"الإقتصاد" تواكب ملف زيادة تعرفة الكهرباء بين مؤيد ومُعارض

كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية زيادة تعرفة الكهرباء بشكل "طفيف" –على ذمة المسؤولين- بغية زيادة ساعات التغذية.

إلا أن هذه الفكرة التي تُطرح بين الحين والآخر لم تلقَ الرواج الكافي لا في المجلس ولا في الشارع اللبناني، لذا عزمت "الإقتصاد" على دراسة هذا الملف من زواياه الثلاث: رأي المواطن اللبناني وهو المعني الأول في هذا الموضوع، وجهة نظر عضو لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب محمّد حجّار، والموقف الإقتصادي الذي تعرفنا إليه مع الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي.

رغم أن كل الأراء جاءت متضاربة ومتناحرة إلا أن كل من الأطراف الثلاث أجمعوا على أن لبنان يمر بمرحلة شاذة عن المألوف!

وبما أن المستفيد والمتضرر الأول والأخير هو المواطن اللبناني إستمعت الإقتصاد إلى آراء بعض المواطنبن إذ اعتبر أحد أصحاب المحال أن هذه "حجّة لا أكثر" متسائلاً :" ما هي الضمانة بأنهم سيزيدون إنتاج الكهرباء". فيما قال مواطن آخر: "هذه الزيادة ستضرني لأني مُلزم بدفع فاتورة ثابتة للمولد أيضاً، وعادة ما تكون شهرية سواء عزموا على زيادة التغذية أم بقيت على حالها." وأستغرب الحديث عن زيادة تعرفة الكهرباء عوضاً عن توفيرها 24/24 ساعة كمطلب محقّ والإستغناء عن المولدات كُلياً !"

وإكتفت إحدى المارّة بالقول:" زيادة التعرفة يعني زيادة السَّرقة."

أجمع المواطنون على مبدأ واحد وهو " عدم ثقتهم بدولتهم!"

لذا محطتنا الثانية كانت مع عضو لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب محمّد حجّار الذي خصّ الـ"الإقتصاد" بمقابلة حصرية.

محمد الحجار: زيادة إنتاج الكهرباء في ظلّ التعرفة الحالية يعني زيادة خسائر الخزينة وعلى الزيادة أن تكون متفاوتة بحسب الطبقات الإجتماعية

 إعتبر  الحجار أن مشكلة الكهرباء في لبنان تُكبّد خزينة الدولة خسائر كانت لفترة طويلة بحدود المليارين دولار سنويّاً ثم تراجعت إلى حوالي مليار و مئتي الف دولار سنويا مع تراجع أسعار النفط، كاشفاً أن حُصّة خسائر الكهرباء من الدين العام المتراكم تتجاوز الـ35 مليار دولار، من أصل حجم الدين الإجمالي العام الذي يُقارب الـ  75 مليار دولار.

ورأى أنه لا يمكن لأحد اليوم أن ينكُر مشاكل الهدر، إلى جانب موضوع التعرفة التي لم تتغير منذ العام 1994.

وبيّن أن مؤسسة كهرباء لبنان تبيع الكهرباء بمعدل وسطي بحدود 9 سنت (للكيلواط/ ساعة) بينما كلفة هذا الإنتاج تصل إلى حدود الـ18 والـ19 سنت (للكيلواط/ ساعة).

 وأكد ان هذه التكلفة لا تزال مرتفعة رغم تراجع أسعار النفط، وتابع شارحاً :"الموضوع لا يتعلق فقط بتكلفة الإنتاج فإلى جانبه تأتي آفة الصفقات والهدر الفني والسرقات التي تطال الشبكة بالإضافة إلى عدم جباية فواتير الكهرباء في بعض المناطق  دون غيرها!"

وأعتبر الحجّار أن :" تعديل التعرفة هو أمر إيجابي، ولكن هذا التعديل يجب أن يطال كبار المستهلكين وليس الطبقة الفقيرة."

بمعنى آخر يعتبر النائب انه يجب بقاء التعرفة كما هي على الأفراد ذوي الإستهلاك البسيط للكهرباء، لأن وضعهم الإقتصادي والإجتماعي لا يُمكّنهم من تحمّل أعباء إضافية، على عكس كبار المستهلكين الذين عليهم تحمّل أعباء الطاقة التي يستهلكونها.

وعن الزيادة النسبيّة يقول:" وفي سنياريو آخر قد تحدد زيادة التعرفة على أصحاب الدخل المحدود بنسب ضئيلة." 

ورداً على سؤالنا عما إذا كانت زيادة التعرفة ستُسهم في تحسين الخدمة بهدف توفيرها في مرحلة لاحقة 24/24 ساعة يقول الحجّار:" زيادة إنتاج الكهرباء في ظلّ التعرفة الحالية يعني خسائر إضافية في الخزينة العامة، وبالتالي  تعديل التعرفة هو مدخل صحيح بالشروط التي ذكرتها على ان يواكبها مكافحةٌ اسباب العجز والهدر."

ولكن هل ستخدُم هذه السياسة في الحدّ من الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان قال الحجّار:" هذا الأمر تتحمله المؤسسة ووزارة الطاقة، أما نحن كلجنة نيابية مختصة في هذا الملف فمن واجبنا مواكبة هذا  الأمر بغية التأكد أن زيادة التعرفة تصب في الخانة الصحيحة وتخدم الهدف الاكبر وهو زيادة ساعات التغذية وتأمين الكهرباء 24/24 كما كانت أيام الرئيس رفيق الحريري في العام 1997 ووضع حدّ لهذا الوضع غير المقبول الذي يضر كثيرا بالإقتصاد والذي يعاني منه لبنان."

يشوعي : لا يحقّ للدولة اللبنانية أن تطالب بزيادة التعرفة

وعلى المقلب الآخر رأي بعيد كل البُعد عن كلام الحجّار ،إذ لم يرَ الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي أي حاجة لزيادة التعرفة في ظلّ الخدمة السيئة، وطالب المسؤولين بطرح التعرفة الكاملة.

وتساءل يشوعي :"ما هو السبب خلف زيادة تعرفة الكهرباء هل هي بهدف المحافظة على "مافيات المولدات الكهربائية"؟

وأكد أن التعرفة الكاملة هي تكلفة الكهرباء التي على الدولة جبايتها بهدف تأمين كهرباء 24/24 ساعة.

معتبراً أن التعرفة الحقيقية للكهرباء في لبنان بإمكانها أن تحافظ على سلامة الأحياء السكنية، كما توفر عجزاً سنوياً على خزينة الدولة تفوق قيمته المليار دولار، وأضاف:" عندما تزيد ساعات التغذية وصولاً لـ 24/24 ساعة لن يحتاج المواطن إلى المولدات الكهربائية."

وأستغرب من معادلة تقضي بزيادة التعرفة بهدف زيادة التغذية، قائلاً:" :"لو كانت الدولة اللبنانية تدعم قطاع الكهرباء فعلياً لما اضطر المواطن للجوء إلى المولدات الكهربائية ودفع مبالغ إضافية سنويّاً ليست بالمتواضعة أبداً!"

وشدد:"ولكن الكهرباء في لبنان غير مدعومة والمستهلك يدفع فواتير إضافية للحصول على مطلب أساسي .. فلا يحقّ للدولة أن تطالب بزيادة التعرفة."

واعتبر أن على وزير الطاقة أن يقول :"نحن بصدد تصحيح تعرفة الكهرباء للإستغناء التدريجي عن مولدات الأحياء السكنية حفاظاً على سلامة البيئة ومالية الدولية ولن يتغير الأمر على المستهلك لا بل قد يدفع فاتورة أقل في حال أّمنت الدولة الكهرباء لمواطنيها."

وشرح يشوعي أن التصحيح في تعرفة الكهرباء يعني الإستغناء عن المولدات والمحافظ على مالية الدولة، الأمر الذي سيُسهم في تخفيف العجز المالي عن الخزينة الدولة، بحيث تصبح مؤسسة كهرباء لبنان المُزوّد الوحيد للكهرباء في لبنان ويتخلص المواطن من أي فواتير إضافية نتجت عن تقصير الدولة.

وختاماً وصف الخبير الإقتصادي الوضع الحالي بـ"الشاذ" قائلاً:"نعيش في وضع شاذ منذ أعوام إثر تفشي الفساد."

رغم اختلاف آرائنا وقناعاتنا يتفق اللبنانيون على قناعة موحدة راسخة في عقولهم بأن "وضعنا غير طبيعي" على أمل أن يُعاد النظر في هذا الملف بعد الأخذ بالإعتبار أن للناس وللطبقات الإجتماعية "طاقات" أيضاً .. لا يجوز مساومتها على أبسط حقوقها بالحصول على "الطاقة"!.