باتت موازنة 2017 التي أحالها وزير المال علي حسن خليل على مجلس الوزراء وأضحة المعالم وارقامها معروفة للعلن، فهذه الموازنة تتوقع عجزاً يقارب الـ 6 آلاف مليار ليرة وخدمة الدين عند 7 آلاف مليار فيما قد يصل إجمالي النفقات للعام المالي الى 24 ألف و700 مليار ليرة مع احتساب تكلفة سلسلة الرتب والرواتب ونحو 7 آلاف مليار ليرة لتسديد خدمة الفوائد. كذلك توقع مشروع موازنة 2017 نمواً إقتصادياً عند 2.6% مع نسب تضخم قرب 1.8%.

أما في ما يتعلق بالايرادات التي لاحظها مشروع موازنة 2017، فلم تحدد الارقام بشكلها النهائي بعد، لأن البحث مستمر في كيفية توفير المزيد من التمويل لخزينة الدولة، إلا أن الايرادات المبدئية المتوقعة ضمن مشروع موازنة 2017 لا تتعدى الـ 16800 مليار ليرة ... ولهذا السبب بدأ الحديث جدياً عن إمكان اتخاذ إجراءات ضريبيّة تساهم في زيادة الايرادات وبخاصة بعد إلحاق مشروع سلسلة الرتب والرواتب بهذه الموازنة. وهناك عدد كبير من الاجراءات الضريبية المقترحة التي قد تمس جيوب المواطنين الفقراء مباشرة، ومنها: رفع معدل رسم الطابع المالي النسبي من 3 في الألف الى 4 في الألف، رفع رسم الطابع المالي على السجل العدلي من 2000 ليرة الى 4000 ليرة، رفع رسم الطابع المالي على الفواتير والايصالات التجارية من 100 الى 250 ليرة، رفع رسم الطابع المالي على فواتير الهاتف، ورفع معدل الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 11% .. وغيرها من الإقتراحات الأخرى.

فما هو تأثير فرض ضرائب جديدة على المواطنين في ظل الأوضاع الإقتصادية المتردية ؟ وهل إدراج سلسلة الرتب والرواتب في موازنة 2017 ممكن ؟ .. كيف سينعكس إنقضاء المهل الدسورية لإجراء إنتخابات نيابية جديدة على ثقة المستهلك والمستثمر في لبنان ؟ وهل نسبة النمو المتوقعة في الموازنة للعام الجاري منطقية؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، ما هو تأثير فرض ضرائب جديدة على المواطنين في ظل الأوضاع الإقتصادية الحالية؟ وما هي الحلول الممكنة لرفع الإيرادات ؟ وهل إدراج سلسلة الرتب والرواتب ضمن الموازنة ممكن؟

لا يمكن زيادة أي ضريبة على المواطن في الوقت الحالي، خاصة ان الوضع الإقتصادي متوتّر ومتشنّج وغير مستقرّ .. فهناك غموض كبير حول المستقبل السياسي والإقتصادي في لبنان، وبالمبدأ المنهجية المتبعة من قبل الدولة اللبنانية لزياداة واردات الدولة عبر فرض ضرائب جديدة هي منهجية خاطئة ومرفوضة تماماً.

وما يجب أن نفعله في هذا الموضوع هو العمل على كبح الإنفاق، فالعهد الجديد حمل شعار محاربة الفساد في إدارات الدولة، وهذا لا يتم بالتصريحات والكلام، بل بالعمل الجدّي وبالفعل.

وفي لبنان الكل يعلم ما هي الإدارات والملفات التي تحتوي على فساد مستشري، ومنها الصحة، الأشغال، الإتصالات، الطاقة، الشؤون الإجتماعية .. وغيرها، يجب البدء بالعمل على احد هذه الملفات على الأقل، لأن هذا الأمر سيوجه رسالة إلى باقي المؤسسات والإدارات التي تحتوي على فساد وسيخفض الهدر والإنفاق.

ما يجب على الحكومة فعله الأن بالموازنة المقترحة هو خفض الإنفاق بنسبة 10% على الأقل قبل إقرارها، وهذا أمر ممكن وبسهولة، فهناك هدر وإنفاق على أمور سخيفة، ومنها سفر الوفود المرسلة إلى الخارج، ومباني الوزارات المستاجرة بأرقام خيالية والتي يمكن نقل العديد منها إلى مباني فارغة تملكها الدولة .. وغيرها من الأمور الاخرى التي يمكن إصلاحها بوقت قصير.

فليس من المنطق أن يتم فرض ضرائب جديدة على المواطن اليوم، والحكومة لم تبدأ بعد بأي خطوة لمحاربة الفساد في لبنان.

وفيما يتعلق بموضوع السلسلة، فإن تضمينها في الموازنة ممكن وبسهولة، فإن خفض الإنفاق بنسبة 10% تقريبا سيؤمن للدولة أكثر من 2500 مليار ليرة، في حين أن قيمة سلسلة الرتب والرواتب تبلغ 1200 مليار ليرة .. ودفع السلسلة للمواطنين سيحرّك العجلة الإقتصادية والأسواق، خاصة وأن معظم المستفيدين من السلسلة هم من الطبقة الفقيرة، والزيادة التي سيحصلون عليها سيتم صرف معظمها.

برأيك، كيف سينعكس إنقضاء المهل الدستورية والتأخر في إجراء الإنتخابات النيابية على ثقة المستهلك والمستثمر في لبنان ؟

التأخر بإجراء الإنتخابات النيابية، والوصول لمرحلة الفراغ في المجلس النيابي ليس من مصلحة أحد .. فالأسواق جامدة والمستثمر اليوم بحالة ترقّب سلبي، خاصة وأن التصريحات السياسية لا تبشّر بالخير، والناس تتوقع الأسوأ وليس الأفضل.

وبالتالي فإن إستمرار هذا الأمر سينعكس بشكل سلبي على الإقتصاد الوطني، وسيدخلنا بدوامة فراغ جديدة نحن بغنى عنها.

ما هي توقعاتك لموسم الصيف المقبل بعد رفع الحظر عن السعوديين؟

إن لم نتمكن من إقرار قانون إنتخابي جديد، وإجراء الإنتخابات النيابية وإعادة الدولة إلى السكة الصحيحة، فلن نشهد قدوم كبير للسعوديين والخليجيين في لبنان.

فالأمور لا تتعلق فقط بفرض حظر على المواطنين الخليجيين .. السياحة عامة تتاثر بأي توتر سياسي حاد أو حدث أمني، وبالتالي فإن عودة الخلافات السياسية والإنقسام سينعكس سلبا على موسم الصيف المقبل، والعكس صحيح.

لدينا مهلة 10 إلى 20 يوماً لإنقاذ الموسم السياحي في فصل الصيف .. فالسائح يقرر وجهته خلال الصيف في شهر آذار تقريبا، وإن لم نوجه رسائل إيجابية للدول المحيطة واللعالم باننا جديين في إعادة الإستقرار السياسي للبلد، وإجراء الإنتخابات النيابية ... سنضرب موسم الصيف القادم، وستكون هذه ضربة سيئة للحكومة وللعهد الجديد.

هل نسب النمو المتوقعة في الموازنة للعام 2017 واقعية ؟

لا أعتقد أن نسب النمو المطروحة منطقية، فهذه النسبة تم إعتمادها في مرحلة إنتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، والصدمة الإيجابية التي شهدناها في بداية العام .. ولكن النسب المنطقية للنمو لن تتخطى الـ1.5% تقريباً، خاصة إن لم نتمكن من إجراء إنتخابات نيابية جديدة.