رغم انشغال العالم اليوم بهموم ومشاكل مختلفة بدءا بالحروب المتنقلة ، ومحاربة الارهاب المتفشي الى انقاذ الاقتصاد المتهاوي يترقب الكثيرون بحذر شديد عما ستسفر عنه السياسة الاميركية الجديدة برئاسة ​دونالد ترامب​ الذي اصبح حالة فريدة لجهة القرارت المفاجئة التي يتخذها، ليس قفط بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية ولكن ايضا لكل الدول التي تربطها علاقات بها على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية.

ومن الواضح ان سياسة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ستغيّر الكثير في الاقتصاد الاميركي وسينعكس ذلك على عملة ال​دولار​ . الدولار هو العملة الاحتياطية للعالم أجمع وسجل تداولها مؤخرا أعلى مستوياته في سنوات. ومن المفترض على دول الشرق الأوسط حيث هيمنة الدولار الأميركي ان تشكل ضغطا متزايدا على ربط العملات فيها. ولبنان هو احد الدول التي تعتمد على الدولار وحتى ان ​الاقتصاد اللبناني​ هو مدولر بنسبة 75% رغم ان نصف حجم مستورداته هي من الاتحاد الاوروبي والصين واليابان الى جانب ان نصف قيمة الودائع المصرفية هي بالدولار .

هاردي

لتلقف اي تدبير جديد اميركي قد يترك تداعيات على الاقتصاد اللبناني هل من الضروري إجراء اي تغيير في السياسات الاقتصادية والمالية في لبنان لمواكبة التطورات؟

رئيس استراتيجيات العملات الأجنبية لدى "​ساكسو بنك​" جون ج. هاردي يعتبر ان ربط العملات بالدولار هو تركيز رئيسي للمنطقة ، ولم تقدم قوة الدولار في السنوات الأخيرة الكثير من المساعدة أو لم تكن ملائمة لبعض الاقتصادات في المنطقة، تماماً. كما لعب الدولار الأميركي الضعيف جداً وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية بعد الأزمة المالية العالمية دوراً محفزاً ومنعشاً بالنسبة للمنطقة بأسرها في الفترة الزمنية الواقعة خلال 2009-2012.

ويقول "للاقتصاد" لا أستطيع الزعم بأنني استشاري في السياسات، إلا أن اتجاه الدولار سوف يشكّل عاملاً رئيسياً في ما يلي، وسيكون من المفيد أن ينخفض في القريب العاجل. وإذا استمر ارتفاع الدولار، فإن بعضا من العملات المرتبطة بالدولار في المنطقة قد تتعرض لضغط كبير وعلى المدى الطويل جداً. يمكن لرئاسة ترامب أن تشير إلى بداية طال انتظارها للبحث عن عملة بديلة عن الدولار الأميركي التي يمكن أن تكون بمثابة عملة عالمية. لا توجد بدائل واضحة حتى الآن، ولكن من الواجب العمل على ايجاد عملة مناسبة.

ولكن بعدما خفض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي للعام 2017 بنسبة ضئيلة إلى 2.7% بدلا من نسبة 2.8% بسبب "الشكوك المتزايدة" المحيطة بالسياسات الاقتصادية التي قد ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب هل من مؤشرات الى لجوئه لاعادة النظر بسياسته تجاه الدول التي يدعمها ومنها لبنان؟ بمعنى آخر، هل ان الادارة الاميركية الجديدة ستدخل التعديلات على برامج البنك الدولي ؟وكيف؟ ولمصلحة من؟

يلفت هاردي الى انه بات واضحا ًأنه مع انطلاقة ترامب بالتصرف بما يتماشى مع تهديداته الحمائية، ستكون ثمة مواجهة حول التجارة – ويمكن للبعض حتى أن يسميها "حرب تجارية" والتي من شأنها أن تكون ذات مردود سلبي إلى حد كبير على النمو الاقتصادي،خصوصا وأنها يمكن أن تؤثر على الإنتاجية وبالتالي ان تؤدي إلى اعطاء الاولوية للمنتجين المحميين والأقل إنتاجية من جانب الأمم الموجودة في ظل الأنظمة الحمائية.

ومن المعلوم انه وفي سياق العلاقات التجارية الاميركية، استفاد لبنان من برنامج "نظام الأفضليات المعمم الاميركي "حيث لديه الفرصة لتصدير ما يقارب 3500 مُنتج معفي من الرسوم والضرائب إلى الولايات المتحدة في إطار البرنامج المذكور. وفي ظل هذه التدابير الجديدة لايمكن ارتقاء مصيره لانه وفق هاردي هو مرتبط بالاعتبارات السياسية أو الجغرافية السياسية اكثر من الأسباب الناجمة عن أي اعتبارات اقتصادية من جانب الولايات المتحدة.

النفط نعمة ام لعنة

وعن الثروة النفطية الموعود بها لبنان وانعكاسها على الاقتصاد اللبناني وبالتالي على موقعه على صعيد المنطقة والعالم يرى هاردي انه يمكن ان تشكل الموارد النفطية الجديدة نعمة للاقتصاد اللبناني، بعد توفيرها فرص عمل جديدة، ورأس مال أجنبي جديد لتطوير المخزون، وإيرادات جديدة للحكومة لتحسين البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. والأهم من ذلك، المساعدة في سداد جزء من الدين المحلي . ويقول : يمكن للنفط أن يشكّل نعمة لاقتصاد أي بلد، طالما أنه لا يصبح الصناعة المهيمنة، لأن حصول ذلك غالباً ما يثبت كونه "لعنة" حيث تذوب الصناعات الأخرى ولا تلقى الاهتمام الكافي. طالما يكون أي إنتاج للنفط متواضعاً نسبياً، فإنه من المرجح أن يحمل ذلك منافع إيجابية خالصة.

وفي ما يتعلق بالمؤشرات التي تساعد على جعل لبنان بيئة حاضنة للاعمال يؤكد على ضرورة ايجاد حكومة مستقرة، ثم الانفتاح على أسواق رأس المال وجذب رأس المال الأجنبي،الى جانب ارساء قواعد وقوانين تنظيمية ذات شفافية، بالتزامن مع قطاع مصرفي قوي ومتين. وكذلك فإن فرص التعليم هي عامل مهم آخر.

الاقتصاد الاكثر انكماشاً والمخرج المناسب

وعن الدول في العالم التي تعيش الانكماش الاقتصادي اكثر من غيرها يرى هاردي إن الاقتصاد العالمي ليس في حال الإزدهار. كما أنه ليس في موقع المكافح المجاهد . ولكن بعض الاقتصادات الأكثر تضرراً كانت تلك التي تم تنشيطها بشكل مفرط من قبل السياسة السهلة جداً للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الأمر الذي حفزّ طفرات الائتمان الضخمة في بعض بلدان الأسواق الناشئة، والاقتراض المتفاقم للدولار الأميركي الذي يشكل تسديده الآن تكلفة أكبر. هذه الحالات ومنتجو السلع الأساسية الذين انهارت أسعار سلعهم لا يزالون يكافحون في بعض الأماكن. وواقع هذه الحال موجود في اقتصاد كل من البرازيل وروسيا. وكذلك فإن المملكة العربية السعودية قد تضررت بشدة، حيث تدرس الحكومة حالياً تدابير واسعة النطاق للتقشف وربما الطرح الأّولي للاكتتاب العامّ لشركة "أرامكو السعودية" في الوقت الذي لا تزال مستمرة في تغطية الثغرات الضخمة في الميزانية من احتياطياتها من العملات.

ويربط هاردي امكانية اخراج الاقتصاد من هذا الانكماش بعدة عوامل:

العامل الأكثر أهمية في الاقتصاد العالمي هو ضمان التخصيص العقلاني لرأس المال، والحد من الديون وإيجاد مصادر جديدة للإنتاجية. ويقول :لا يمكن لاقتصاداتنا أن تنمو إلا من خلال زيادة الإنتاجية والزيادة السكانية الطبيعية. وفقط من خلال نمو الإنتاج الذي يحققه المستوى المعيشي. لسوء الحظ، أضرت سياسات البنك المركزي المتعلقة بأسعار الفائدة الصفرية والسلبية بنمو الإنتاجية من خلال السماح لشركات غير منتجة بالبقاء ناشطة مع تمويل رخيص.

كان من الممكن أن يكون من الأفضل على المدى الطويل السماح بتراجع أكثر حدة لدورة الأعمال المعتادة بعد الأزمة المالية العالمية، والسماح للشركات الضعيفة أو غير المنتجة بالعجز أو الفشل ومن ثم إحلال مكانها موزعين لرأس المال جدد، أكثر كفاءة وإنتاجية. بدلاً من ذلك، لقد قمنا بكل شيء لتجنب قيام دورة عمل عادية بفرض نفسها، من الولايات المتحدة إلى أوروبا وحتى الصين، حيث النمو يسير على نحو سيء بشكل متزايد. الإجابة الساخرة هي أنه سيكون من المفيد في المدى البعيد أن يحصل انكماش قصير وحاد لمعالجة هذه الاختلالات وتوفير الأمل لانتعاش ذو نوعية أفضل في المستقبل.

في مطلق الاحوال ، هناك صعوبة في ارتقاب اي نتائج لتغيّر الاقتصاد العالمي خصوصاً انه يبقى رهن السياسة المتبعة والتي تحمل الكثير من المفاجئات.