يواجه القطاع الصناعي اللبناني، كما غيره من القطاعات الإقتصادية، تحديات متنوعة، منها إغلاق المعابر البرية بسبب الأزمات الحاصلة في دول الجوار، وإغراق الأسواق اللبنانية بمنتجات منافسة للصناعة الوطنية دون حسيب أو رقيب، وغياب الدعم الحكومي، وغيرها.

وعلى مر السنوات، أثبت هذا القطاع الحيوي قدرته على التكيف مع الأزمات الإقتصادية والسياسية والأمنية، المحلية والإقليمية والدولية، لكنه دفع ولا يزال ثمن الأزمات القائمة، وبالتالي لم ينجُ من تداعيات هذه الأوضاع وتراجع نسبة النمو والرّكود الحاصل في الأسواق. فالإقتصاد اللبناني يعيش في حالة من الترقب، بسبب انشغال الحكومة وجميع الفرقاء السياسيين بموضوع الإنتخابات النيابية القادمة وقانونها، في حين يهملون القرارات الإقتصادية التي باتت حاجة ملحة بعد فترة طويلة من التراجع. مع العلم أن هذا الإقتصاد بحاجة ماسة اليوم إلى إجراءات تدفع به إلى الأمام، وتحد من الإنحدار المستمر منذ فترة طويلة.

فما هي أوضاع الصناعة في لبنان مع بداية 2017؟ وهل من الممكن أن نشهد على انتعاش في المرحلة المقبلة؟ أجاب على هذه الأسئلة نائب رئيس جمعية الصناعيين، ​زياد بكداش​، في حديث خاص مع "الاقتصاد":

- كيف تقيم وضع القطاع الصناعي اليوم مع انطلاقة العام 2017؟

القطاع الصناعي في العام 2017 لا يزال كما كان في العام 2016، وبالتالي لم نشاهد أية تغيرات؛ فعلى صعيد التصدير، نعلم جميعنا أن الأوضاع الإقليمية، وأوضاع اليورو لا تزال على حالها، كما أن اليورو مستمر في الانخفاض.

أما على صعيد السوق المحلية، فلم نشاهد تغيرات، لأن الوزارات الجديدة بحاجة الى المزيد من الوقت لكي تنطلق بالعمل، كما أن هذه الحكومة بأكملها مؤقتة، وستدوم لمدة ستة أشهر فقط، ومهمتها التحضير للإنتخابات النيابية. وبالتالي لا يوجد تفاؤل خلال هذه الفترة، مع العلم أن وزارة الصناعة بوزيرها ومديرها العام، تكمل ما بدأته في الماضي، لكن القرارات والإتفاقات الصادرة بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء، لذلك لا أعتقد أننا سوف نشهد حلحلة سريعة لهذه المواضيع العالقة.

- ما هي توقعاتك للوضع الإقتصادي بشكل عام والقطاع الصناعي بشكل خاص خلال العهد الجديد؟

التفاؤل موجود في العهد الجديد بسبب التغيرات الحاصلة، لكننا لم نشهد أي تحسينات على الأرض. فالمواطن شعر بالإرتياح النفسي مع انتهاء الفراغ الرئاسي وتشكيل الحكومة الجديدة، ما أدىإلى القليل من الحركة على صعيد الأسواق، لأن بعض الأشخاص يعمدون إلى صرف الأموال بشكل أكبر عندما يشعرون بالإرتياح النفسي. لكن الوضع الإقتصادي لا يزال على حاله، وهذا التحرك لم يؤدِ إلى قيمة مضافة، وإلى تنشيط النمو في البلاد.

ولا بد من الإشارة إلى أن العامل الذي يؤدي إلى النمو، هو:

أولا : عودة السياح العرب الذين ننتظهرهم خلال فصل الصيف القادم؛ ومن هنا ستبدأ الدورة الإقتصادية لتشمل جميع القطاعات، لأن القطاع الإقتصادي هو دائرة، تبدأ في السياحة وتنتهي في الزراعة والصناعة.

وثانياً: تقديم الحوافز للصناعة، خاصة في ما يتعلق بموضوع التصدير، لأن المنافسة باتت اليومشديدة جداً ، كما أن معظم البلدان التي وقّعنا معها إتفاقات ثنائية أو عالمية، لا تلتزم بالإتفاق، وبالتالي تمنع بعض صادراتنا من الدخول إلى أراضيها بهدف حماية صناعاتها، أو تدعم تصديرها، ما ينعكس حتماًعلى مصلحة الإتفاق الثنائي والإقتصادي والتجاري.

- إرتفع العجز في الميزان التجاري اللبناني بـ612 مليون دولار على صعيد سنويّ ليجاور عتبة الـ15.73 مليار دولار مع نھاية العام 2016. ما رأيك بهذه الأرقام؟

المصروف يرتفع والمدخول يتراجع، في حين أن التصدير يتراجع والإستيراد يرتفع، وبالتالي ليس لدى أي بلد في العالم هذا الفارق الشاسع ما بين التصدير والاستيراد، كما هو الحال في لبنان؛ فللأسف بعض الأشخاص يشجعون الإستيراد، ولا يدعمون أو يشجعون الصناعة اللبنانية، ما يؤثر سلباً على الميزان التجاري.

- ما هي الحلول المتبعة للحد من الآثار الناتجة عن استمرار إغلاق الحدود البرية؟

المصانع الكبيرة تصدر عن طريق البحر الذي يعتبر سعره مقبولاً. لكن المشكلة تكمن في بقاء البضائع في المرافئ السعودية لوقت طويل، ما يضر بنا وبسمعتنا. فالمنتجات اللبنانية كانت تصل إلى أبواب الزبائن، لكنهم بحاجة اليوم إلى اجتياز العديد من المراحل لكي يحصلوا عليها؛ وبالتالي تأخذ هذه الإجراءات وقتاً أطول، وتضر بصناعاتنا.

لذلك لا بد من الاشارة إلى أن مشكلة إغلاق المعابر البرية هي مشكلة كبيرة جداً، ونتمنى أن تفتح قريباً، لأنها تشكل المنفذ الوحيد للبنان، وسوف تحل أزمة التصدير.

ولكن حتى ولو فتحت المعابر البرية اليوم، لا يجب أن ننسى الوضع الإقتصادي الصعب في الخليج وخاصة في السعودية؛ وبالتالي سنصطدم بمشكلة جديدة، لأن الدنيا تركض ونحن في لبنان لا نسأل!

- ما هي توقعاتك للمرحلة المقبلة؟ هل أن إعادة تحسين العلاقات مع دول الخليج سيؤدي الى إنعاش القطاع الصناعي؟

نعم لا شك في ذلك، لكن هذا ليس الأمر الوحيد، فنحن بحاجة اليوم إلى حكومة مجتمعة وخطة إقتصادية واحدة؛ إذ إن وزارة الصناعة تصدر خطة لوحدها، والوضع ذاته في وزارة الإقتصاد ووزارة البيئة، وهذا الأمر يؤدي إلى تضارب المصالح. في حين أنه من المفترض على كل الوزارات، أن تجتمع مع بعضها البعض لإصدار خطة اقتصادية واحدة، وبعد ذلك عليها تنظيم الاجتماعات مع القطاعات الإقتصادية، مثل جمعية الصناعيين وغرفة التجارة، لكي نسهمجميعا في ولادة خطة اقتصادية واحدة موحدة.

نأمل بعد حصول الإنتخابات النيابية، وتأليف الحكومة الجديدة أن يتحقق هذا الأمر، لأن خلال الأشهر القليلة المقبلة، أي قبل موعد الانتخاب، لن نشهد أي مبادرة هادفة إلى تشجيع العجلة الاقتصاديةودعمها وتنشيطها، لأن الإهتمام منصبّ اليومعلى موضع القانون الإنتخابي والإنتخابات القادمة.