قطاع الكهرباء هو النموذج الصارخ على مثلث الطائفية والفساد وسوء الادارة الذي يدمر الاقتصاد الوطني ، لانه يكلف لبنان حوالى ثمانية مليارات ونصف المليار سنويا، وفقا لتقارير الخبراء المحليين ، وتقارير دولية مؤكدة . هذه الارقام المذهلة تذهب هباء منثورا والمواطن يعرف ذلك في حياته اليومية : تقنين يصل الى حدود 16 ساعة يوميا ، معامل شبه معطلة ، عدم كفاية الانتاج ، شبكة توزيع قديمة ، اعطال متكررة تارة بحجة الحر وطورا بذريعة عواصف الشتاء ، سرقة موصوفة للتيار من قبل مافيا المولدات ، واخيرا ادارة سياسية وتقنية مقصرة.

يتسبب هذا القطاع بالخسائر التالية :

1- مليارا دولار سنويا عجز ميزانية مؤسسة ​كهرباء لبنان​ ، يسددها المكلف اللبناني. وتراكم العجز هذا هو المسؤول عن حوالى اربعين في المئة من الدين العام . هذا المبلغ انخفض جزئيا بسبب تراجع اسعار الفيول ، ولكنه مرشح للزيادة مجددا في الاشهر المقبلة .

2- مليار ونصف مليار دولار سنويا خدمة الدين العام الناتج عن عجز الكهرباء .

3- ثلاثة مليارات دولار سنويا هي ثمن التيار الكهربائي الذي يشتريه المواطنون من مافيات المولدات . الارقام السابقة كانت تترواح بين مليار ونصف وملياري دولار سنويا ، ولكن ثمة ظاهرة جديدة نسبيا (منذ بضع سنوات ) هي ان اصحاب المولدات يبيعون كهرباء الدولة الى المواطنين ، وهذا ما يضاعف الرقم التقديري ويرفعه الى 3 مليارات دولار سنويا.

4- مليارا دولار خسارة غير مباشرة للدخل القومي ، نتيجة تعطل الحياة الاقتصادية بسبب غياب او عدم انتظام التيار الكهربائي.

والحاصل هو ثمانية مليارات ونصف مليار دولار سنويا ، فاذا كان متعهدو النفايات يبتلعون مع السياسيين الذين يحمونهم حوالى 200 مليون دولار سنويا وهذه فضيحة ، فان قطاع الكهرباء في لبنان يتشكل الفضيحة الاكبر والاخطر بحيث يعجز اللسان عن وصفها الا بعبارة واحدة : انها محرقة المال العام .

تقرير فاضح

في تقرير للبنك الدولي (15 حزيران 2015 ) وردت الامور التالية :

- لبنان يحتل المرتبة ما قبل الاخيرة بين 155 دولة شملها التقرير في ما خص سوء ادارة قطاع الكهرباء .

-الطائفية في الاداء الحكومي بما خص هذا الملف هي احد اسباب خراب هذا القطاع الحيوي .

-الكهرباء مسؤولة عن حوالى نصف الدين العام .

- الكهرباء وامداد المواطنين بها هي احد اوجه التمييز بين الفقراء والاغنياء ، لجهة توزيع ساعات التقنين .

– ازمة الكهرباء هي المسؤولة عن تعطل العديد من المشاريع الاستثمارية في لبنان .

خطط وقوانين لا تنفذ

منذ العام 2000 وضعت خطط حكومية عدة لمعالجة ازمة الكهرباء استندت الى قوانين اقرها مجلس النواب ولكنها بقيت حبرا على ورق ، وتخلت السلطة السياسية عن مسؤوليتها في الاشراف على هذا القطاع الحيوي .

القانون 462 صدر في ايلول من العام 2002 ، وأهم ما فيه إنشاء الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء (الهيئة الناظمة) ، هذه الهيئة لم تشكل حتى اليوم . وعوضا عن ذلك عين مجلس الوزراء مجلسا جديدا لادارة الكهرباء برئاسة كمال حايك.

القانون 181 صدر في العام 2011 ، وجدد طلب تشكيل الهيئة الناظمة ، وزاد عليها تشكيل لجنة وزارية للاشراف على قطاع الكهرباء ، وحتى اليوم لم تتشكل لا الهيئة ولا اللجنة . كما حدد مهلة شهرين كحد اقصى لتعيين مجلس ادارة جديد لكهرباء لبنان، فلم يتم ذلك .

2014 انتهاء ولاية مجلس ادارة الكهرباء ، ومجلس الوزراء يقرر ابقاء كمال حايك مديرا عاما ، من دون تعيين مجلس ادارة جديد .

وعد الـ 24 / 24

أخر خطة حكومية لمعالجة ازمة الكهرباء المعروفة بخطة الـ 700 ميغاوات ، هي التي اقرها مجلس النواب بالقانون 181 المذكور اعلاه ، وجرى بسببها اطلاق وعد كهرباء 24 على 24 في العام 2015 . والقانون يتضمن بالاضافة الى تعيين وتجديد الادارات المعنية بالكهرباء ، انشاء معمل انتاج جديد في دير عمار ، وتطوير الانتاج في معملي الجية والذوق ، واستجرار الطاقة موقتا من باخرتين تركيتين ، وتلزيم قطاع التوزيع الى ثلاث شركات خاصة (مقدمو الخدمات ).

النتيجة بعد حوالى ست سنوات على القانون : معمل دير عمار 4 لم يبصر النور ، بسبب الخلافات السياسية الطائفية ، وتطوير المعملين تأخر لاكثر من اربع سنوات ، للاسباب عينها ، والبواخر التركية اصبحت امرا واقعا دائما ، مع ارتفاع تكلفتها ، ومشروع مقدمي الخدمات حقق نجاحات جزئية في تحسين شبكة التوزيع والصيانة والجباية ولكن ينبغي استكماله وخصوصا لتنفيذ مشروع العدادات الذكية الذي من شأنه أن يقضي على هدر التيار نهائيا.

مسؤولية من ؟

المحاسبة تشمل السلطة التنفيذية اولا التي تخلت عن مسؤوليتها في متابعة تنفيذ القوانين ، وتشمل السلطة التشريعية ثانيا التي اهملت مراقبة ومحاسبة الحكومة ، وثالثا ينبغي محاسبة ادارة الكهرباء اذا ظهر انها قصرت من جانبها في تنفيذ الخطط الحكومية.

اللبنانيون يراهنون بقوة على العهد الرئاسي الجديد ، ولعل من ابرز التحديات التي ينتظرون حلا لها من رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري ومن مجلس الوزراء ، وتحديدا من وزير الطاقة الجديد والنشيط سيزار ابي خليل ، هي أزمة الكهرباء ، فهي البداية لاعادة تصويب المالية العامة ، ووقف نمو الدين العام ، بانتظار معالجته.

مؤسسة كهرباء لبنان كانت تحقق الارباح والوفر قبل حرب 1975 ، والمطلوب اليوم ان تعود الى عهدها الذهبي .