يُقال "كثيرون يصفون أنفسهم بالتميز لكن قليلون هم الذين يثبتون ذلك"، واللبنانية فرح عطوي أثبتت تميّزها من خلال مشروعها الفريد من نوعه، الذي أطلقته في العام الماضي. فاخترقت بذلك عالماً جديداً، وسعت بكل شغف، لإيصال فكرتها التي آمنت بها، إلى أكبر أوسع شريحة ممكنة من الناس.

هي حريصة على عملها وعلى القضية التي تسعى إلى نشرها. تسلقت سلم النجاح درجة درجة، وتطورت ببطء ولكن بثبات، حتى باتت اليوم واحدة من أولئك السيدات العصاميات اللائي تمكنّ من تحويل الأفكار والطموحات والأحلام، إلى واقع ملموس على الأرض.

مؤسِسة "Farah’s Atelier"، مصممة الأزياء، والإعلامية فرح عطوي، خصّت موقع "الإقتصاد" بهذه المقابلة الشيّقة والمحفّزة:

- أين كانت بداية مسيرتك المهنية؟ ولماذا قررت الإنتقال من الإعلام إلى الموضة والأزياء؟

كنت أعيش في أفريقيا، وفور عودتي إلى لبنان تخصصت في مجال الصحافة والإعلام في "الجامعة اللبنانية الدولية"، وبعد التخرج بدأت بالعمل في قناة "Press TV". ومنذ العام 2007 وحتى العام 2015، عملت في قنوات تلفزيونية عدة، وركزت على الإعلام الغربي، فقدّمت البرامج السياسية، والدينية، والثقافية، والاجتماعية، كما كنت مذيعة لنشرات أخبار، ومراسلة على الأرض.

وخلال فترة عملي الإعلامي، كنت ألفت أنظار إدارات المحطات بملابسي على الشاشة، وكان المدراء يطلبون مني مساعدة المذيعات الأخريات في اختيار ملابسهنّ. فمن متطلبات المؤسسات التي تعاونت معها، كان الحجاب، وبالتالي اتجهت الأنظار نحو هذا الموضوع، خاصة أنه من الصعب والمعقد مزج ألوان الحجاب مع القمصان على الشاشة؛ ومن هنا بدأت مسيرتي في الاستشارات الخاصة بمظهر المرأة المحجبة.

في العام 2013، وجدت أن هذا الموضوع جدي، وبات يأخذ حيزاً كبيراً من الإهتمام، من الأشخاص الذين عملت معهم، لذلك قررت التخصص في تصميم الأزياء الراقية، وعملت بعدها في تنسيق الملابس والألوان، في عدد من المشاريع الحرة. ووجدت أن هذه المشكلة موجودة بكثرة في مجتمعنا، فمن الصعب أن تجد المرأة المحجبة كل ما تحتاج إليه في مكان واحد، وبالتالي قررتفيالعام 2016، إنشاء "Farah’s Atelier" في منطقة الشياح في بيروت، المتخصص بمظهر المرأة المحجبة من الألف إلى الياء. وركزت في مشروعي على تصميم الأزياء للمحجبات (Veil fashion designing)، واهتميت بالملابس غير الرسمية (casual couture) وليس فقط الملابس الراقية (haute couture).

ولا بد من الإشارة إلى أنني لم أترك عملي في الإعلام، بل ابتعدت عنه بعض الشيء بسبب الأزمة الموجودة في البلد، المتعلقة بالتمويل المادي؛ فقد عملت في أكثر من ثماني محطات، وحوالي خمسة منها أغلقت أبوابها في بيروت.

- من قدم لك الدعم الأكبر للإنطلاق في مجال الموضة؟

في المرحلة الأولى، تلقيت الدعم من والديّ. أما على الصعيد الشخصي، فلطالما وضعت أمامي هدف إطلاق مشروعي الخاص، منذ أن بدأت بالتخصص في هذا المجال، لكنني كنت أعمل عليه تدريجياً، حتى تكلل بالنجاح، وتمكنت في النهاية من افتتاح "Farah’s Atelier".

- أين ترين مشروعك بعد خمس سنوات؟

نحن نفتقد إلى مرجع معين يحدد معايير موضة الحجاب، وبالتالي علينا تقديم الأفكار الجديدة لملابس المرأة اللبنانية المحجبة، دون اللجوء إلى تقليد تركيا، وايران، ودول الخليج العربي.

ففي لبنان لا يوجد مفهوم خاص لطريقة ارتداء الحجاب، لذلك أرى أن مشروعي يضع رؤوس الأقلام لموضة الحجاب، وكيفية تطويرها لكي تعكس التراث اللبناني الأصيل. وبالتالي أسعى من خلال عملي، إلى إطلاق هوية المرأة اللبنانية المحجبة؛ فنحن الأوائل في هذا المشروع، وفي الوقت الحالي، لا يوجد منافس لنا في لبنان.

ولا بد من الإشارة إلى أنني أتمنى أن يتأثر العديد من الأشخاص بفكرتي، ويتم إطلاق عدد من المشاريع المماثلة في المستقبل. فهذا المشروع ضخم، وحدوده السماء، لذلك نعمد حالياًإلى إعداد مراكز متخصصة في تعليم النساء المهتمات بموضة الحجاب، وإلى تأسيس معاهد تعلم هذا التخصص. كما نسعى إلى المشاركة في مهرجانات في لبنان والخارج، لكي نسلط الضوء على هذه القضية، لأن الحجاب بات اليوم منهجاً، والمرأة المحجبة حجزت مكاناً لها في مجال الموضة.

- ما هي طموحاتك ومشاريعك المستقبلية؟

مهمتي هي إلقاء الضوء على المرأة اللبنانية المحجبة، بغض النظر عن طائفتها. لكنني لا أعمد إلى تقليد أحد، بل أريد إطلاق هويتنا الخاصة، وبالتالي أسعى إلى تصميم الملابس الجميلة والمميزةوتنفيذها، والتي تشعرنا بالسعادة والإرتياح، وتعكس شخصيتنا وتراث بلدنا وحضارته.

لكن هدفي حالياً يقتصر على التوسع في لبنان، وبعد ذلك أتمنى تجاوز الحدود اللبنانية، والوصول إلى جميع البلدان المهتمة بموضة الحجاب، مثل قطر والهند، وغيرها.

والملفت في الموضوع، أنني فكرت في إطلاق "Farah’s Atelier"، في إطار شخصي، ولحسن الحظ كان جزءاً من نهضة عالمية كسرت التابوهات في بلدان عدة، مثل طوكيو، ونيويورك، وفلوريدا، حيث تم تنظيم عروض لأزياء المرأة المحجبة.

لذلك أسعى شخصياًإلى عرض أهمية هذه الفكرة، ورفعها إلى أعلى المستويات، لكي تصبح في مستوى التصاميم المميزة للمصممين اللبنانيين المبدعين.

- على الصعيد الشخصي، ما هي برأيك الصفات التي أسهمت في نجاحك ونجاح مشروعك؟

أولا: لقد استغليت النقص الموجود في السوق، لكي أبرزه وأوليه كل الأهمية والقوة. وهذا النقص المتعلق بالمرأة المحجبة واهتماماتها ومتطلباتها، دفعني إلى إطلاق "Farah’s Atelier".

ثانيا: لديَّ موهبة في مزج الألوان وتنسيقهامع بعضها البعض.

ثالثا: أنا شخص يتحلى بالإصرار والعزيمة، كما أنني مؤمنة بأن الإنسان الطموح والمثابر، سيصل الى أهدافه ولن يقف أي عائق في طريقه.

رابعا: العامل الذي ساعدني أكثر، هو أن لبنان أرض الموضة والأزياء والفن، وبالتالي توقعت أن ينجح هذا المشروع، لأن المرأة المحجبة هي امرأة جميلة وتقدر الجمال وتحب الموضة، كما أنها ميالة نحو التألق والتميز، والمجتمع متقبل جداً لهذه الصورة.

خامسا: أنا مؤمنة بقضيتي، وأرى أن مشروعي سيتحول إلى أيقونة ومرجع، بعد سنوات قليلة، وسأتمكن من إلهام عدد كبير من الأشخاص. وهذا الأمر يسعدني، ويشعرني بالفخر، لأن فكرتي ستتوسع وتكبر وتلهم العديد من الأشخاص، كما أنها ستصبح جزءاً لا يتجزأ من بيروت، ومن التراث اللبناني الأصيل.

- كيف تقيمين وضع المرأة اللبنانية في سوق العمل؟

لم أصطدم بأي عقبة خلال إطلاق مشروعي، وبالتالي فهناك العديد من التسهيلات التي تساعد المرأة على النجاح. فالعنصر النسائي بات قوياً في مجال الأعمال، كما أن ذكاء المرأة وشغفها وطموحها، هي عوامل تساعدها على التقدم. لذلك لا أعتقد أن المرأة اللبنانية مكبّلة، بل على العكس هي قادرة على الإنطلاق والتطور والنجاح، وإدارة أكبر المشاريع، ليس فقط على صعيد تصميم الأزياء بل على الأصعدة كافة.

فالمرأة اللبنانية أثبتت خلال السنوات الأخيرة، أنها ناجحة وقادرة على الوصول إلى أحلامها، طالما أنها تتمتع برؤية واضحة، وتقوم بخطوات سليمة ومدروسة. وبالتالي لم تعد مقموعة، بل على العكس بات مرحَّباً بها في السوق، كما باتت تُعامَل باحترام من قبل الرجل والمرأة.

- ما هي نصيحة فرح عطوي إلى المرأة؟

أنصح المرأة أن تحلم وتعمل من أجل تحقيق أحلامها، وأن تؤمن بأنها قادرة على الوصول إلى المركز الذي تريده، لأن المرأة اللبنانية تتميز بالذكاء العالي من الناحية الإجتماعية والثقافية والعلمية، وهي امرأة ناجحة بطبعها وبأصلها وبروحها. لذلك ليس عليها إلا أن تدرس خطواتها بشكل صحيح، وأن تبدأ من مرحلة ما، لكي تصل إلى أبعد المراحل.

فعندما تكون المرأة ناجحة سينظر إليها العالم باحترام وجمال ورقي، لأنها تمكنت من كسر الصورة النمطية التي تظهرها ككائن ضعيف، وغير قادر على تحقيق الإنجازات.

وأنا أفتخر اليوم أنني امرأة لبنانية، قادرة على إدارة مشروع مثل "Farah’s Atelier"، وأتمنى أن أرفع اسم لبنان عالياً، وأن أؤكد على أن المرأة اللبنانية المحجبة أو غير المحجبة، هي شخص طموح وناجح.