وعود كثيرة أطلقتها ​الحكومة اللبنانية​ في بيانها الوزارية، ويحق لنا كمراقبين السؤال عن الطريقة التي ستتبعها الحكومة لتنفيذ هذه الوعود وخصوصًا شقّيها الإقتصادي والإجتماعي.

هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات خاصة بموقع الاقتصاد تهدف إلى طرح سياسة إقتصادية شاملة تسمح بتنفيذ هذه الوعود. وإليكم الجزء الأول.

المعروف أن الاقتصاد اللبناني هو إقتصاد حرّ كم نصّت عليه الفقرة "و" من مُقدمة الدستور. وبالتالي يتوجّب على الحكومة اللبنانية أن تحترم الدستور من خلال إحترامها للإقتصاد الحرّ. لكن ماذا يعني إقتصاد حرّ؟

في الواقع عبارة "إقتصاد حرّ" هي مقتبس من اللغة الأجنبية "الليبرالية الإقتصادية" والتي نشأت تحت تأثير العالمين أدام سميث ودايفد ريكاردو الذين إعتبرا أن مهام الدولة يجب أن تكون مهام تنظيمية (الجيش، العدالة، الأمن الداخلي)، إنشاء المباني العامّة وفرض إحترام قواعد التنافسية.

وبالتالي فإن الليبرالية تعتمد على مبدأ أن السوق هو الطريقة الأكثر فعّالية للتنظيم النشاط الاقتصادي وبالتالي يجب تفادي أي تدخّل من قبل الدولة يُزعزع هذا النشاط (العجز المُزمن في الموازنة والإقتراض من الأسواق هو نوع من أنواع التدخل الذي يُزعزع الإقتصاد). وبالتالي فإن الليبراليين يرون دور الدولة في الاقتصاد دور مُشجّع للتنافسية، وخلق إطار قانوني يسمح بتأمين عمل طبيعي للأسواق وضمان حرية التنافسية.

التاريخ أثبت محدودية هذه المبادئ خصوصًا مع أزمة العام 1929 التي دفعت الدول إلى تغيير دورها وأصبحت تتدخل في الإقتصاد. وبالتالي ومنذ العام 1945 (بعد الحرب العالمية الثانية)، أصبحت الحكومات تتدخل أكثر وأكثر في الحياة الإقتصادية وتمّ تبرير هذا التدخل من قبل العالم الإقتصادي كينز الذي قال إنه يتوجّب على الدولة أن تتدخل حين تفشّل الدورة الإقتصادية.

وهنا يُطرح سؤال أساسي: ماذا قصد المُشرّع اللبناني حين قال "النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة"؟ هل كان يقصد تدخّل الدوّلة بالدورة الإقتصادية أم أنه كان يعني ضبط المنافسة فقط؟

على كل الأحوال وبغض النظر عما قصد المُشرّع اللبناني، يتوجب تدخل الدولة في الدورة الإقتصادية حين تفشل هذه الأخيرة ضمن سياسة إقتصادية وهذا هو رأينا كإقتصاديين خصوصًا أن سياسة التدخل (إذا كانت جيدة) لا تتعارض مع مبدأ الاقتصاد الحرّ لأن هذا التدخل له دافع وحيد وهو دافع إجتماعي (يُقال في الاقتصاد: من دولة الأمن إلى دولة الرفاه).

السياسة الإقتصادية هي عبارة عن مجموعة قرارات تأخذها الحكومة بهدف تحقيق أهداف إقتصادية وضعتها هذه الحكومة. هذه السياسة ومن خلال أهدافها المُعلنة تهدف إلى تحسين الوضع الإجتماعي للبلد من خلال العدالة الاجتماعية، التضامن الوطني، تقليل التمايز بين الطبقات الإجتماعية، وتحسين مُستوى المعيشة. ولتحقيق هذه الأهداف تستخدم السلطات عدة أدوات هي: السياسة النقدية، السياسة المالية، السياسة الضريبية، السياسة الإجتماعية، وسياسة الدخل.

وتنقسم السياسة الإقتصادية إلى شقّين أساسيين بحسب الوقت:

1- سياسة هيكلية على المدى البعيد وتهدف إلى تغيير عميق في طريقة عمل الماكينة الإقتصادية بهدف تحسين هيكلية وأُسس الاقتصاد. وبالتالي يُمكن إعتبارها كمجموعة الإجراءات التي تتخذها الحكومة لتحقيق هذا الهدف.

2- سياسة ظرفية محدودة في الوقت (مدى قصير ومتوسط) وتهدف إلى تحقيق الأهداف التالية (المُربّع السحري – نيكولا كالدور): خفض البطالة، لجم التضخم، تحفيز النمو، وتوازن الميزان التجاري.

لوضع سياسة إقتصادية للبنان، يتوجب الإنطلاق من أرقام دقيقة للوضع الاقتصادي والإجتماعي في لبنان، وهذا ما نفتقده للأسف. لذا يتوجب على الحكومة بدء مشروع جردة كاملة للوضعين الاقتصادي والإجتماعي في لبنان وذلك بغض النظر عن إي إعتبار أخر.

على الرغم من غياب توصيف دقيق للوضع (بالأرقام)، يُمكننا الإنطلاق من الأرقام المُتوفرة (2015):

1– هيكلية الاقتصاد: القطاع الزراعي 5.1%، القطاع الصناعي 19.1%، قطاع الخدمات 75.8%؛

2–المؤشرات العامّة: نمو إقتصادي 1 إلى 1.3%، ناتج محلّي إجمالي 50.8 مليار دولار أميركي، أسعار الإستهلاك 95.9 (الأساس 2013)، مؤشر ثقة المُستهلك 35.4، المؤشر الاقتصادي العام 302 (الأساس 1993)؛

3–قطاع البناء والعقارات: رخص البناء 12338 (ألف م)، الإسمنت 5043 (ألف طن)، مجموع البيع 63386؛

4– القطاع السياحي: عدد السياح 1.5 مليون، معدل الإشغال في الفنادق 56%، عدد المسافرين عبر مطار بيروت 7.24 مليون؛

5–القطاع الخارجي: الصادرات 2.95 مليار د.أ، الواردات 18 مليار د.أ، تدفقات الرساميل 11.8 مليار د.أ، الإستثمار الأجنبي المُباشر 2.34 مليار د.أ، عجز ميزان المدفوعات 3.35 مليار د.أ، إيرادات مرفأ بيروت 244 مليون د.أ؛

6– المالية العامّة: الإيرادات 9.6 مليار د.أ، النفقات 13.5 مليار د.أ، الميزان الأولّي 724 مليون د.أ، الدين العام 70 مليار د.أ؛

7–القطاع المصرفي التجاري: موجودات 186 مليار د.أ، ودائع القطاع الخاص 152 مليار د.أ، قروض للقطاع الخاص 54 مليار د.أ، قروض للقطاع العام 38 مليار د.أ؛

8– مصرف لبنان: موجودات 40.5 مليار د.أ، إحتياط عملات أجنبية 30.6 مليار د.أ، ذهب 9.85 مليار د.أ، سعر الفائدة الحقيقي 5.5%؛

9– القطاع النقديالمالي: قيمة الشيكات المقاصة 70 مليار د.أ، قروض كفالات 93 مليون د.أ، بورصة بيروت 11 مليار د.أ.

في الجزء الثاني سنتحدّث عن نوع السياسة الإقتصادية الواجب إتباعها، وسنبّدأ مع السياسة الهيكلية.