استضافت ندوة "​حوار بيروت​" عبر أثير إذاعة لبنان الحر، من مقرّ الإذاعة في منطقة أدونيس، مع المعدة والمقدمة ريما خداج، بعنوان "مشروع الموازنة: بين فرض الضرائب والرسوم على الفقراء وذوي الدخل المحدود وبين وقف مزاريب الهدر والبحث عن مصادر تمويل متنوعة، أي سياسة مالية عادلة في العهد الجديد؟"، عضو لجنة المال والموازنة النائب نبيل دو فريج، مدير عام وزارة المال آلان بيفاني، ونائب رئيس الجامعة الأنطونية البروفسور جورج نعمة.

بداية قال مدير عام وزارة المال آلان بيفاني أنه "بعد 12 عاما أصبح هناك حاجة ماسة لإقرار موازنة في لبنان لأنه لا يجوز أن تبقى عملية الإنفاق وعمليات الجباية خارج الإطار القانوني، وخارج إطار الرغبة الشعبية، فمجلس النواب هو صوت الشعب وهو من يقرر كيفية إنفاق المال العام ... اما فيما خص مشروع موازنة 2017، فليس هناك أي جهة تقول بأنه مشروع نموذجي، خاصة بعد إنقطاع 12 سنة لإقرار الموازنات، وخلال هذه الفترة إرتفع إنفاق الدولة اللبنانية من 10000 مليار في عام 2005، إلى 24700 مليار ليرة تقريبا في 2017 ... وهذا يعني أن كل العملية بحاجة إلى تصحيح وتصويب، وبحاجة إلى مداخيل تسمح أن نواكب النفقات".

وإعتبر بيفاني ان "هناك رواتب وأجور مرتفعة، كما أن السنوات الأخيرة شهدت نسب توظيف كبيرة، كما لدينا نفقات نهاية خدمة كبيرة جدا أيضا، وهناك خدمة دين ترتفع عاما بعد عام مع المديونية .. مع العلم ان عملية إدارة الدين العام تحسنت كثيرا في السنوات الأربعة الأخيرة، وهناك ايضا نفقات كهرباء لبنان التي تحتاج إلى إصلاح جدذري ... في هذا الإطار تأتي هذه الضرائب الجديدة التي يعترض عليها الناس اليوم بشكل عشوائي إذا صحّ التعبير، خاصة أن الرزمة المقدمة اليوم في موازنة 2017 لا تطال الفقراء كما يروّج لها، هناك إجراءات قليلة تطال الطبقة الفقيرة ومنها زيادة الـ TVA التي يمكن ان تطالهم بشق بسيط، خاصة وأن معظم المواد الغذائية الأساسية، والنقل والتعليم والصحة معفى من الضريبة على القيمة المضافة".

وأكد ان "الوزارة كانت حريصة جدا للبحث عن مداخيل وطرق لا تطال جيوب الفقراء ... فعندما تقوم الدولة مثلا بتعديل قانون يطال الأرباح على تجارة العقارات فهذا أمر منطقي، وقائم في العالم أجمع ... هناك أيضا زيادة الضريبة من 5 إلى 7% على الفوائد المحققة من المودعين، فهذا امر منطقي أيضا خاصة وأن هذه النسبة كانت 10% في مرحلة من المراحل ومن ثم إنخفضت إلى 0% وعادت وإرتفعت إلى 5%" .

وتابع بيفاني "من الطبيعي أن تخرج بعض الأصوات المتضررة عند إقرار أي ضرائب جديدة وهذا حق مشروع .. ولكن في موازنة 2017 لا يوجد أثر مباشر على الطبقات منخفضة الدخل .. كما أن الضرائب المباشرة هي أفضل طريقة تساهم في تجنب الطبقات الفقيرة".

من جانبه قال نائب رئيس الجامعة الأنطونية البروفسور جورج نعمة أن "مشروع موازنة 2017 مازال مشروعا فقط، ولم يتم إقراره بعد، ونحن ننتظر جلسات المناقشة القادمة لكي نرى الشكل النهائي لمشروع الموازنة قبل إحالته إلى المجلس النيابي .. ولكن ما يمكن ان نقوله اليوم في ملف موازنة 2017 هو التالي: فمشروع موازنة 2017 لم يأتِ بأي جديد، خاصة لناحية الإيرادات .. فهذا المشروع اليوم يتضمن حوالي الـ 27 بند خاص بالإيرادات، ومعظم تلك النقاط بدأ الحديث عنها منذ عهد حكومة الرئيس ميقاتي، ومنذ طرح مسألة سلسلة الرتب والرواتب لموظفي الدولة وأساتذة التعليم، وبرأي هذه البنود الـ 27 تحتوي في عدد منها على بعض الخلل، وفي المقابل يوجد بينها بنود أساسية وضرورية تدخل في إطار إصلاح وفي إطار إحقاق الحق وتأمين إيرادات إضافية للدولة اللبنانية خاصة فيما يتعلق بالأرباح العقارية والضريبة على شركات الأموال وزيادة الضريبة على الودائع المصرفية وغيرها".

وتابع "لكن هناك نقاط يجب أن نتوقف عندها وخاصة فكرة تمويل سلسلة الرتب والرواتب وفكرة تمويل العجز المتنامي في موازنة الدولة اللبنانية بدون سياسات واضحة.. بمعنى أننا نسعى اليوم لتجميع إيرادات إضافية من خلال العديد من البنود التي تعتبر بغالبيتها رسوم إضافية، وعلى سبيل المثال زيادة سعر الطوابع المالية، وزيادة سعر السجل العدلي 2000 ليرة وغيرها .. وتلك الأمور برأيي لا يمكن ان تعتبر إصلاح مالي أساسي نستطيع التعويل عليه لتمويل مشروع كبير كسلسلة الرتب والرواتب، علما أن إعتمادات هذه السلسلة سترتفع في السنوات القادمة، لأن هناك اقدمية لبعض الموظفين، وهناك عدد أكبر سيدخل إلى ملاك الدولة .. إذا هذه الرسوم لا يمكن أن تشكل فعلا حل مستدام لتأمين توازن في الموازنة بحد أدنى، ولكي نتمكن من وضع ضوابط لإنفلاش الدين العام".

بدوره قال عضو لجنة المال والموازنة النائب نبيل دو فريج خلال إتصال هاتفي ان "الموازنة عادة يجب أن تكون صورة عن التوجه الإقتصادي للبلاد .. فالموازنة لا يجب أن تكون فقط ارقاما عن المصاريف والمداخيل والعجز، بل يجب أن تتضمن بنود قانونية تشكل حوافز للإستثمار في البلاد، وحوافز للنمو الإقتصادي .. فالحكومة يجب أن يكون لديها توجه إقتصادي واضح لتتمكن من الوصول إلى هدف معين والسبيل الوحيد للتخفيف من عجز المزاونة هو العمل على رفع نسب النمو، كما أنه يجب علينا أن نحدد ما هو دور الدولة في الإقتصاد، فهل دورها سيكون تأدية خدمات مباشرة للمواطنين، ام هو إشراك القطاع الخاص، أو خصخصة بعض المؤسسات .. كل هذه الأمور يجب أن تكون واضحة في الموازنة العامة، ولكن للأسف الحكومة الحالية لم تستطع حتى الأن أن تحدد توجهها الإقتصادي خاصة وان وقتها قصير".

وتابع " مازلنا منذ العام 2005 على الضرائب نفسها، خاصة وان أخر موازنة تم إقرارها في العام 2005 .. ولكن المصاريف أو الإنفاق كان في وقتها 10000 مليار ليرة، في حين ان الإنفاق اليوم وصل إلى 24500 مليار تقريبا .. وهذا يفرض علينا إيجاد طرق لتأمين مداخيل لتغطية هذه النفقات، ولكن هذه الطرق يجب أن تدرس بطريقة صحيحة، فالضريبة مثلا على الودائع المصرفية قد تؤدي إلى سحب المودعين لأموالهم من المصارف اللبنانية ونقلها إلى مصارف في الخارج، وهذا سيؤدي إلى ضرر كبير على الإقتصاد".

وفي سؤال للزميلة خداج عن سبب عدم دراسة كل هذه الامور بشكل صحيح وعلمي خاصة وأن اللجان كان معها وقت طويل (12 عاماً) .. قال دوفريج "خلال هذه الأعوام تم إرسال موازنات إلى الحكومات بإنتظام، ومنها ما أرسل إلى المجلس النيابي .. ولكن المجلس لم يدرس تلك الموازنات في ذلك الوقت لاسباب سياسية كلّنا نعلمها، ولكن هذا لا يعني أن وزارة المالية لم تقم بواجبها، إلا أن الأمور السياسية هي من اعاقت إقرار تلك الموازنات".

وإعتبر أن "الوقت الراهن هو ليس الوقت الصحيح لزيادة ضرائب بطريقة عشوائية، ففرض ضرائب بشكل عالي قد يؤدي إلى نتيجة عكسية عبر التهرب الضريبي .. ولكن في نفس الوقت لا يمكننا ان نبقى على نسب المدخول نفسها التي كانت في العام 2005، مقابل إرتفاع كبير في النفقات".