هو رجل لبناني، وعندما يُقال عن مسيرته المهنية "غنية بالخبرات" فهذه الكلمة تطبق حرفيّاً على رحلته المفعمة بالتجارب..

درس هندسة الميكانيك.. وتفوّق.

دَرّس الرياضيات وبرع في استلام إدارة مجموعة من الأساتذة يكبروه سنّاً.

أبى أن يقبل بوضعه الإجتماعي العادي فعمل في كل صيفية ليُحسن وضعه لأنه آمن بأنه "مختلف عن الآخرين" ، لا بل هو يؤمن بأن المهارات تتغلب على كل المعطيات وبأن تدريبها أساسي... فبات من أهم المدربين في لبنان.

لم يقف طموحه هنا، فكانت مهمته الثانية تحويل تلامذة لبنان إلى عباقرة، وها هم اليوم يفوزون بجوائز عالمية بعد تدريبهم في مراكز شركته.

مؤسس شركة "Genius Map" و سفير من قبل الوزارة اليابانية على منطقة الشرق الأوسط لعلوم الحساب الفوري ....هادي حمزة

لذا كان لا بد لـ"الإقتصاد" من التوقف عند هذه الشخصية النموذجية لإلقاء الضوء عليها والإنصات ملياً إلى نصائح "أهل الخبرة والمهارات".

-كيف أسهمت مسيرتك الأكاديمية في بلورة حياتك المهنية اليوم؟

درست في المهنية إختصاص الميكانيك، وعادة ما يكون من الصعب على الطالب المهني الدخول إلى الجامعة ولكني كنت متفوقاً في دراستي.

لذا تقدمت للإنتساب إلى كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، ودرست هندسة الميكانيك وبرعت فيها رغم أنني لم أُحبّ هذا المجال، ولكنه كان حلم والدي.

وخلال عامي الدراسي الثاني في الجامعة، بدأت بتعليم مادة الرياضيات في أحد المدارس الكبيرة في لبنان، وكُنت أحضر صفوفي بعد الظهر وأُعلّم في المدرسة في الصباح.

أما خلال العطل الصيفية فكنت سنوياً أعمل في أي مهنة أجدها متوفرة، فمن بعض المؤسسات التي عملت فيها كان: الفرن، المخرطة، صالون التزيين، وعملت كنادل في أحد المطاعم أيضاً.

وهذا لأني أنتمي إلى بيئة محدودة الدخل كنت دائماً أتطلع إلى تحسين نمط حياتي، وكان لدي قناعة واضحة بأني مختلف عن الآخرين،وأنه بمقدوري إنجاز العديد من الأمور.

إذ كنت أشعر في كل وظيفة أشغلها بأنها " مؤقتة فقط"، وكأنها تجسد أحد الدرجات التي ستُسهم في إيصالي إلى أماكن أفضل.

بعد تخرجي من الجامعة اتجهت إلى مجال التعليم الذي عشقته! وهنالك اكتشفت أن التدريب هو أساس الحياة.

فأنا دخلت للمدرسة كمدرس للرياضيات وبعد عامين فقط وقبل تخرجي من الجامعة عُينت مسؤولاً عن مجموعة من المعلّمين الكبار، وهذا تمّ بعد أن لاحظت الإدارة قدراتي القيادية، وشكّل هذا الأمر تحديّاً كبيراً بالنسبة لي، فضاعفت جهودي في القراءة والإطلاع، كما خضعت للعديد من الدورات التدريبية وشعرت حينها أن هذين العاملين هما الأساس في بناء أي إنسان يتطلع لتكوين شخصية قيادية.. وهنا كنت أقترب من هدفي ..

-كيف انتقلت من عالم التعليم إلى عالم التدريب والأعمال؟

في العام 2005 أسست "Roshod for Human and Management Development" وكان الهدف منها تدريب الأشخاص على مهارات قيادية في مجال العمل.

وأتت هذه الفكرة بعد تجربة سابقة، عندما اكتشفت صعوبة توظيف أستاذ كفوء في  تعليم مادة الرياضيات، فالجامعة تُعلّم الطالب الرياضيات ولكنها لا تُدربّه على "كيفية" تعليم المادة.

وكنّا عندها نضطر إلى مقابلة خمسين أستاذاً لينصب خيارنا على واحد فقط في نهاية المطاف.

وبدأت بالتركيز على مجال التدريب منذ العام 2000 ولكن في العام 2005 بدأت رسميّاً عبر "Roshod for Human and Management Development"، وتقدمت بإستقالتي من المدرسة.

-ألم تُخفك فكرة تخليك عن وظيفتك الثابتة في المدرسة لتأسيس مشروع جديد من نوعه في المنطقة؟

كان خيار مصيري غيّر مسار حياتي، لم يفهم العديد من الأشخاص مبدأ التدريب التربوي، نُعتُّ بـ"المجنون" ولكني لم أكترث كثيراً.

توجهت إلى السعودية لأخوض تدريب تُعده شركة بريطانية هناك، وكان هذا التدريب مختصّ لإعداد مدربين معتمدين.

في المدرسة كان راتبي الثابت يقارب 500 دولار، ولكن خلال هذه الورشة التدريبية وتحديداً في اليوم الرابع تعاقدت معي الشركة البريطانية لكي أكون أحد مدربيها وكنت أتقاضى 700 دولار مقابل النهار الواحد.

وفي اليوم الثاني عشر والأخير من الدورة التدريبية أعطيت الدورة عوضاً عن المدرب الذي كان مريضاً.

ومن هنا تغيّرت حياتي رأساً على عقب، وبدأت أقرأ أكثر لأطور نفسي أكثر وأكثر.

وبعد عودتي إلى لبنان أسست الشركة رسمياً، وبدأت بإعطاء دورات تدريبية وعقدت العديد من الإتفاقيات مع الولايات المتحدة الأميركية، ماليزيا وبريطانيا وقمنا بأكثر من 3000 دورة تدريبية في لبنان والعالم العربي، وباتت شركتنا معروفة في مجال التدريب في الإدارة والتعليم.

-ما هي أبرز العراقيل التي واجهتك في "Roshod for Human and Management Development" وكيف تخطيتها؟

تم تدمير مكتب الشركة خلال الحرب في العام 2006، وكان لدينا خياران، إما أن نستسلم أو أن نبدأ من جديد.

ولكن في مرحلة ما بعد الحرب عادة ما يكون الأفراد منشغلين بإعادة ترتيب أمورهم التي دمّرتها أو غيّرتها الحرب... فمن باله بـ"التدريب"!

من هنا قررت تغيير العينة المستهدفة، فعوضاً عن تدريب المعلمين ذوي الدخل المحدود، قمت بدورات مختصة بالتخطيط الإستراتيجي للمدراء ورؤوساء البلديات، لأن هذه العينة لن تتأثر كغيرها في الأوضاع الصعبة.

وكنا نقدم التدريبات في الفنادق، أما فيما يخص المركز التدريبي فاستأجرت مكتباً آخر، وكان فريق عملنا مكوّناً من شخصين غيري.

لم نكن حينها نملك سوى 700 دولار ، استأجرنا مكتب بـ300 دولار ونقلنا خط الهاتف القديم، وأخذنا معنا حاسوبين، واحد لي والآخر إشتريناه مستعملاً مقابل 100 دولار .

وبعد أن قمنا بالدورات الأولى، تمكنا من جني الأموال وتمكنّا من اجتيار هذه المرحلة.

-كيف أبصرت فكرة "Genius Map" النور ؟

وهنا يأتي التحدي الثاني وهو إيجاد وسيلة تمكنني من تحصيل المال دون اعتمادي المباشر والحصري على مجهودي التدريبي.

وبالفعل تمكنت فكرة واحدة من تغيير حياتي كُلياً وحياة من حولي سواء من تلاميذ وموظفين الآن.

تلك الفكرة التي لمعت في ذهني منذ العام 2003 عندما كُنت أدرس الأطفال، إلا أنني لم أعرف حينها كيف بإمكاني استثمارها فعلياً لتصبح مشروعاً حقيقياً.

تهدف الفكرة إلى تطوير أدمغة الأطفال، فبعد أن أحضرت الـ"Soroba" (بالياباني) او "Abacus" (كما هو متعارف عليها عالمياً ) وهي لوحة الحساب الذهني، إلى لبنان في العام 2007 لم يقتنع أحد بأن بإمكان هذه القطعة الخشبية الصغيرة ذات الحبوب الخرزية أن تساعد ذهن الإنسان على حلّ أكثر المعادلات الحسابية تعقيداً.

قدمت هذا المشروع إلى أكثر من ممول ولكن الجميع رفض، لذا قررت أن أتحمل أعباءه بنفسي، وعزمت على تحويل شركة التدريب إلى "Genius Map".

وتوقفت عن التدريب في العام 2007 لينصب كل تركيزي على هذا المشروع.

ولكن قبل أن أؤسس هذا المشروع اتجهت إلى الصين، اليابان والهند لكي أدرس هذه الفكرة على أصولها، وعدت إلى لبنان ودربّت المعلمين  على هذه المادة الجديدة.

خلقنا كُتب لبنانية، وبتنا نستورد البضائع، وأثبتنا للمجتمع اللبناني أن أبناءهم قادرون على أن يصبحوا عباقرة في مادة الرياضيات إذا تم تدريبهم.

وفي العام 2010 أصبحت المدراس تثق بمشروعنا وتضمه إلى مناهجها.

-ما هي أبرز إنجازات "Genius Map"؟

لدينا اليوم أكثر من 100 مدرسة ومركز في لبنان، ودربنا حوالي 30000 تلميذ ، وُتطبق فكرتنا في 11 بلد عربي وأجنبي.

هناك العديد من الشركات المنافسة التي حاولت الدخول إلى هذا القطاع، وعندها قمت بدراسة جميع التفاصيل التي يقدمونها وخلقت معايير عالية جداً، وتحالفت مع وزارة التربية اليابانية وعُيّنت سفيراً من قبل الوزارة اليابانية على منطقة الشرق الأوسط لهذه العلوم.

وفي العام 2016 حصلت على وكالة الإمتحانات الرسمية اليابانية في كل المنطقة.

واليوم نحن نُمثل الجهات التعليمية الرسمية اليابانة في منطقة الشرق الأوسط.

كما أن عدد المدراء والمنسقين الذين يتعاملون معنا لتطبيق هذه الفكرة في لبنان يقدرون بحوالي مئتي شخص. أما عدد الأساتذة الذين يدرسون هذه الفكرة على مستوى لبنان يصل إلى 600 أستاذ.

أما هذه الشركة التي كانت مكونة من موظفين غيري؛ فأصبحب اليوم مكونة من 48 موظفاً يعملون بدوام كامل.

وعلى صعيد الإتفاقيات العالمية حصلت "Genius Map" على وكالة عالمية لبيع الألعاب الفكرية الخاصة بشركة "TDAIICHI" اليابانية.

-كيف تُسهم شركتك في تحويل أطفال وطنك إلى عباقرة؟

كل هذه التدريبات التي نخضع لها والدراسات التي نُعدها نطبقها على الأساتذة قبل التلامذة.

وقد تُرجمت هذه الجهود من خلال المسابقات العالمية التي تفوق فيها التلميذ اللبناني على تلامذة العالم.

وأذكر منها المسابقات العالمية التي حصلنا فيها على جوائز في المراتب الأولى والثانية والثالثة في كل من هونغ كونغ، اليابان، وأميركا.

ومن فترة وجيزة حصدنا 4 جوائز في المرتبة الأولى في مسابقة عُقدت في كوريا ، كما حصد تلميذان جائزتين في المرتبة الثانية وتلميذ واحد حصل على جائزة في المرتبة الثالثة، واشترك في المسابقة عشرون شركة عالمية تُعلم الأطفال على الحساب الفوري ومنها شركات هندية، وروسية، وغيرها.

تمكنت "Genius Map" من إثبات أن في لبنان عباقرة! فنذكر التليمذ محمد المير الذي حصل على جائزة بطل العالم في المانيا منذ 3 أعوام، والتلامذة عباس مصطفى، شربل مدور، ربيع بو درغام وأحمد فرحات، وهم طلابنا الذين العالم تفوقوا في مسابقات في أميركا، هونغ كونغ وغيرها الكثير.

رغم أن لبنان هو نقطة صغيرة على خريطة العالم، تمكن تلامذتنا من تحويلها إلى علم لبناني كبير مزروع في كل بلد يتفوقون فيه.

-ما هي أبرز التحديات التي واجهت "Genius Map"؟

ومن التحديات التي مررنا بها هي تطوير كُتبنا الـ36 كل عامين أو ثلاثة، ونحن بحاجة للعودة إلى المراجع الأصلية في اليابان والصين لأن لكل بلد منهما مدرسته الخاصة .

لذا نستقبل دورياً خبراء أجانب، ونرسل أساتذتنا إلى الصين، اليابان وهونغ كونغ ليكتسبوا خبرات جديدة.

كل هذه العوامل أدت إلى تأسيس علامتنا التجارية الخاصة "Genius Map" في شباط 2016.

-ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

طموحنا المحلي هو الوصول إلى كل طفل لبناني، ونعتبر أننا سنحقق هذا الهدف خلال السنوات الخمس القادمة ، علماً أن مراكزنا تبلغ 56 مركزاً في لبنان فقط موزعين على الأراضي اللبنانية كافة.

وعلى المستوى العالمي لدينا خطة للسنوات العشر القادمة بأن نكون موجودين في أكثر من 50 بلد، ونحن على تقدم في هذا الهدف.

-من منطلق خبرتك الخاصة ما هي رسالتك للشباب اللبناني؟

أدعو الشباب للإيمان بهاتين المقولتين الأولى لـ إبراهيم بيل : " لا تمشى على الطريق المرسوم لأنه سيوصلك إلى ما وصل إليه الآخرون."

والثانية: "عندما تكون لديك الرغبة المشتعلة في تحقيق النجاح لن يستطيع أحد إيقافك."

وأشدد على عبارة "الرغبة المشتعلة" وليس التمني بالنجاح!

برأيي على كل شاب لديه فكرة مشروع ما أن يحقق النقاط الخمس التالية: الطموح، ثانياً أن يكون هو "أساس الطموح" أي أن يكون بارعاً في هذا المجال، أما ثالثاً فأن يكون المرء "على قدر هذا الطموح"، والتحلي بالمرونة لتحقيق هذا الهدف، وأن لا يستسلم من أول عقبة تصادفه، رابعاً الصبر وأخيراً الرغبة المشتعلة.

إذا وجدت كل هذه الأمور في شخص ما لن يستطيع أحد أو أي مشكلة من بناء جدار عازل بينه وبين أهدافه.

لسنا كلنا مدراء، ولسنا كلنا مسؤولين نحن بحاجة إلى الموظفين لأننا خلقنا متفاوتين، ونحن نشكل عناصر مُكمّلة لدورة لا تتوقف وهي الأساس في تطوير البشرية.