تعمل ​الحكومة اللبنانية​ على إقرار مشروع الموازنة العامة للعام 2017 ضمن سلسلة اجتماعات تعقدها للبحث في تفاصيلها الدقيقة. وتتوقع هذه الموازنة عجزاً يقارب 6 آلاف مليار ليرة وخدمة الدين عند 7 آلاف مليار فيما قد يصل إجمالي النفقات للعام المالي الى 24 ألف و700 مليار ليرة مع احتساب تكلفة سلسلة الرتب والرواتب ونحو 7 آلاف مليار ليرة لتسديد خدمة الفوائد. كذلك توقع مشروع موازنة 2017 نمواً إقتصادياً عند 2.6% مع نسب تضخم قرب 1.8%. أما في ما يتعلق بالايرادات التي لاحظها مشروع موازنة 2017، فلم تحدَّد الأرقام بشكلها النهائي بعد، لأن البحث مستمر في كيفية توفير المزيد من التمويل لخزينة الدولة، إلا أن الإيرادات المبدئية المتوقعة ضمن مشروع موازنة 2017 لا تتعدى الـ 16800 مليار ليرة.

ومن أجل زيادة الإيرادات المالية لخزينة الدولة، لحظ مشروع الموازنة سلسلة خطوات ضريبية وهي عبارة عن بنود جديدة منها زيادة ضرائب جديدة أو تعديلات على ضرائب موجودة وخاصة بعد إلحاق مشروع سلسلة الرتب والرواتب.

وأما البنود الضريبية فتضمنت: تعديلات على قانون ضريبة الأملاك المبنية، فرض رسم طابع مالي على استثمار المياه الجوفية، فرض رسم إستهلاك على إستيراد المازوت بمعدل 4%، رسم سير إضافي، رفع معدل رسم الطابع المالي النسبي من 3 في الألف إلى 4 في الألف، رفع رسم الطابع المالي على السجل العدلي من 2000 ليرة إلى 4000 ليرة، رفع رسم الطابع المالي على الفواتير والإيصالات التجارية من 100 الى 250 ليرة، رفع رسم الطابع المالي على فواتير الهاتف، مضاعفة الرسوم التي يستوفيها كتّاب العدول لصالح خزينة الدولة، فرض ضريبة بمعدل 15% على أرباح التفرّغ على العقارات والتي تعود إلى أشخاص طبيعيين ومعنويين، إلغاء المعدل المخفض للضريبة على توزيعات أرباح بعض الشركات، رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 11%، فرض رسم على عقود البيع العقاري بنسبة 2$، فرض غرامة على إشغال الأملاك العمومية البحرية والبرية والأملاك التي تقع على خط سكك الحديد وتحدد قيمتها بما يعادل ثلاثة أضعاف قيمة الرسوم المتوجبة على الأشغال المماثلة المرخص لها، رفع الرسوم على إستهلاك المشروبات الروحية المستوردة، فرض رسوم على خروج المسافرين جواً وبحراً وبراً، رفع معدل الضّريبة على شركات الأموال إلى 17%، فرض ضريبة على رسم إستخراج البحص والرمل، فرض نسبة من القيمة التخمينيّة في ما يتعلق برخص بناء أو إعادة بناء أو إضافة بناء في جميع المناطق، فرض رسم نسبي على جوائز اليانصيب وفرض رسم مقطوع على السلع المستوردة من الخارج ضمن مستوعبات.

مهنا: على الدولة محاربة ​الفساد​ بدل زيادة الضرائب والرسوم

وحول هذا الموضوع، أجرى موقع "الإقتصاد" مقابلة مع عميد كلية إدارة الأعمال في "جامعة الحكمة" البروفيسور أنطوان روك مهنا الذي اعتبر أن وزير المالية علي حسن خليل اقترح في مشروع قانون موازنة 2017 زيادة عدة ضرائب بينها الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 11%، كما اقترح صندوق النقد الدولي زيادة الضرائب ومنها الضريبة على الفوائد من 5 إلى 7% وزيادة الضريبة على الشركات المالية من 15 الى 17% إضافة الى زيادة رسوم وضرائب على الطابع المالي.

وأبدى مهنا تحفظه الكبير على موضوع زيادة الضرائب لأن المشكلة تكبر وتزيد وهي تكمن في موضوع التحصيل الضريبي والجباية وأضاف أن لبنان في حالة ركود إقتصادي وكلما زادت الضريبة على القيمة المضافة ضُرب الإستهلاك أكثر فأكثر وكذلك الحال بالنسبة للضرائب على الفوائد، فلا يعد هناك شبكات أمان وأنظمة تفاعل، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة الوضع الإقتصادي والإستقرار الإجتماعي. ولفت إلى أن هناك هدر بنسبة 50% من خلال التهرب الضريبي للمؤسسات وتهرب من الضريبة على القيمة المضافة بمئات ملايين الدولارات من خلال شركات وهمية تقبض أموال الـTVA إضافة إلى موضوع المرفأ بمليار دولار أميركي كالتهرّب بتغيير في محتوى الحاويات التي تصل إلى المرفأ، ويكون بحقها ضريبة عالية، كما أن هناك جباية غير متوازنة في الكهرباء والمياه، حيث إن هناك مناطق معينة تدفع أكثر من مناطق أخرى، إضافة إلى الهدر الفني والسرقة.

مهنا: البنود الضريبية تؤدي الى زعزعة الوضع الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي

ولفت ألى أن حل هذا الموضوع هو سهل، فبدل زيادة الضرائب والرسوم،فما على الدولة إلا أن تحارب الفساد بطرق عملية وتقنية، وهي لا تحتاج إلى أي تدخل خارجي. مضيفاًأنه على سبيل المثال تركيب عدادت كهربائية ذكية تساعد على الجباية وتمنع السرقة والهدر بشكل كبير جداً خاصة وأن قطاع الكهرباء هو منبع كبير للهدر إذ إنه يكلّف بين المليار والملياري دولار سنوياً منذ عام 2010 أي أنه وصل إلى أكثر من 16 مليار دولار ككلفة متراكمة.

وأشار إلى أنه يجب أن تضع الدولة غرامات حازمة بحق الشركات الوهمية في موضوع TVA لمكافحة التهرب الضريبي،إضافة إلى الأملاك البحرية والنهرية والأملاك العامة بشكل عام، حيث إننا وصلنا إلى وقت أن من يخالف لا يدفع المخالفة والعكس صحيح،مشدداً على أن هناك أمور عدة من الممكن أن تحسنها الدولة في المالية العامة وأن تخفف الإنفاق العشوائي من خلال التوظيف السياسي والزبائني المعتمد في الإدارات العامة من خلال موظفين مياومين أو بالفاتورة وغيرها، في ظل غياب الموازنة العامة منذ عام 2005.

وحول تأثير البنود الضريبية المقترحة على الإقتصاد الوطني والمواطن في حال إقرارها، قال إن هذه العملية ستخفف من نسب الإستهلاك في لبنان في الوقت الذي يحتاج فيه هذا الأخير إلى زيادة الإستهلاك، وخاصة أنه أكبر بند في الناتج المحلي للإقتصاد، كما أنه سيؤدي إلى زيادة الركود الإقتصادي إضافة إلى زيادة كلفة التشغيل، وبالتالي تهريب الإستثمارات الأجنبية المباشرة أي زيادة كلفة مزاولة العمل للشركات اللبنانية والأجنبية، وهذا مؤشر مهم جداً يصدره البنك الدولي والذي يدخِل فيه الفواتير والرسوم والضرائب وغيرها، مضيفاًأن هناك زيادات ضريبية على الشركات المالية من 15 إلى 17% وهذا أمر ضروري ومعلل لإقفال الثُّغَر الضريبية معتبراًأن البنود الضريبية ستضرب الطبقة الوسطى وما دون،أي المهن الحرة والمؤسسات الصغرى والعائلية والموظفين وغيرهم. وإضافةإلى ذلك، ستؤدي هذه الإقتراحات إلى زيادة وتضخم في الأسعار، ونسبة بطالة مرتفعة خاصة في ظل عدم وجود رقابة فاعلة من قبل مديرية حماية المستهلك وقطاعات أخرىعدة.

من جهة أخرى، قال إنه إذا تم رفع الضرائب لتخفيف العجز الإقتصادي سينتج عنه ركود إقتصادي، وتنخفض الحركة الإقتصادية والإيرادات من المبيع (TVA) وعلى المدى المتوسط والبعيد سيكون ضربة موجعة للعامود الفقري للإقتصاد والقطاعات الإنتاجية، لأن الإستثمارات ستتراجع بسبب زيادة كلفة مزاولة العمل إضافة إلى شل حركة الإستهلاك بل يجب ترشيد الإنفاق.

وحول زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 11%، أبدى تحفظه على ذلك، واعتبر أنه يجب تخفيضها إلى ما دون الـ10% على المواد الأولية ورفعها على الكماليات، فإذا تم رفعها إلى 11% فهذا الأمر يضرب كل الطبقات الإجتماعية، ويؤدي بالتالي إلى انخفاض نسبة الإستهلاك.

وأما حول موضوع زيادة الضريبة على المشروبات الروحية، فأشار إلى أن هذه الخطوة جيدة في حال طُبقت بشكل صحيح، ولكن اليوم هناك ظاهرة التزوير وتعبئة الزجاجات بالكحول المغشوش،مضيفاًأنه في ظل عدم رقابة صحيحة وغرامات موجعة بحق المخالفين، حيث تصل الغرامة إلى مليون ليرة، وهي تكون حوافز للمخالفين بزيادةأعمالهم التزويرية والتهريب،مشدداًعلى ضرورة زيادة الغرامات بدلاً من زيادة الضرائب لكبح جماح المزورين.

وحول التعديلات على قانون الضريبة على الأملاك المبنية، لفت إلى أن هناك قاعدة بيانات مركزية تسهل هذا الأمر وتخفف من التجاوزات التي تحصل، ولكنه يجب التنبهلى أن القطاع العقاري هو من أهم القطاعات في لبنان وهو يحرك معظم القطاعات الإقتصادية الأخرى، ويجب سد الثُّغَر الناتجة عن التهرب، ولا يجب زيادة الضرائب بشكل عشوائي.

من جهته، أبدى الخبير الاقتصادي د. سامي نادر، في حديث خاص لـ"الإقتصاد"، تحفظه تجاه البنود الضريبية المقترحة ضمن الموازنة العامة لعام 2017 لأن زيادة الضرائب تعيق الإقتصاد بشكل كبير، بمعنى أن التحدي الأساسي اليوم يكون في كيفية حصر النفقات وترشيدها وزيادة الواردات، لأن أي سياسة أخرى مبنية على رفع الضرائب ما هي إلا هروب إلى الأمام.

وأضاف د. نادر أن المسؤولين يحاولون تبرير زيادة الضرائب من خلال قولهم بأن لبنان ليس البلد الوحيد الذي يقوم بهذه الخطوة، بل هناك العديد من الدول التي تقوم بذلك، مشيراً إلى أن هذه البلدان تخفف، في المقابل، ضريبة أخرى ومثال ذلك، الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قال إنه سيخفض الضرائب على الشركات وسيزيدها في مكان آخر ومعيّن جازماًأنه لا يمكن اقتراح زيادة ضريبية دون أن تكون مرفقة بأي مشروع إصلاحي.

نادر: البنود الضريبية ستؤدي إلى زيادة العجز الاقتصادي

وحول آثار الزيادات الضريبية على الإقتصاد الوطني، أبدى تخوفه من إمكانية ضرب القطاعات التي لا تزال واقفة على أرجلها،مضيفاً،أنها ستنعكس سلباً على المواطنين وفرص العمل، والقدرة الشرائية، واستقرار العملة.وأكد أن هذه البنود لن تؤدي إلى ضبط عجز الخزينة، بل إلى زيادته وتقلص الإقتصاد الوطني، وأنها تستهدف الطبقة المتوسطة، مبديا تخوفه من الذهاب في هذا الإتجاه لأنه يصبح التحول إلى ضرب القطاع المصرفي والأثرياء.

نادر: زيادة 500% على الكحول ستؤدي الى انتشار التزوير وافقال المطاعم

وحول زيادة 500% على الكحول، لفت إلى أن كل مطاعم لبنان ستقفل أبوابها وأن التهريب والتزوير سيؤديان دورهما بشكل أساسي على أيدي المافيات .

أما حول موضوع الضريبة على الحسابات المصرفية، فاعتبر أن الحسابات المتبقيةالتي تشكل ملاءة مصرفية يتم تغطية عجز الموازنة من خلالها ستختفي وتتقلص هذه الملاءة كما حصل في اليونان، الأمر الذي سيؤدي إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية.

وقال إنه في حال إقرار هذه البنود ضمن الموازنة العامة فإنها لن تؤدي إلى سد العجز، بل إلى زيادته لما لها من آثار سلبية على الإقتصاد الوطني، ومساهمتها في تقليص حجمه، مضيفاً، أنه من الأفضل أن يكون هناك إقتصاد وطني بـ100 مليار بنسبة ضرائب تصل إلى 4% على أن يكون حجم الإقتصاد 60 مليار، وبنسبة ضرائب تصل إلى 10%.