استضافت ندوة "حوار بيروت" عبر أثير إذاعة لبنان الحر، من مقرّ الإذاعة في منطقة أدونيس، مع المعدة والمقدمة ريما خداج، بعنوان "الرؤية الإقتصادية لما بعد موازنة 2017؟ وخلق الحس الوطني الإقتصادي؟ العجز والمديونية والنمو والإقتصاد وفرص العمل؟"، الوزير الأسبق للمال د. دميانوس قطّار.

وخلال الندوة إعتبر قطّار أن "إقرار الموازنة هو امر ضروري، ومن الأفضل أن يكون لدينا موازنة .. فـ "الكحل أفضل من العمى" كما يقولون، والموازنة هي مسؤولية تأخّر أهل السياسية عن تحقيقها، وبرأيي يجب أن تتم محاسبتهم على هذا التأخير .. ولكن إذا أردنا أن نتحدث عن مشروع الموازنة اليوم فيجب علينا أن نعرف ما هي أهداف الموازنة، فهل هي موازنة لإصلاح أخطاء الماضي؟ أم هي موازنة لتمرير العام 2017 ومحاولة للإنتظام المالي؟ ام هي موازنة تهدف لقطع وإنهاء النمط السابق والإنتقال إلى نمط جديد؟ ... إذا نظرنا إلى ارقام مشروع موازنة 2017 يتضح لنا أنها كسابقاتها .. فثلث النفقات يذهب إلى الأجور تقريبا، والثلث الأخر للدين العام، والثلث الأخير ينقسم بين كهرباء لبنان وتحويلات أخرى .. فالقيمة الإستثمارية التي تريد الدولة إنفاقها من خلال موازنة 2017 ضئيلة جداً، بالرغم من انها وضعت إيرادات ضرائبية أعلى من الموازنات السابقة".

وأضاف "مشكلة الناس اليوم وإعتراضاتهم انهم يعلمون بأن هناك فساد مستشري في إدارات الدولة، وهناك موظفين غير فاعلين، وموظفين يأخذون رواتب وهم في منازلهم، ومدارس فيها حشد من الأساتذة بدون طلاب .. وغيرها من الأمور التي لا تعد ولا تحصى، وبنفس الوقت تأتي الدولة في موازنة 2017 لترفع الضرائب بدلا من العمل على إصلاح هذا الخلل".

وأشار قطّار إلى أن "حجم الموازنة اليوم لم يتغيّر، والنمط المتبع مازال كما هو، كما أن توجّه هذه الموازنة غير واضح أبداً ... والنظام السياسي في لبنان يعرف الخلل في الإنفاق، ويعلم تماما أين هي مراكز الإنفاق التي تحتاج إلى ضبط .. وخلال 12 سنة بدون موازنات كان النظام يدرك تماما أين هي مكامن هذا النوع من النفقات والهدر الذي تسببه .. وفي ظل كل تلك الامور نستنتج اليوم أن موازنة العام 2017 هي محاولة لإعادة إنتظام المالية العامة فقط .. فهي ليست إقتصادية موجهة لتحفيز الإقتصاد، ولا تراعي حالة الإستثمار الأساسي".

وأكد أن "المعركة اليوم ليست تقنية في الموازنة، فالمالية تمتلك جهاز متكامل قادر على إعطاء كل التفاصيل التي تندرج تحت مسمى التحسين الضرائبي .. وإذا نظرنا للموازنات السابقة نجد أن الإيرادات لم تصل أبدا إلى المستويات المحددة في هذه الموازنات ودائما ما تكون أقل، وكذلك بالنسبة للنفقات حيث أن النفقات تتخطى دائما ما هو مطروح في مشروع الموازنة ... فالسلطة السياسية في لبنان لم تسمح بعد الحرب، لا بضبط العجز ولا بإصلاح المالية العامة ولا بنظرة إقتصادية ترتكز على الإستثمار الوسطي والطويل الأمد .. بل ذهبت إلى آلية الإستدانة، حيث إعتبرها أهل السياسة أسهل طريقة توصل لبنان إلى الإستقرار النقدي .. والمشكلة اليوم أن أهل السياسة أنفقوا 70 مليار دولار تقريبا على فوائد الدين العام، كما تم إنفاق مبلغ مشابه على الأجور بين اعوام 1993 إلى 2016 ... فأصبح واضحا أن هذا النظام السياسي لا يهدف إلى إنعكاس تقني على المفهوم الإقتصادي، فالمنظومة السياسية لا تنظر إلى تقنيات الإقتصاد، بل تنظر فقط إلى التقنيات المالية .. وطالما النظام المالي ثابت فلا مشكلة بالنسبة لهم".

وفي سؤال للزميلة خداج عما كان سيفعل دميانوس قطّار لو كان وزيرا للمال في الحكومة الحالية .. قال "الموازنة يجب أن تقسم إلى قسمين .. فهناك ما يسمى الإستقرار الضريبي، وهو يعني أنه يجب الحفاظ على وتيرة تحصيل الضرائب لتغذية المالية العامة، ولكن بنفس الوقت يجب أن يكون هناك توجيه لإنفاق هذه الضرائب ... ويمكننا أن نعطي مثلا على ذلك من خلال سلسلة الرتب والرواتب، فالسلسلة لم تبدأ كبيرة كما هي اليوم، فهي بدأت عندما قمنا بدراسات ووجدنا أن رواتب الملاك الإداري ضعيفة جداً جداً، وكانت الفكرة المطروحة هي إعادة تنظيم هذا الملاك وتحسين رواتبه .. ولكن تحولت هذه المجموعة في الملاك عبر السنوات إلى مجموعة كبيرة جداً يجب إصلاح أجورها عن حقّ إقتصادي ولكن ليس عن حق مالي .. فهناك فرق كبير بين الإثنين، حيث أن ضعف الإقتصاد أدى غلى غنخفاض قيمة الأجور، وأصبح الناس بحاجة إلى هذه الزيادة .. ففي بلد إقتصاده حرّ لا يمكن أن نقول للناس أننا لا نريد زيادة الأجور، وبنفس الوقت يمكن للتجار رفع الأسعار من خلال الإحتكار ..... من هنا علينا العمل على إعادة تنظيم ضرائبي للوصول إلى الإستقرار الضريبي، ويجب أن نحدد: هل نحن اليوم نهدف من خلال هذه الموازنة إلى إصلاح بهدف عودة النمو الإقتصادي؟ أم نهدف فقط لإنتظام المالية العامة وزيادة مداخيل الدولة؟".