يُقال "الإيمان بالموهبة هو النجاح والتمسك به هو التفوق"، وميرا منقارة خير مثال على ذلك. فهي امرأة "طرابلسية"، وعدت ووفت بوعدها.

كرست حياتها لمهنتها، وأحبت مدينتها إلى أقصى الحدود، فعملت جاهدة للحفاظ على معالمها السياحية، كما سعت إلى تعريف أكبر عدد ممكن من الأشخاص، على تراث هذه المدينة وحضارتها، وذلك من خلال الجولات السياحية التي تنظمها، والتي لاقت اهتماما واسعاً من مواطنين محليين، ومن سياح أجانب من مختلف دول العالم.

العقل المدبّر وراء "جولات ميرا"، "Mira’s Guided Tours"، ميرا منقارة، خصت موقع الـ"الإقتصاد" بهذه المقابلة:

من هي ميرا منقارة؟ وكيف قررت الإنطلاق في تنظيم الجولات السياحية؟

حصلت على إجازة في الإرشاد السياحي من "الجامعة اللبنانية" في العام 2002، وكنت في ذلك الوقت، أقوم بجولات سياحية كعمل حر بالتعاون مع البلدية، أو وزارة السياحة، أو السياح.

في الوقت نفسه كنت أعمل كموظفة بدوام كامل أيضاً، لأن العمل الحر لم يكن يكفي؛ فقد دخلت مجالات عدة مثل الإتصالات والعلاقات العامة، كما عملت لمدة أربع سنوات في "Beirut Art Center"، المختصص في الفن المعاصر.

في تلك الفترة، اندلعت الحرب في سوريا، وبدأت الأحداث في طرابلس بين جبل محسن وباب التبانة، عندها شعرت بالخوف على المدينة القديمة، وقلقت من الضربات الموجعة التي ستؤدي إلى زوال جميع الآثارات الموجودة فيها. وذات يوم، سقطت قذيفة أمام جامع، وحينها قطعت وعداً على نفسي بتنظيم الرحلات في مدينة طرابلس القديمة، فور توقف الأحداث والمشاكل، وهذا ما حصل!

فأطلقت حدثا (event) عبر موقع "فيسبوك"، على صفحتي الخاصة "Mira’s Guided Tours"، وأتى على الفور 25 شخصاً، وذلك خلال شهر نيسان، أي الشهر الذي تلا الخطة الأمنية. ولا تزال الأعمال مستمرة إلى حد اليوم، لأن العديد من الأشخاص طلبوا مني الإستمرار. وبالتالي قدمت استقالتي من وظيفتي الثابتة، وأصبحت متفرغة بالكامل لهذا العمل فقط. وأنا اليوم أنظم الجولات في المدينة القديمة، ومعرض رشيد كرامي، والميناء، وسكة الحديد، ومدينة صور...

ما هي جنسيات الأشخاص الذين تستقطبهم مدينة طرابلس الأكثر؟

العدد الأكبر من زوار مدينة طرابلس في الماضي لم يكن من السياح، إنما بدأنا هذا العام باستقطاب عدد من القادمين من كل بلدان العالم، منها المانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا. لكن في السنتين الماضيتين، كنا نستقبل الأجانب الذين يعيشون ويعملون في لبنان (في الجمعيات والمنظمات).

ولا بد من الإشارة إلى أنني كنت أؤمّن الباصات من بيروت، من أجل الأشخاص الذين لا يحبون القيادة إلى أماكن بعيدة.

هل تحسنت الحركة مع بداية العام 2017 بالمقارنة مع السنة الماضية؟

بات الوضع أفضل اليوم، وبدأنا نشهد على حركة أكبر في المدينة. بالإضافة إلى ذلك، أرى بعض السياح الذين يأتون لوحدهم لزيارة المدينة القديمة، والتنزه في طرابلس، وهذا الأمر إيجابي ومشجع للغاية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنني أتمنى أن لا يخاف اللبناني من طرابلس وبعلبك وهذه المناطق التي يتخوّف منها البعض، بل عليه أن يخرج من هذه العقلية، ويكسر هذا الحاجز، ولا يترك الأحكام المسبقة تتحكم به، لأن لبنان بلد صغير، وإذا لم نبدأ باكتشافه وبزيارة بعضنا البعض، فلا أحد سيقوم بهذه الخطوة عنا.

من قدم لك الدعم الأكبر من أجل الاستمرار في هذا المشروع؟

تلقيت الدعم من الأصدقاء والأهل، ولكن ليس من قبل الجمعيات أو الوزارات أو البلدية. كما أنني شجعت نفسي بنفسي، وهذا هو الأمر الأهم. فأنا أحب هذا العمل الى أقصى الحدود، كما أن ردود فعل الناس الإيجابية دفعتني إلى الإستمرار، فهم يفرحون كثيراً بالجولات، ويقدرون العمل الذي أقوم به.

ما هي الصفات الشخصية التي ساعدتك على النجاح في عملك كمرشدة سياحية؟

من الصعب أن يتكلم الشخص عن نفسه، لكن طريقة عملي السلسة والمسلية والمنظمة، أدت إلى إنجاح الجولات التي أنظمها.

ومن صفات النجاح أيضا: أولا أن يحب الإنسان ما يقوم به، ويشعر بالشغف تجاهه، فأنا أقول دائماً أن غياب الحب يؤدي إلى فشل العمل.

ثانيا، أن يكون التنظيم مهنياً ومحترف.

ثالثا، أن يتحلى الإنسان بالتهذيب، ويستمع إلى الآخرين؛ فأنا أحياناً أصغي إلى آراء الزوار وأغير طريقة عملي لإرضائهم بشكل أكبر. فالإنسان الناجح هو الذي يبقى منفتحاً على آراء الآخرين.

ما هي الصعوبات التي تواجهك خلال العمل؟

لم أواجه يوماً أي صعوبة من الناحية الأمنية، فالوضع في طرابلس مستقر وهادئ وآمن.

من جهة أخرى، بدأ عملي بالتوسع أكثر فأكثر، كما بدأ الطلب على خدماتي بالتزايد يوما بعد يوم. فأنا لدي أفكار كثيرة لتطوير العمل، لكن الصعوبة الوحيدة التي أواجهها، تكمن في عدم الحصول على الوقت الكافي لإنجاز جميع الأعمال بمفردي، لذلك أسعى اليوم إلى إيجاد فريق العمل المناسب، وسأبدأ بالبحث بين خريجي الجامعات.

ولا بد من الإشارة إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي تساعدني بشكل كبير على نشر خدماتي، واكتشفت من خلال الإحصائيات التي قمت بها، أن الناس يتوجهون إلينا من خلال "فيسبوك"، أو "كلمة الفم" (word of mouth)، أي الأصداء الإيجابية من الأشخاص الذين تعاملوا معي.

ما هي المشاريع التي تعملين على تحقيقها في المستقبل؟

أسعى إلى توسيع نطاق خدماتي لكي تشمل جولة على الحرفيين الموجودين في مدينة طرابلس، لأنني أشعر أن هذا المجال مهم لكنه مهمل.

فاللبناني لم يتعرف إلى جميع الأعمال الحرفية الموجودة في طرابلس، وفي المقابل، يعاني الحرفي من حالة من اليأس، بسبب غياب الحركة وتوقف الأعمال. لهذا السبب أفكر بالقيام بجولة لزيارة كل الحرفيين؛ فمن جهة يحب الناس الحرف اليدوية، ومن جهة أخرى فإنّ هذه الخطوة ستؤدي إلى تحريك العجلة الإقتصادية في المنطقة، وتساعد الحرفيين على التقدم والإنتشار بشكل أكبر.

 

كيف تحققين التوازن بين عملك وحياتك الخاصة مع انشغالك الدائم بالعمل؟

الأمور تسير بشكل جيد إلى حد اليوم، لأن الأعمال منظمة بطريقة مهنية ومحترفة؛ فالتنظيم مهم وأساسي في مجال الأعمال خاصة عندما يعمل الشخص بمفرده. ولكن إذا قررت التوسع وتقديم الجولات والأفكار الجديدة، لن أحصل حينها على أي وقت لنفسي، لذلك سوف أسعى للحصول على فريق عمل يساندني.

كيف تقيمين وضع المرأة اللبنانية في لبنان بشكل عام وفي محيطك بشكل خاص؟

لا شك في أن المرأة اللبنانية تقدمت مهنيا، وباتت تعمل مثل الرجل تماماً، حتى أنها تكون أحياناً منتجة أكثر منه، لأنها تعمل، وتطبخ، وتنظف المنزل، وتعتني بالأولاد، وتحافظ على مظهرها الجميل،...

في الأساس، أشعر أن النساء العاملات في طرابلس طموحات وناجحات، وينخرطن في سوق العمل لتقديم الأفكار والمشاريع الجميلة.

ما هي رسالة ميرا منقارة إلى المرأة؟

أشجع المرأة على العمل، فإذا كان لديها حب لمجال معين، أو اهتمام بموضوع معين، أو حلم بتحقيق مشروع معين، عليها الإقدام على هذه الخطوة في سوق العمل اللبناني، لا أجد أن المرأة ممنوعة عن القيام بأمور معينة لمجرد أنها امرأة. وبالتالي فإن المجتمع لا يقف في طريقها في مجال العمل، بل قد يعيقها في مجالات أخرى مثل الأمور الإجتماعية، والعاطفية، والزوجية، والعائلية، وغيرها.

وفي النهاية أريد أن أشكر المصور سام تارلينغ (Sam Tarling) على الصورة الأساسية للمقالة، ونظير حلواني على الصورة الثانية.