رغم نفحة الأمل التي يعيشها اللبنانيون اليوم وحال الترّقب المفعم بالتفاؤل وبوعود تطمئن الى ان لبنان قادم على الإفادة من ثروة نفطية مدفونة  ستنقله من ضفة العجز المالي والاقتصادي  الى مرحلة البحبوبة والازدهار ، لا يمكن تجاهل مسألة  الدين العام المتفاقم الذي يحمل اوزاره كل لبناني اليوم مع الخوف ان يترك هذا الإرث الى ابنائه .

صحيح ان لبنان حقق تحسنا في اداء عدد من قطاعاته،فيما سجل تراجع نشاط قطاعات أخرى، الا انه رغم ذلك لم تتحسن ظروف المالية العامة، لان حجم المديونية العامة هو دائما الى توسّع على اساس اجمالي وصافي ، فيما يستمر ثبات الوضع النقدي ونمو القطاع المصرفي وحتى ايضاً  يتوّسع حجم التدفقات الوافدة الى لبنان مما يساهم في تحسين وضع ميزان المدفوعات.

مؤخراً ذكرت "موديز" أن استمرار تأخير الإصلاح في لبنان يعزز النظرة المستقبلية السلبية ويزيد من مخاطر اقتراب العجز والدين إلى مستويات قد لا تكون متسقة مع تصنيفاتها الحالية.

الدين العام اليوم هو بحدود ال75 مليار دولار والى زيادة.

والسؤال هذا الدين الى اين؟ ما هي مخاطره وكيف بالامكان لجمه؟

غبريل

كبير الاقتصاديين ورئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل  يلفت الى ان الدين العام سوف يتصاعد ويتنامى بشكل خطيراذا لم تتخذ بسرعة الاجراءات اللازمة المساعدة على تخفيض النفقات وتخفيف العجز بعد رفع حجم الايرادات واذا لم يتم تحقيق الاصلاحات البنيوية الضرورية.

ويقول غبريل "للاقتصاد"  :من ناحية النفقات الجارية ، لايجوزالقول انه من غير الممكن حصرها . فمثلاً في ما خص دعم  الكهرباء ، فان هناك تراجع في قيمة التحويلات الى المؤسسة بنسبة 47% بعد تراجع  اسعارالنفط العالمية، الا ان هذا يجب ان يترافق مع تنفيذ اصلاحات في قطاع الكهرباء ومنح رخص انتاج الكهرباء للقطاع الخاص الذي هو على اتم الجهوزية  للدخول  الى قطاع الطاقة.

وفي ما يتعلق بالانفاق في القطاع العام من المفترض وقف التوظيف العشوائي في اداراته ودوائره لانه يرّتب اعباء كبيرة لايمكن تحملها.

والاهم من ذلك ، تبقى اهمية تطبيق الاصلاح الجدي في نظام التقاعد في هذا القطاع الذي يلزم الدولة والخزينة بنفقات كبيرة على المعاشات بشكل غير علمي. ومن المعروف انه في كل انظمة   العالم  لاتكرّس استمرارية الإفادة من معاشات التقاعد الى ما لا نهاية للذين هم على عاتق المتقاعد.

هذا فضلاً عن الحاجة الملحة الى مكافحة الهدر على كل المستويات .

تراجع الدين العام والاستدانة

وفي ما يتعلق بالدين العام، فان تراجعه مرتبط  بتراجع الدولة عن الاستدانة. وهذا بالطبع ينعكس ايجابا  على التصنيف الائتماني  للبنان ويخفض مخاطر الدين على السندات التي تلجأ اليها الحكومة.

كما انه لايجوز ابداً التفكير بزيادة اي ضرائب جديدة او حتى رسوم لانه ما من احد من افراد او أسر اوحتى شركات  يستطيع  تحّمل اعبائها سواء ان كانت ضرائب على الدخل، او ضرائب على الاستهلاك او ضرائب على الارباح او غير ذلك...

وفي موزاة  ذلك، من المفترض اتخاذ الاجراءات التالية:

اولاً: مكافحة التهرّب الضريبي بكل اشكاله وفي كل المجالات.

ثانياً: تعزيز الجباية وتفعيلها لاسيما في قطاع الكهرباء والميكانيك .

ثالثاً:إعادة النظر في بعض الضرائب والرسوم المطبقة ؛ فمثلا بالنسبة للرسوم على العقاراتفهي اليوم بنسبة 6% من قيمة العقار . وهذا يدفع بعدد كبير الى التهرّب من تسجيل العقارات وبالتالي يحرم الخزينة من مورد هام . فيما انه لو تم اللجوء الى تخفيضها الى نسبة 3% لمدة سنتين او أكثر ، فان الامر سيكون معاكساً وسيرفد الخزينة بمداخيل اضافية  من هذا الباب.

رابعاً: تحرير قطاع الاتصالات والسماح لاكثر من شركة  جديدة بالدخول اليه في اطار المنافسة المحقة، مما يساعد على ان يكون وضع السوق هو المقرر الاساسي للاسعار وليس الدولة.

كما ان هذا الامر سيساعد حتما في تحسين نوعية الخدمات ويرفع من مستواها.

خامساً: الاسراع في إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يجنّب الدولة المزيد من الاستدانة للنفقات الاستثمارية التي يتولاها القطاع الخاص .وهي دون شك  نفقات ايجابية وحيوية تساعد على النمو وعلى تطوير البنى التحتية. كما تساعد على رفع مستوى تنافسية الاقتصاد اللبناني. ومن الواضح اليوم  ان البنى التحتية المترهلة وعبء القطاع العام على القطاع الخاص، هما سببان رئيسيان في تباطؤ الاقتصاد اللبناني. وبالتالي، فان هذه الشراكة تؤمن  استقطاب المؤسسات الدولية لتقديم المساعدات والدخول في المشاريع.

ويلفت غبريل الى ان عجز الدولة اليوم  هو بحدود 4و 5 مليارات دولار.ويتم التداول بانه قد يصل الى نحو 6 مليارات عام 2016.

اما الدين العام فإن نسبته هي 144% من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2016، وهو الى مزيد من الارتفاع  في العام 2017 اذا لم يتم اعتماد الاصلاحات بشكل جدي. واذا لم تتم مساعدة الاقتصاد على تحقيق النمو وتحسن الانتاج حيث من المرتقب ان يكون هذا النمو 3،5% هذا العام بعدما سجل 1،4% في ال2016. علما ان ذلك مرتبط  بتحسّن ثقة المستهلك التي هي مشروطة برزمة اجراءات عملية من شأنها تحسين مستوى معيشة الافراد.

احتل لبنان المرتبة الثالثة عالمياً والأولى عربياً على صعيد نسبة الدين العام الى مجمل الناتج المحلي بين 19 دولة، وفق تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانيّة. ويستند التقرير إلى مجموعة من المؤشّرات، أبرزها مسح التنافسية العالميّة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ومستوى الدين العام، والناتج المحلي الإجمالي.

يجمع الخبراء الاقتصاديون على ان الاستدانة يجب ان تكون للنفقات الاستثمارية وليس للنفقات الجارية، وهذا ما لم يحصل في لبنان  خلال الـ22 عاما الماضية اذ ان نسبة 9% فقط من النققات قد خصصت لمجمل البنية التحتية التي تشكو حتى الان من نقص كبير في كل المجالات.

فهل ننتظر في العهد الجديد بلورة رؤية اقتصادية مالية جديدة تأخذ في الحسبان  إتقان استعمال السياسة والمالية والنقدية لصالح  تكبير حجم الاقتصاد ككل بعد فرملة الدين ؟