قصة نجاح زياد الحلبي من القصص التي تستحق الوقوف عندها. فهو بدأ من الصفر، ولن نبالغ إذا قلناإنه بدأ من تحت الصفر، حيث استدان رأسمال الشركة المتواضع الذي يبلغ خمس مئة دولار فقط، وانطلق منه...

وبإصراره وكفاحه ومثابرته، استطاع الوقوف في وجه العوائق والتحديات، وبقي متمسّكا بمبادئه ليثبت القول المأثور أن "رياح التغيير لا يحركها إلا الرجال الأقوياء". فتحول من مجرد موظف عادي في منصب متواضع، إلى صاحب شركة لها اسمها وسمعتها في السوق اللبنانية.

مسيرة هذا الرجل العصامي، هي بمثابة قدوة لطالبي النجاح في الأعمال والمشاريع والتجارة، ونموذج للشباب الطامحين، لكي يحذوا حذوه، ويسيروا على خطاه الراسخة.

كان لـ"الإقتصاد" هذه المقابلة الخاصة والحصرية مع مؤسسة شركة "Al Halaby Establishment"، و"الجمعية اللبنانية للوقاية من الإصابات الرياضية"، "LASIP"، زياد الحلبي:

- أخبرنا عن بداياتك المهنية، وكيف قررت تأسيس شركة "Al Halaby Establishment"؟

تربيت في ظل ظروف صعبة خلال فترة الحرب، ولم أتمكن حينها من الحصول على الإجازة الجامعية بسبب الأوضاع المتأزمة في البلاد. فتوظفت في منصب متواضع بالحد الأدنى للأجور، وفي ذلك الوقت كنت أتعلم مهنة ثانية، وهي صيانة الساعات.

وكان حجم أعمال الشركة كبيراً، في حين أن عدد الموظفين قليل، وبالتالي بدأت بالبحث عن فرص للتحسين في المجال الذي أعمل فيه، لكي أتمكن من تطوير نفسي ضمن الشركة. لكن الإمكانيات لم تكن مرتفعة، لذلك انتقلت من وظيفتي المتواضعة، إلى منصب مساعد أمين مستودع. وبعد فترة، بدأت أظهر اهتماما بالمبيعات، وتم تحويلي إلى هذا القسم، حيث بقيت حوالى أربع سنوات؛ فكنت أنزل إلى الأسواق، وأسوّق للمنتجات التي تبيعها الشركة، والتي تتضمن المواد الأولية لمعامل الشوكولا.

وخلال وجودي في السوق، تبيّن أنني أتقن عمليات البيع، فكل شخص يتميز بخصائص معينة في حياته، ونقاط قوة في شخصيته، وكان ذلك جزءاً كبيراً من شخصيتي مبني على المبيعات.

بعد ذلك بفترة قصيرة، أي في نهاية العام 1997، قررت الشركة إغلاق القسم الذي أعمل فيه، والإستغناء عن خدماتي. لذلك بدأت في العام 1998 بالحصول على قطع الشوكولا من المعامل، وبيعها لمحلات الحلويات، وكنت أتنقل حينها بسيارتي الخاصة. وذلك لكي أتمكن من الحصول على مصروفي الشهري.

وشهر بعد شهر، بدأت بإحضار البضاعة إلى منزلي، وبالتوزيع من المنزل، حتى بدأت الأعمال تتوسع يوماً بعد يوم. وتجدر الإشارة إلى أنني اعتمدت على إستراتيجية كانت ناقصة في السوق اللبنانية، وبحثت عن ثغرة للدخول منها، في ظل وجود عمالقة في السوق. ومن خلال ما رأيته، لاحظت أن الزبون اللبناني يهتم كثيراً بالعلاقة الشخصية مع التاجر، والتسهيلات المقدمة في الدفع، وطريقة التعامل؛ إذ أنه لن يتفاعل مع شخص يعامله بقلة أخلاق أو بفوقية، بل يهتم بالشخص المتواضع في التعاطي معه، والذي يحافظ على الإستمرارية في نوعية البضاعة.

وبالتالي أسست شركة "Al Halaby Establishment for Trading" لتجارة المواد الأولية لمتاجر الحلويات، وبدأت بمبلغ خمس مئة دولار فقط، كنت قد استدنته. إنطلقت بدون رأسمال، أو خلفية، أو دعم مادي من أحد، وكان حجم العمل صغيراً.

- أين كانت نقطة التحول في مسيرتك المهنية؟

إستمرت الشركة بالعمل بشكل متواضع وصغير، حتى ارتفع سعر الكاكاو ثلاثة أضعاف في مرحلة من المراحل؛ والكاكاو هو مكون أساسي في إنتاج الشوكولا. وفي ذلك الوقت، توجهت جميع المعامل في لبنان إلى البديل عن الكاكاو، أي بودرة الخروب، التي تشبه الكاكاو بلونها، لكنها تختلف بالطعم، وبهذه الطريقة تمكنوا من المحافظة على سعر البيع.

لكن إحدى المبادئ التي كنت مصراً عليها، هي الاستمرارية بتقديم النوعية التي كنت أقدمها للزبائن، وبالتالي رفضت رفضاً قاطعاً التغيير. ففي النهاية لن أتمكن من إعطاء منتج يرضي كل الناس، ولكن على الأقل لم أغير النوعية للأشخاص الذين شعروا بالرضى تجاهها. وبالتالي استمريت في استخدام الكاكاو ذاته، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ثمن المنتج، وتراجع الطلب عليه بشكل ملحوظ لفترة طويلة.

ورغم ذلك، بقيت مصراً على عدم تغيير النوعية التي بدأت بها، وبعد فترة من الوقت، عاد الناس إلى استهلاك المنتجات بالسعر الأغلى، كما عادوا إلى اختيار النوعية الجيدة التي اعتادوا عليها؛ وهنا كانت نقطة التحول بالنسبة إلى الأعمال.

في تلك الفترة، بدأ اسمي بالإنتشار في الأسواق، وبات الزبائن يعلمون أنني صاحب شركة. أما بالنسبة إلى التجار الذين أتعامل معهم، فكان تركيزي الكامل على الالتزام بالإتفاق المعقد؛ ودفعت ثمن هذا الالتزام أحياناً، لأنني أشتري بسعر معين، وعندما ينخفض هذا السعر بعد فترة، أبقى ملتزماً مع التاجر، مع العلم أن العديد من التجار في السوق يغيرون الإتفاق عندما تتغير الأسعار لمصلحتهم ولا يلتزمون به.

وبالتالي كنت ملتزما من الناحيتين: من ناحية الصدق مع الزبون لكي يحصل على النوعية ذاتها في كل مرة، ومن ناحية الصدق مع التاجر، لكي يحصل على تسهيلات كبيرة في الدفع، ويعامَل بطريقة ثابتة ومتماسكة.

ومع الأيام، بدأت الشركة بالتوسع، وفي الوقت ذاته بات لدى الناس ثقة أكبر بالمنتج الذي نبيعه، ولدى التجار ثقة أكبر في التعاطي معي.

ففي البداية كنت شخصاً بدون رأسمال، يبحث عن الأمور الناقصة في الأسواق بالنسبة إلى التجارة، ووجدت أن النقص يكمن في ضعف الالتزام لدى بعض الأشخاص، لذلك سعيت لكي أكون ملتزما منذ اليوم الأول. وأنا اليوم أعتبر أنني أمتلك أمبرطورية في مجال المواد الأولية لمتاجر الحلويات.

- كيف تقدمت وتوسعت الشركة حتى وصلت إلى مركزها الحالي في السوق اللبنانية؟

كانت أعمال الشركة تتوسع يوماً بعد يوم، دون أن أرفع مستوى حياتي من خلال مصاريف شخصية؛ وبالتالي اخترت أن ينمو العمل أسرع من المصروف الشخصي، بهدف تأمين متطلبات الشركة كافة. فركزت على تطوير الأعمال، وفي الوقت ذاته على تطوير نفسي من خلال الهوايات التي أحبها.

واليوم، وبعد تلك السنوات كلها، لدي شركة بالشراكة مع أخي، تغطي 60% من سوق المواد الأولية لمتاجر الحلويات في لبنانتقريباً. فأنا كنت أشتري بلوكات الشوكولا، لكنني أصبحت اليوم أصنعها، والتالي لم أعد بحاجة إلى الإتكال على أحد. وبهذه الطريقة أضمن نوعية المنتج الذي أقدمه، بالإضافة إلى التماسك في العمل أيضا. فمعمل الشوكولا بدأ بماكينة واحدة تنتج خمس مئة كيلغ، واليوم بات لدينا ثماني ماكينات تنتج كل واحدة منها خمس مئة كيلغ. كما بدأت منذ العام 2006، بإحضار وكالات عالمية لها علاقة بالمواد الأولية للحلويات، وسمعة الشركة الجيدة أسهمت في دخول هذه الأصناف بطريقة مهمة في الأسواق.

وهذا ما دفع الشركة إلى الإستمرار في ظل الظروف القاسية التي أثرت على العديد من الأشخاص، ولم تترك المجال أمام بعض الشركات لكي تواصل أعمالها.

- من ناحية أخرى، كيف ومتى قررت تأسيس جمعية "LASIP"؟

وأنا بطبعي مغامر، لذلك انخرطت في عدد كبير من النشاطات مثل التزلج، والغوص، والطيران، والدراجات النارية،... ولكن في العام 1993، غرق شخص أمامي في منطقة عين المريسة، وكنت مع خمسة شبان، ولم يتمكن أحد منا من القيام بأي شيء لإنقاذه، بسبب قوة أمواج البحر. هذه الحادثة تركت في نفسي أثراً كبيراً، وشعرت أنه لو كان أحد منا مدرّب على الإنقاذ، لكان على الأقل أنقذ حياة هذا الشخص.

وبالتالي تابعت في العام 1996، دورة إنقاذ بحري كمبتدئ (junior)، وبعد سنة أنهيت أيضاً الدورة العليا (senior). وبسبب الدورتين، حصلت على معلومات كثيرة حول الإنقاذ، كما كنت بنفسي أقوم بعدد من الأبحاث.

وفي العام 2000، سمعت جمعية "YASA" تتكلم في مقابلة عن مواضيع متعلقة بحوادث الغرق، وجزء من الكلام الذي قيل، لم يكن خاطئاً بل ناقصاً. لذلك تواصلت مع الجمعية، واجتمعت معها، وأبديت اهتماماً كبيراً بالانضمام إليها، وتحمس مدراء الجمعية لهذا الموضوع، لأن فكرة الإنقاذ البحري أو السلامة البحرية كانت جديدة على لبنان وعليهم كجمعية.

بعد فترة قصيرة، أصبحت منسق لجنة الحوادث البحرية في "YASA"، وبدأنا نسمع عن حوادث لها علاقة بالتزلج، وقمنا بعدد من الأبحاث حول أسباب تلك الحوادث، وكيفية تجنّبها، وبالتالي باتت الجمعية مهتمة بحوادث الغرق والتزلج. لذلك قررت مع مجموعة من الأطباء، والمعالجين الفيزيائيين، والمدربين الرياضيين، تأسيس جمعية تعنى بالسلامة الرياضية، وأطلقنا عليها اسم "الجمعية اللبنانية للوقاية من الإصابات الرياضية"، "LASIP".

والهدف منها هو نشر الوعي حول السلامة الرياضية، وفي الوقت ذاته عرض لأهمية الرياضة، من أجل تحسين أسلوب حياة الأشخاص غير الرياضيين، وحماية الرياضيين من أي حادثة تؤذيهم، أو تحرمهم من ممارسة هواياتهم. وبالتالي بدأنا بإطلاق المحاضرات في الجامعات والمدارس، وعبر وسائل الإعلام. كما تواصلنا مع قيادة الجيش، ونظمنا عدداً من المحاضرات في القواعد البحرية عن السلامة البحرية، وللضباط المتخرجين من المدرسة الحربية.

- ما هي برأيك الصفات التي ساعدتك على النجاح؟

أنا شخص صبور إلى أقصى الحدود، وصادق حتى ولو كان ثمن هذا الصدق مرتفعاً. كما أنني لست إنساناً جشعاً، بل أرضى بالربح القليل، وأخطط على المدى البعيد.

طبعي الهادئ غير الإنفعالي ساعدني كثيراً على تجاوز بعض المحن، فأنا أعمد دائماً إلى معالجة الأمور بروية، لأن الغضب لا يفيد أحداً.

أما من ناحية الأعمال، فقد بحثت عن النقص الموجود في السوق، ليس فقط بالمنتجات، بل بعوامل أخرى أيضا مثل الأسعار والكميات. كما أن الأمور التي خططت لها وزرعتها، أعطت نتيجتها اليوم لأن الزبائن لا يتخلون عنا بسهولة، حتى عندما يجدون البضاعة بسعر أقل. لذلك فإن الاستعجال بصعود السلم هو واحد من أسباب الفشل.

- هل شعرت يوماً بالتقصير تجاه حياتك الخاصة بسبب شركتك وأعمالك؟

جميع النجاحات في الحياة تفرض ضريبة ما في مكان ما، فالإنسان الذي يعمل منذ الصباح وحتى آخر ساعات المساء، من الطبيعي أن يقصر تجاه حياته على صعيد شخصي أو عائلي. وبالتالي أتت الشركة في البداية على حساب حياتي الشخصية، ولكن رغم ذلك حاولت قدر الإمكان الإستفادة من أي وقت فراغ، لكي أمارس هواياتي.

واليوم أرى كيف يعيش جيل الشباب، وأعلم أنني كنت بعيداً كل البعد من هذه المرحلة، ولم أعايشها أو أختبرها.

ولا بد من الإشارة إلى أنني في الوقت الحاضر، أنظم وقتي بشكل أفضل، وبالتالي تراجع التقصير تجاه حياتي الخاصة، ولكن لم تتراجع كمية العمل المفروضة علي. لأنني أخاف وأقلق كثيراً على الشركة التي بنيتها من الصفر، وتعبت عليها لسنوات طويلة، وأعتبرها كولد لي.

وبالتالي فإن الإخلاص والتفاني من أهم صفات النجاح، وبدونهما لن يصل الإنسان إلى أي مكان؛ صدق المثل القائل "من طلب العلى سهر الليالي".

ما هي طموحاتك وتطلعاتك المستقبلية؟

بالنسبة لي، فإني أطمح من خلال العمل الذي أقوم به حالياً للوصول إلى مكان آمن، أي الحصول على مدخول ثابت، دون تعب كبير.

كما أسعى إلى التوسع بالعمل في مجال العقارات، الذي بدأت به منذ حوالى خمس سنوات. فأنا أشتري شققاً قيد الإنشاء، وأبيعها حين ترتفع أسعارها. وهذا الأمر أعطى دفعة إضافية، لكي توسع الشركة رأسمالها، فتوزيع الإستثمارات أساسي لكي يتمكن الانسان من الإستمرار في العطاء بشكل متواصل.

- ما هي رسالة زياد الحلبي إلى جيل الشباب؟

يدّعي جميع الأشخاص أن التجارة "شطارة"، وأنا موافق على هذا المفهوم، لكن يجب أن نفهم معنى "الشطارة"؛ فهي ليست الإحتيال من أجل تحقيق أرباح طائلة لمرة واحدة، بل "الشطارة" في الأعمال هي التمكن من خلق فرصة تستمر لسنوات عديدة. وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال الصدق بالتعاطي والالتزام بما أعمل به. فقد أثبت الخداع أن حبله قصير، وبالتالي صدق المثل القائل "تستطيع خداع نصف العالم كل الوقت، وتستطيع خداع كل العالم نصف الوقت، ولكن لا يمكنك خداع كل العالم كل الوقت".

ومن هذا المنطلق، لا بد من القول: إن من يفكر في بناء مستقبل جيد، هو بحاجة إلى الإصرار والتخطيط، بالإضافة إلى الإخلاص، والصدق في المعاملة، والتفكير على المدى البعيد.

كما أن التاجر الذكي لا يخسر أي زبون مهما كانت الظروف، بل يحافظ على الوفاء والإحترام لجميع الزبائن. فمهما كبرتم في عملكم، لا تنسوا الأشخاص الذين وقفوا إلى جانبكم في البداية، ولا تركلوا أي حجر وقفتم عليه لكي تصعدوا درجة إلى الأعلى؛ وبالتالي يجب صعود السلم درجة درجة، لأن من يصعد بسرعة سينزل بسرعة أيضا.