هو إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى... يستقبل الجميع بصدر رحب وابتسامة مطمئنة... يتعامل بصدق وأمانة مع نفسه أولا، وثانيا مع الآخرين... يحيّد الـ"أنا" من أجل خدمة الجماعة... يعامِل الناس بمحبة واحترام ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويقف إلى جانبهم في اللحظات الصعبة... يعطي بلا حدود ولا ينتظر المقابل... يزرع الأمل في نفس من يقصده ويؤدي واجباته الإنسانية والطبية على أكمل وجه...

هو رجل حديدي ذات قلب أبيض، لا يتوانى أبداً عن تقديم المساعدة والدعم لكل من يقصده، وداره مفتوحة أمام كل محتاج أو مريض أو طالب خدمة. فبعد كل ما قدمه من جهد وعطاء لخدمة المجتمع، ما زال شعلة متّقدة من العمل المتواصل والعطاء المتجدد واللامحدود. إنه رئيس "الصليب الأحمر اللبناني" ومدير قسم الطوارئ في مستشفى "أوتيل ديو"، دكتور أنطوان الزغبي الذي أراه باختصار  وشخصاً نفتخر بوجوده بيننا.

تخصص الزغبي في طب الطوارئ في فرنسا، وشارك في تأسيس المجلس اللبناني لطب الطوارئ. وهو اليوم عضو في اللجنة الوطنية للطوارئ الطبية، وعضو في الجمعية الفرنسية لطب الطوارئ، وعضو فخري في الأكاديمية الأميركية لطب الطوارئ، وعضو ناشط في عدد من الجمعيات والجماعات الدينية والإجتماعية والثقافية، وأستاذ محاضر في كلية الطب في "جامعة القديس يوسف"، "USJ".

شارك في مراقبة العمليات الطبية وخطط الطوارئ في القمة الفرانكوفونية ومؤتمر القمة العربية في بيروت. كما شارك في الرعاية الطبية، وأشرف على إنقاذ الجرحى من الجيش في معارك مخيم نهر البارد.

كان لـ"الاقتصاد" لقاء خاص مع الزغبي دار خلاله هذا الحديث الشيّق:

* كيف تصف مسيرتك المهنية الطويلة؟ هل مرّت بسلاسة أم كانت مليئة بالعوائق والصعوبات؟

الصعوبات كثيرة في لبنان، لكن مسيرتي لم تكن مليئة بالعوائق المستعصية، فلقد عملت بانتظام، وتسلقت السلم درجة درجة.

وطوال حياتي، كنت حريصاً على الإنسان والإسانية، وعملت من أجل الإنسان والإنسانية، وبالتالي لم يكن هدفي يوماً تحصيل ثروة، أو الوصول إلى مركز معين من خلال مهنتي، بل لطالما ركّزت اهتمامي على خدمة الإنسان، لكي يشعر أن طبيبه يقف إلى جانبه في الأيام الصعبة، ولا يعاينه فحسب.

فأنا أحضر في المحن دائما ، وفي اللحظات التي يكون فيها الإنسان بحاجة الى أخيه الإنسان؛ وبالتالي هذه هي مهنتي ومسيرتي بأكملها...

بدأت بالعمل في طب الطوارئ، حيث كل لحظة قد تكون مصيرية؛ لذلك مهما تعلّمنا في الكتاب، سنجد أن الواقع على الأرض مختلف، لأننا سنواجه يومياً مشاكل جديدة ومفاجئة؛ مثل مشاكل الطبابة، والأمراض، والأهل، وعوائق الدخول إلى المستشفى في لبنان... وبالتالي يجب أن أتواجد دائما إلى جانب المريض وأهله، فمهنة الطوارئ ليست سهلة ونعيش عنصر المفاجأة في كل لحظة.

* أخبرنا عن منصبك الجديد كرئيس لـ"الصليب الأحمر اللبناني"؟

أنا مناضل ومتطوّع في "الصليب الأحمر اللبناني" منذ العام 2000. وبحكم وظيفتي في قسم الطوارئ، كنت المدير الطبي في الجمعية، بسبب تعاوني المباشر والمتواصل معها؛ فهذا عملي وإختصاصي، وأنا مهتمّ كثيراً بالحلقة الأولى في الطوارئ، أي حلقة الإسعاف، والتي تبدأ في مكان الإصابة وتنتهي على بوابة المشفى، و"الصليب الأحمر اللبناني" يتولّى هذه المسؤولية في لبنان.

ولقد انضممت إلى الجمعية من أجل تعزيز هذه الحلقة الأولى وتقويتها وتنظيمها، ولكي نتمكن معاً من تأمين الأمن والأمان الصحي للمواطنين؛ والأمن الصحي يبدأ قبل العلاج وينتهي عند العلاج، أما الأمان الصحي فيتضمن كل هذه المنظومة التي تدفع الإنسان للاتصال برقم الـ140 حين يواجه أي مشكلة صحية.

حلمي أن يصل المريض الى المستشفى دون أن "يشحد" دخوله!

* ما هي برأيك العوامل والصفات التي أسهمت في وصولك إلى ما أنت عليه اليوم؟

لا أتمتع إلا بصفة واحدة وهي محبة أخي الإنسان، فعندما تكون المحبة موجودة في قلوبنا، سنتمكن من تحقيق كل شيء! وهذه هي الصفة الوحيدة التي تخولني الحصول على الصفات كافة؛ فالقديس بولس يقول: "دون محبة لا تستطيع تحقيق شيء".

* من قدّم لك الدعم الأكبر طوال مسيرتك المهنية؟ وهل تلقيت الدعم المعنوي من العائلة والمقرّبين؟

أنا أتلقى الدعم دائما من عائلتي، ووالدتي، وإخوتي، وبلدتي الكحالة، ومن عدد كبير من الأصدقاء الذين لطالما ساندوني، ومن جميع الأشخاص الذين خدمتهم ووقفت إلى جانبهم في اللحظات الصعبة.

فالإنسان سيحقق أكبر النجاحات عندما تكون مسيرته جدّية، خاصة إذا كانت مبنية أيضا على الخدمة العامة. ومن جهة أخرى، لا يستطيع الوصول بدون الدعم المعنوي من محيطه!

* هل شعرت يوماً بالتقصير تجاه عائلتك وأولادك بسبب انشغالك بالعمل؟

كلما أعطى الشخص وقتاً معيّنا للعمل، انتزع هذا الوقت من عائلته، فالإنسان سيقع حتما ضحية التقصير، وخاصة الطبيب! والعائلة الصغيرة هي من يدفع الثمن

أحيانا لأنني لا أتمكن من تمضية الوقت الكافي معها، لكنها تتفهم وضعي، في حين أن أشخاصاً آخرين لا يتفهمون هذا الواقع. لذلك نستفيد قدر الإمكان من الوقت الذي نعطيه ونخصصه لبعضنا البعض.

ولا بد من الاشارة إلى أنني محظوظ أيضا بعائلتي الكبيرة الموجودة في عيادتي، وفي مشفى "أوتيل ديو"، وجمعية "الصليب الأحمر اللبناني"، والتي تتوسع يوماً بعد يوم.

* ما هو الإنجاز الأكبر الذي حققته إلى اليوم على الصعيد المهني؟

الإنجاز الأكبر هو ترسيخ فكرة معينة في قسم الطوارئ في لبنان، مبنية على العمل المجاني في الطوارئ. لقد تعاونا مع "الصليب الأحمر اللبناني" في العديد من المجالات، وطورنا العمل الطبي الذي يسبق المستشفى.

وبذلك أعتبر أنني أسهمت في خلق جو غير مادي في الطوارئ في لبنان، حيث يتم التركيز على خدمة الإنسان والحالة الطارئة، ولقد حققنا نجاحا كبيراً في إيصال هذه الفكرة إلى عدد كبير من الناس.

* ما هي طموحاتك ومشاريعك المستقبلية؟

أطمح أن نحصل في لبنان على نظام طوارئ عصري، يحمي الضعيف على جميع الأراضي اللبنانية. وأتمنى أن ينال الإنسان الفرصة ذاتها أينما وُجد، وأن يحصل على نوعية الطبابة ذاتها، وعلى الفعالية ذاتها!

فحلمي أن يصل المريض إلى المستشفى دون أن "يشحد" دخوله، وأن يكون لدينا نظام يساعده ويوجّهه ويستقبله. وهذا ما نسعى إلى تحقيقه مع الناس، والمسؤولين، والدولة، والمستشفيات، والأطباء. فعلينا أن نجتمع حول كيفية استقبال الإنسان، وإسعاف الإنسان، واحترام الإنسان وكرامته.

أما على الصعيد الشخصي، فأنا يكفيني أن أكون رئيس "الصليب الأحمر اللبناني"، وعند حصولي على هذا المنصب، حققت إنجازا كبيراً، لأنني أصبحت على رأس جمعية وطنية مشهورة في عطاءاتها، وتضحياتها، ومهنيّتها، وتثقيفها، وحياديّتها، ونظافتها.

* ما هي النصحية التي تقدمها إلى جيل الشباب في لبنان؟

يجب أن نؤمن أولاً بعمل الإنسان في لبنان، فلا شيء سيرفعه ويتيح له التقدم في الحياة، سوى المسيرة المهنية الناجحة!

ومن ناحية أخرى، عليه أن يكون صادقاً مع نفسه، ويحب الناس، ويركّز على التزاماته، ويتحلّى بالأخلاق المهنية والمنزلية، وبالضمير الذي يؤدّي دوراً أساسياً في حياتنا، لأننا بحاجة إلى مواطنية صالحة. فالله يعطي الذكاء، والقوة، والقدرة، والحظ، لكن الإنسان الصادق والأخلاقي هو الذي سينجح بكل تأكيد!

فالنجاح ليس مادياً أبداً، بل هو معنوي بحت؛ ونحن سنشعر بهذا النجاح عندما نحقق التحسينات والإنجازات التي تفيد أخانا الإنسان...