يحضّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب توقعات النمو الإقتصادي التي تتجاوز بكثير تلك التي نشرت من قبل معظم الإقتصاديين التقليديين في الولايات المتحدة الأميركية. وماذا يمكن القول في هذا الصدد؟ إنها مجرّد توقّعات لا ضرر في أن تكون أكثر تفاؤلاً من التوقعات السابقة.

وفي المقابل، فإن اللعب أو تكبير الأرقام يمكن أن يؤدي إلى الضرر الكبير،خاصة أن الرئيسترامب الذي أصبحأكثر وضوحاً يوماً بعد يوم، يستطيع أن ينشيء قاعدة بياناته ومعلوماته الخاصة إذا لم تكن الحقائق تناسبه. وتعتمد السياسة الإقتصادية اعتماداً كبيراً على أفضل فهم ممكن لما يحدث. ويمكن استخدام البيانات الإقتصادية الوهمية لتبرير السياسات الجديدة التي قد تثير اهتمام ترامب شخصياً من أجل استرضاء أنصاره في الوقت الذي فشل في معالجة المشاكل الإقتصادية الحقيقية وحتى الإضرار بالإقتصاد.

وفي هذا الإطار، يعمل ترامب على التحضير لميزانية عامة تتوقع أن يرتفع فيها النمو الإقتصادي بنسبة 3.5% في السنة للسنوات القليلة المقبلة، حسب ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية. في المقابل، يعتقد الخبراء الإقتصاديون مثل مكتب الميزانية في الكونغرس، مجلس الإحتياطي الإتحادي ومصادر أبحاث خاصة بأن تنبؤات ترامب مرتفعة جداً ومتوقعة بأن يرتفع النمو الإقتصادي بنسبة 2% بشكل سنوي. وقد لا يبدو أن الفرق بنقطة ونصف النقطة بين توقعات ترامب وتوقعات الخبراء الإقتصاديين كثير،إلا أن هناك فرق شاسع. وفي حال ارتفع النمو الإقتصادي الأميركي بنسبة 3.5% سنوياً في الوقت الحالي، فإنه من الممكن أن يتم خلق آلاف فرص العمل، ومداخيل مالية عالية، والقليل من الإستياء بين المواطنين الأميركيين في أميركا وخارجها.

هذا ولم تنشر إدارة دونالد ترامب توقعاتها بعد، والتي ستكون جزءاً من الميزانية العامة الفيدرالية للعام 2018 المقبل، والتي سيقدّمها الرئيس إلى الكونغرس في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. ومن هنا لا نعلم إلى أي مدى يستطيع فريق ترامب الوصول إلى توقعات مرتفعة للنمو الإقتصادي،خاصة أن هذه التوقعات هي عرضة للتغير في أي لحظة.

تسييس البيانات الإقتصادية

من جهة ثانية، تعتمد مقترحات ترامب الإقتصادية بشكل كبير على الإفتراضات،إلى جانب العرض حول التخفيضات الضريبية والإنفاق على البنية التحتية،حيث ستؤديإلى إنتاج دعمٍ كبيرٍ لعملية النمو الإقتصادي المرتقبة. ويمكن أن تبرر هذه الإفتراضات الزيادة الكبيرة في العجز السنوي والدين الوطني العام، بما أن النمو السريع للإقتصاد في المستقبل قد ينتج المزيد من الدخل والعائدات الضريبية لصالح الحكومة الأميركية. وهذا ما لم يحصل في المرة الأخيرة حيث إن التخفيضات الضريبية التي وقّعها الرئيس الأسبق للولايات المتحدة جورج بوش في العامين 2001 و2003، فشلت في إنتاج دفعة قوية للنمو الإقتصادي الأميركي فيما تم إضافته إلى الدين العام ببساطة. ويكمن الخطر باستخدام بيانات إقتصادية وهمية أو إنتقائية لتبرير سياسيات إقتصادية خاطئة، وبحسب ما قاله الإقتصادي المحافظ دونالد بودرو من جامعة "جورج مايسون" فإنه إذا لم يتم التأثير على السياسة؛ فلن يكون هناك أي ضرر، مضيفاً "أن الضرر يأتي من خلال تأثيره على السياسات المعتمدة، الأمر الذي يمكن أن يجعل هذه الأخيرة أسوأ".

إلى ذلك، يتطلع فريق عمل ترامب الإقتصادي إلى السبل التي تعيد تأكيد العجز التجاري وتجعله فعلياً أسوأ مما هو عليه حالياً من خلال عملية التعداد للمنتجات الأجنبية التي تنقل عبر الترانزيت عن طريق الولايات المتحدة الأميركية إلى البلدان الأخرى، حيث يتم اعتبارها واردات وليس صادرات. وفي المقابل، يقول خبراء إقتصاديون إنه يجب التعامل مع هذه المنتجات بالمثل سواء اعتُبرت كصادرات أو كواردات،أو لم يتم اعتبارهاأي شيء- وذلك من أجل وضع صورة دقيقة لما يحدث. وإن عملية احستاب هذه المنتجات كواردات تؤدي إلى جعل العجز التجاري أكبر وأعمق،إضافة إلى تأجيج الدعوات لوضع تعريفات ورسوم وقائية وغيرها من القيود المالية والتجارية التي يفضلها ترامب. فيما يقول إقتصاديون آخرون إن مثل هذه القيود الوقائية من الممكن أن ترفع الأسعار وتضرب الإقتصاد.

وبدأ الباحثون في استكشاف ما إذا كان ترامب سيقوم بتسييس البيانات الإقتصادية التي جمعتها الحكومة الإتحادية ونشرتها، حيث يتم النظرإليها على أنها صارمة، وبعيدة عن التلاعب السياسي. من جهتها أشارت شركة "كابيتال ايكونوميكس" للأبحاث البريطانية إلى أن اتجاه إدارة ترامب ينذر بالخطر من تجاهل الحقائق الموضوعية واعتبارها أخبار وهمية قد أدت إلى إخبار حول إمكانية قيام الرئيس الأميركي وفريقه بتسييس الإحصاءات الأميركية. وأضافت الشركة أن هذه المخاوف هي بعيدة المنال قليلاً، ولكنها لم تعد أمرا غير وارد تماما.

من الواضح أنه من المبكر، ومن السابق لأوانه توجيه الإتهام إلى ادارة ترامب بالتلاعب بالأرقام الإقتصادية، ولكن الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة مختلف عن أسلافه، خاصة أن احتقاره للبيانات والعلوم لم يسبق له مثيل، وأنه يرفض الحقائق التي لا يمكن دحضها،وكان قد قدم وعداً بجعل النمو الإقتصادي يصل إلى 3.5% حيث إن الوقائع قد لا توصل إلى هذا الرقم.

وتحقيقاً لهذه الغاية، يمكننا أن نرى الخطوط العريضة لاستراتيجية ترامب لإعلانه الإنتصار على الإقتصاد الأميركي، بغض النظر عما قد يحدث لاحقاً. وقد يستخدم ترامب التوقعات في الميزانية الرئاسية لهذه السنة لتغيير طريقة قياس النمو الإقتصادي حيث سيعمد إلى وضع خط أساسي يساعده على الوصول إلى نمو بنسبة 3.5% بطريقة سهلة خلال السنوات اللاحقة. وعندما يحتج الخبراء على سياساته الإقتصادية، فسيعمد عندها إلى القول إن كل ما يتم تداوله هو أخبار وهمية،موجهاً اللوم إلى وسائل الإعلام واصفاًإياها بالكذب حول معدل النمو الحقيقي.