أثبت العهد الجديد والحكومة اللبنانية خلال أيام قليلة نيّتهم الجدية على العمل والإنتاج، وذلك بعد إقرار مرسومي النفط والغاز سريعاً، والقيام بجولة خليجية على كل من السعودية وقطر لإعادة رسم العلاقات وتذليل العقبات بوجه عودة السياح والمستثمرين العرب إلى لبنان.

إلا ان المشاكل التي تواجه هذا العهد كبيرة جدا ومتراكمة على مدى سنوات، وهناك عدد كبير من المراسيم ومشاريع القوانين التي يجب إقرارها والسير بها بهدف إعادة البلاد إلى السكة الصحيحة، وعلى رأس تلك الأمور إنجاز الموازنة العامة، وإقرار مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وحل أزمة النفايات، وكبح الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان وزيادة التغذية الكهربائية للمناطق .. فكل هذه الأمور قادرة على إشعار المواطن بتغيير فعلي يحسّن من طريقة حياته ومن ثقته بالدولة.

فهل بدأت تنعكس إنتاجية الحكومة الحالية على الإقتصاد بشكل عام ؟ وما هي أبرز الأهداف التي يجب أن تضعها الحكومة نصب أعينها لإحداث تغييرات سريعة وملموسة على أرض الواقع؟

في هذا السياق أشار رئيس الرابطة العالمية لخبراء الاقتصاد في لبنان وعميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة، البروفيسور روك أنطوان مهنا في حديث لـ"الإقتصاد" إلى ان "مجرّد إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تضم معظم الأقطاب السياسية في البلد، أعطى إستقراراً نفسياّ للناس وثقة تُرجمت بزيادة في الإستهلاك والإستثمار"، معتبرا "أن إقرار مراسيم النفط والغاز الذي جاء سريعا في أول إجتماع للحكومة الجديدة يثبت أن هناك إتفاق على معظم الأمور الشائكة والأساسية، مما يعطي أملا للجميع بأنه لن يكون هناك تصادما سياسيا في الملفات المهمة القادمة، وأن الأمور ستسير على الطريق الصحيح".

ولفت إلى أن "زيارة رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية وقطر، هو امر أساسي لإعادة إصلاح العلاقات مع دول الخليج التي تعتبر عاموداّ فقرياّ للبنان ليس فقط في موضوع السياحة، بل في الإستثمارات والقطاع العقاري أيضاّ .. وما يُعوَّل عليه أيضا من خلال هذه الزيارة هو إعادة الإفراج عن الهبة المقدمة للجيش اللبناني... إلا أن كل هذه الأمور تبقى آمالاّ، والعبرة هي في التنفيذ الفعلي عبر إلغاء الحظر الخليجي وإعادة الهبة للجيش اللبناني".

وفيما يتعلق بالملفات المهمة التي يمكن للحكومة الحالية إنجازها قال مهنا "هناك قانون الإنتخاب الذي يعتبر أساسي اليوم، فهو الوسيلة الوحيدة لإحداث تغيير في الطاقم السياسي وإصلاح النظام وتحقيق إستقرار وإصلاح مستدام على المدى البعيد . كما أن هناك العديد من الملفات الحياتية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، وأهمها إستكمال مراسيم النفط بإقرار المرسوم المتعلق بالقانون الضريبي، ومرسوم إستقلالية وشفافية الصندوق السيادي ... إضافة إلى إقرار قوانين خاصة بمكافحة الفساد موجودة في المجلس النيابي، وهي: قانون الإثراء غير المشروع، قانون حماية كاشفي الفساد، قانون حق الإطلاع على المعلومات، وقانون الحكومة الإلكترونية .. إذ أن إقرار هذه القوانين يعطي إنطباعاً لدى المواطن بأن الحكومة جديّة في عملها وفي السير نحو التغيير".

وأكمل "من المشاريع الملحة أيضا إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث يساعد ذلك على إعادة تأهيل البنى التحتية اللبنانية المهترئة منذ سنوات، وخاصة قطاع الكهرباء الذي يؤثر على حياة المواطن اليومية بشكل مباشر... وعلى الحكومة أيضا إستغلال الظرف الإيجابي الدولي للدعوة لمؤتمر باريس 4 مثلا او للحصول على مساعدات دولية بشأن النازحين السوريين .. وهنا لبنان ليس بحاجة لأموال بل لإستثمارات بمشاريع تنموية كبيرة (سدود للمياه، بناء معامل للطاقة، معامل لمعالجة النفايات .. )، فهذه المشاريع تساهم في تشغيل العامل السوري من جهة، وتفيد المواطن اللبناني من خلال البنى التحتية من جهة أخرى".

ولفت إلى أن "حل ملف النفايات هو من أبرز الأمور التي يجب على الحكومة العمل عليها، إضافة إلى ملف الميكانيك، والكهرباء والمياه، وأزمة السير – وإن من خلال حلول آنية - .. إضافة إلى محاولة الحفاظ على الأمن وإستقرار الليرة اللبنانية".

وإعتبر مهنّا أنه "لم يعد هناك حجة لعدم إقرار موازنة عامة بعد توقف دام 11 سنة تقريبا، فلبنان لا يمكنه طلب عقد مؤتمر دولي للحصول على مساعدات مثلا بدون إقرار موازنة عامة .. والظرف حاليا مناسب جدا لإنجازها وإقرارها".

وأكد على أن "إنجاز كل هذه الأمور التي ذكرت، سيعطي زخماّ إيجابيا للإقتصاد وسينعكس إيجابا على حياة المواطن اليومية، وسيمهد الطريق أمام قدوم حكومة جديدة بعد الإنتخابات نتمناها أن تكون أفضل بالشكل والمضمون، وتحتوي على متخصصين في وزاراتهم .. خاصة وأن الحكومة الحالية لا تحتوي على وزراء متخصصين، مما يضطرهم لتعيين جيوش من المستشارين وهدر وإنفاق الكثير من المال مقابل إنتاجية وفعالية أقل".

وردا على سؤالنا حول إمكانية تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحسب طرح رئيس الجمهورية، ومدى تأثير ذلك على الإستقرار النقدي وعلى سعر الليرة، قال مهنّا "أن الإستقرار النقدي هو عامل نفسي عموماً .. ولكن في نفس الوقت لا يجب أن يكون أي إقتصاد او أي قطاع إقتصادي مبني على شخص واحد فقط"، معتبرا أن "المرحلة الماضية شهدت فراغ في الدولة وسياسة مالية غير منضبطة دفعت بالبنك المكرزي وحاكم المصرف لإعتماد سياسات معينة، وللقيام بمهام لا تندرج ضمن مهامه الفعلية .. ولكن إن كان هناك نيّة للتغيير فيجب أن يتم ذلك من خلال دراسة علمية إقتصادية وليست سياسية، لأن هذا الموضوع حسّاس، ولا يمكن البدء بالتغيير في ظل وضع إقتصادي غير مستقر .. لهذا علينا التروي والعمل على بناء ركائز متينة للإقتصاد أولا، ووضع الأمور على السكة الصحيحة، وبعد ذلك تختفي الريبة إذا صح التعبير أو ما يسمى (uncertainty)، في حال إتخذنا قرار بالتغيير في مركز حسّاس كحاكمية مصرف لبنان".