئيس تجمع رجال وسيدات الاعمال في لبنان والعالم د.فؤاد زمكحل يعتبر ان

القدرة الشرائية بالمعنى الاقتصادي هي المدخول ناقص المصروف. اي المدخول الذي يزيد.

وفي السنوات ال5 الماضية، تراجع معدل المداخيل لدى المواطنين ولدى الشركات. والسبب بذلك هو غياب النمو، تراجع الاستثمار وحجم التوظيفات في كل القطاعات.

وعندما نقصد زيادة المدخول لا يعني ابداً الزيادة التي تقرها الدولة على رواتب الموظفين والاجراء والعمال وانما عندما نحصد نمواً في الاقتصاد ودخول استثمارات جديدة بهدف التوظيف في السوق. وعندما ايضاً يسجل طلبا اكثر على السلع الاستهلاكية .

فعندما تصل البطالة الى 36% عند النساء و38% عند المتخرجين و25% بشكل عام فهذا مؤشر واضح الى انحدار الاقتصاد ككل. ورغم ذلك لم نلحظ اي زيادة في التضخم الذي هو بنسبة 0،5%. ولكن لا يمكن اغفال ان كلفة العيش زادت بشكل كبير؛ فهناك ازدواجية في الفواتير المدفوعة لقاءالخدمات غير المؤمنة بشكل طبيعي بدءأ بفواتير الكهرباء الى المياه وغيرها التي تسدد مرتين وصولاً الى ضرورة اقتناء اكثر من سيارة للنقل بغياب شبكة منظمة للمواصلات والنقل العام. ومع ان التضخم بقي متدنياً، ارتفعت كلفة العيش عند العائلة نتيجة الشلل الداخلي ، الحروب الاقليمية وارتداداتها على الداخل اللبناني،كما تراجعت القدرة الشرائية بنسبة كبيرة بين 25 و30%. صحيح ليس هناك من مؤشر واضح غير ان السلة الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن زادت بنسبة 13و14% وفق الاحصاء المركزي.

اما عن مصير هذه القدرة الشرائية في المستقبل يقول زمكحل "للاقتصاد" :نحن نلاحظ ان مشروع الموازنة المطروح اليوم فيه تدخل مباشر في عيش الفرد والعائلة بشكل دراماتيكي. ومن المعروف ان الموازنة هي رؤية اقتصادية لسنة . ولكن كما هي مرسومة تشكل للاسف صفعة قوية لا بل ضربة قوية للاقتصاد اللبناني ولعيش المواطن اللبناني معاً.

فمع رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 11% وزيادة 4% على استهلاك المازوت الى جانب الضريبة على الفوائد المصرفية التي يقترح مشروع الموازنة رفعها من 5% الى 7% ثم الضريبةعلى الارباحوعلى أرباح الشركات وغيرها ضمن 40بنداً لن تكون النتائج جيدة لابل على العكس . واذا كان اي لبناني يدخر اليوم البعض من المال فانما هو من فئة المتقاعدين الذين يصرفون من تعويضاتهم التي تقاضوها ، واما مصدر هذا الادخاريكون من المغتربين الذين يرسلون التحويلات الى عائلاتهم من الخارج. ولا يخفى على احد ان الزيادة الكبيرة في الضرائب ستنعكس ارتفاعاً في التضخم.

فمشروع الموازنة كما هو مرفوع في مختلف بنوده هو مشروع غير مدروس . لان كل ضريبة يتجه اليها التفكير يجب دراستها بما يتلاءم مع عيش المواطن . فإقرار ال 40بند ضرائبي ستكون نتيجته ارتفاع التضخم وارتفاع كلفة المعيشة بشكل اكبر بدون تحصيل اي مدخول منشود وبغياب اي استثمار جدي او خلق مشاريع مفيدة ذات جدوى اقتصادية .

بل ما نلاحظه ان الانفاق في الموازنة المطروحة ينصب في قطاعات تعاني الهدر كما هو حاصل في الكهرباء ،الى النفقات الجارية العائدة الى الرواتب الوهمية في القطاع العام وغيرها...

ويرى د.فؤاد زمكحل اننا اليوم امام استحقاقات كبيرة . واذا لم يتغير اي شيء على الارض فالمشهد قاتم على صعيد الاوضاع الاقتصادية والمعيشية . واي زيادة على دخل الفرد من خلال الراتب تقرها الحكومة سيواكبه بدون اي شك ارتفاع فيالتضخم باضعاف .

الا انه وفي مقابل ذلك، ولتحسين نسبة مستوى العيش بين 5و 6% فالمطلوب تحفيز الاستثمارات المحلية والخارجية وتسهيل اجراءات توظيفها في السوق ، مما يحّسن بيئة الاعمال ويخفّض معدل البطالة ويطلق الدورة الاقتصادية ، بعد تشجيع الشركات المتوسطة التي تؤمن التوظيفات وتوّفر فرص العمل . ايضاً من المفترض مساعدة القطاع الصناعي الذي بدوره يستقطب نسبة كبيرة من التوظيفات مما يسمح له برفع قيمة صادراته التي تراجعت في الفترة الاخيرة بنسبة 17%.

ويقول: الارقام الاقتصادية اليوم غير مشجعة علما انه بدأنا العام بجو تفاؤلي واتفاق سياسي اسفر عن انتخاب رئيس للجمهورية وبالتالي تعيين رئيس للحكومة وتشكيل حكومة. الا انه عدنا الى مواجهة المشاكل من قانون الانتخاب ، الخطاب السياسي المتصاعد، الحرب الباردة الاقليمية وغير ذلك مما يعيدنا الى الوراء . ولسوء الحظ ان التوافق السياسي سيكون له وجه سلبي اذا لم يسفر عن نتائج ايجابية.الاشهر الاولى من السنة التي مرت لم تكن جيدة على الاقتصاد ككل بدءا ً من الحركة التجارية الى الحركة السياحية الى وضع القطاع الصناعي .

من هنا يجب الاسراع والعمل بجدية من اجل تحسين كل المؤشرات الاقتصادية.

اما بعد، فيمكن القول انه مع مطلع العام 2017 وبداية عهد رئاسي جديد اَمِل به اللبنانيّون خيراً لبلدهم ولهم ولأُسرهم، يريد الجميع ان يكون رئيس البلاد مؤتمَناً على الدفع نحو بلورة رؤية إقتصادية ومالية واجتماعية للبنان تعزز القدرات الشرائية لدى الأسر وتحقق النمو والازدهار الذي يستحقه لبنان بعيدا عن الفساد والهدر .