الإستثمارات هي مفتاح النمو الإقتصادي. هذه هي كلمة السرّ لأي إجراء لتحفيز الإقتصاد اللبناني. وبالحديث عن الإجراءات، آن الآوان لإقرار مشروع خصخصة بورصة بيروت وإنشاء المنصة الإلكترونية والتي ستُشكل رافعة للإستثمارات في الإقتصاد اللبناني.

تنصّ النظرية الإقتصادية على أن الإستثمارات هي أساس النمو الإقتصادي وذلك من ناحية أن الدورة الإقتصادية تحتاج إلى إستثمارات لتستطيع خلق فرص عمل وإنتاج سلع وخدمات وبالتالي زيادة الإستهلاك. وبالتالي يُمكن القول إن التاريخ لم يشهد أن إقتصادًا نمى دون أن يكون هناك إستثمارات.

هذه المعادلة هي أيضًا صحيحة في حال لبنان كما تُثبته البيانات التاريخية التي تُظهر أن النمو الإقتصادي يتماشى بشكل ميكانيكي مع الإستثمارات الأجنبية المُباشرة التي هي أساس الإستثمارات في لبنان (الإستثمارات الداخلية لا تتعدى مئات الملايين مقارنة بإستثمارات أجنبية بمليارات الدولارات).

ففي أعوام المجد (2007-2010) إزدادت الإستثمارات بشكل ملحوظ حتى لامست حدود الخمسة مليارات دولار أميركي وإرتفع معها النمو الإقتصادي إلى أن وصل إلى 9.3% في أعلى نقطة له. ومع بدء إنحدار الإستثمارات أخذ النمو الإقتصادي بالتراجع حتى بلغ الحضيض في العام 2013 ليعاود الإرتفاع في العام 2014 تحت تأثير إرتفاع الإستثمارات.

هذا الأمر يفرض على الحكومة أخذ إجراءات ضرورية لتحفيز الإستثمارات التي من المعروف عنها أنها "شرهة وجبانة" في نفس الوقت. والإجراءات المطلوبة من الحكومة يجب أن تطال الشق المُتعلّق بالخوف بالدرجة الأولى لأن عائدات الإستثمارات في لبنان هي عائدات عالية في بعض القطاعات تفوق نظيراتها في الدول الأخرى على مثال القطاع التكنولوجي الذي يشهد نموًا بنسبة 20 إلى 26% سنويًا وذلك منذ عدّة أعوام.

هذا الإجراءات تطال جذب الإستثمارات الأجنبية إن من الدول الخليجية أو من المُغتربين اللبنانيين. لكن أيضًا من الداخل اللبناني حيث أن حجم الأصول التي يتمّ إستثمارها (Assets Under Management) من قبل المصارف اللبنانية والشركات المالية وشركات الوساطة المالية تفوق عشرات المليارات من الدولارات وهي مُستثّمرة في سندات الخزينة أو في أصول أجنبية في الخارج دون أن يستفيد الإقتصاد اللبناني بدولار واحد منها.

من هذا المُنطلق تأتي خطوة خصخصة بورصة بيروت (والمنصوص عليها في قانون إنشاء هيئة الأسواق المالية) لتُشكّل حجر أساس للإستفادة من هذه الأموال. فبورصة بيروت التي تأسست في العام 1920 (ثاني أقدم في الشرق الأوسط) فقدت عدّة فرص لتطويرها بسبب الأحداث الأمنية التي عصفت بلبنان في سبعينات القرن الماضي ولكن أيضًا لإفتقادها الأسس التي تقوم عليها البورصات الحديثة وعلى رأسها كفاءة الأسواق (market efficiency)، القدرة على خلق أدوات مالية إصطناعية (Replication)، وغياب فرص المراجحة (absence of arbitrage opportunity). هذه الأسس هي ضرورة لا مهرب منها لإنشاء بورصة حديثة تخدم الأهداف التي أنشئت من أجلها أي دعم الإقتصاد الوطني.

المشروع الذي يمضي به ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​ لحلّ هذه المُشكلة هو بإنشاء منصّة إلكترونية (ETP – Electonic Trading Plaform) والتي هي عبارة عن منصّة إلكترونية يتمّ إدراج أدوات مالية عليها من عملات، معادن، أسهم، عقود آجلة، عقود خيارية لكن أيضًا سيكون من المُمكن أخذ وضعيات قصيرة (short selling) وهو ما يُعتبر أساسي في تطور الأسواق المالية.

والأهم في الأمر أن الإقتصاد اللبناني سيستفيد على صعيدين:

أولًا – عبر الشركات الناشئة: هذه الشركات التي تُعرف بالـ startup (أي تملك قدرة نمو عالية) لا تملك حاليًا قدرة على الإستثمار بحكم أن المصارف تطلب من هذه الشركات ضمانات لإقراضها الأموال. وبالتالي فإن المنصة الإلكترونية ستسمح للشركات التي تستوفي شروط معينة تضمن حقوق المُستثمرين، من الحصول على تمويل كاف لها. وهذا ما تُطالب به الهيئات الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) التي تعتبر أن الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم هي الأداة الأساسية لمحاربة الفقر ونقل التكنولوجيا إلى الإقتصاد اللبناني.

ثانيًا – عبر إدراج عقود على النفط والغاز: فعند إستخراج النفط والغاز سيتمكّن لبنان (إذا ما سمحت شروط التلزيم) بإدراج عقود على النفط والغاز اللبناني مما يزيد من سيولتها (instrument liquidity) وبالتالي الطلب على النفط والغاز اللبناني.

إن إنشاء هذه المنصة سيسمح على الآمد القصير من تأمين مبلغ يقارب الـ 100 مليون دولار أميركي للشركات الناشئة وعلى الآمد البعيد قد يصل هذا المبلغ إلى عدّة مليارات من الدولارات كفيلة برفع النمو الإقتصادي إلى ما يفوق الـ 6 إلى 8%.

مما تقدّم، نرى أن على الحكومة اللبنانية الإسراع ببتّ مشروع خصخصة بورصة بيروت لكي يتمّ إنشاء المنصة الإلكترونية وهذا الأمر لا يُكلّف الحكومة اللبنانية أي مصاريف لا بل على العكس ستزيد مداخيل الدولة اللبنانية من الضرائب بحكم أن إرتفاع الإستثمارات يرفع حتمًا هذه المداخيل.

بالطبع يُمكن القول أن فتح هذه المنصّة على الأسواق العالمية عبر تبادل المعلومات عن الأسعار والقدرة على الإستثمار من خارج لبنان من خلال المؤسسات المالية سيزيد حكمًا من حجم المنصّة وسيُعطيها دفع علّها تستعيد الدور الذي خسرته لصالح بورصة دبي.