تتوالى قرارات الحكومة الجديدة أو حكومة إعادة الثقة، لتثبت مرّة بعد مرّة أن العهد الجديد يحمل معه ازدهارا يطاول جميع القطاعات. فخلال الأسبوع الماضي، تم إقرار مرسومي النفط والغاز اللذين قضيا بأن يتم تقسيم المياه البحرية اللبنانية على شكل رقع ودفتر الشروط المتضمن نموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج، وذلك بعد تأخير تجاوز مدة الثلاث سنوات. من ناحية أخرى، تم تشكيل لجنة وزارية لدرس موضوع المناقصة العمومية المفتوحة لتلزيم مشروع تشغيل المحطات الموجودة للمعاينة وتحديثها وتطويرها، والكشف الميكانيكي على المركبات الآلية. كما عيّن مجلس الوزراء عماد كريدية مديراً عاماً لهيئة "أوجيرو"، وباسل الأيوبي مديراً عاماً للإستثمار والصيانة في وزارة الإتصالات.

أما اليوم، فغادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بيروت متوجهاً الى الرياض في زيارة رسمية الى السعودية تلبية لدعوة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسيزور يوم الاربعاء قطر تلبية لدعوة من أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

هذه القرارات والمبادرات أدت الى صدمة إيجابية ودفعة قوية للاقتصاد، فولادة العهد الجديد والأجواء الإيجابية المنبثقة عنها، وسّعت رقعة الأمل في قلوب وعقول اللبنانيين، بعد أن لامس الوضع الحضيض وبلغ البلد حافة الإنهيار الإقتصادي. فأولوية المسؤولين السياسيين اليوم مخصصة لمسألة تحسين وتحصين الإقتصاد، مع الأخذ بعين الاعتبار المشاكل السياسية والأمنية الملحّة، والعمل على إيجاد حلول لها.

فكيف هي أوضاع الاقتصاد اللبناني اليوم؟ هل هناك تفاؤل من عودة الاستثمارات في المستقبل القريب؟ هل سيتحسن القطاع السياحي في العام 2017؟ وما هي الخطوات التي على الحكومة اتخاذها في الوقت الحاضر من أجل ضمان استمرارية الأجواء الإيجابية القائمة؟

أجاب على هذه الأسئلة الخبير الاقتصاد د. ​مازن سويد​ في هذا الحديث الخاص مع "الاقتصاد":

- غادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بيروت الاثنين متوجهاً الى الرياض في زيارة رسمية الى السعودية، ومن الرتقب أن يزور دولة قطر. هل ستؤدي هذه الزيارة الى نتائج إيجابية من ناحية تحسن الاستثمارات وعودة السائح الخليجي في لبنان؟

يعول على هذه الرحلة كثيرا، لأنها ستعيد العلاقات الجيدة ما بين لبنان والخليج العربي، الذي كان وسيبقى أحد الشركاء الأساسيين لاقتصادنا المحلي، سواء كان ذلك على صعيد السياحة أو على صعيد الاستثمار الخارجي المباشر.

لقد رأينا في الماضي، كيف أثّر غياب الخليجيين عن لبنان على السياحة وعلى نسبة الاستثمارات، التي أدت بدورها الى انخفاض معدلات النمو الى ما دون نسبة الـ2% على مدى السنوات الأربع الماضية.

وبالتالي بعد انتخاب الرئيس عون، شهدنا على اهتمام خليجي، حيث استقبل وفدا سعوديا مرتين، واليوم يعود الرئيس باختياره السعودية كزيارة الأولى الى خارج لبنان، ليؤكد أن الخليج هو بالفعل الشريك الاستراتيجي للاقتصاد اللبناني، ولا بديل عن العلاقات المميزة ما بين لبنان والدول الخليجية.

ونأمل بعد هذه الزيارة، أن تعود بالفعل الاستثمارات الخليجية ويعود السياح الخليجيين، الذين بدأنا نشهد على عودة البعض منهم. لكننا بحاجة بالطبع الى وتيرة أعلى لكي نتمكن مجددا من تحقيق معدلات نمو يحتاجها اقتصادنا، تتخطى نسبة الـ5%.

- الى أي مدى سنستفيد من اقرار مراسيم النفط التي كانت نقطة عالقة في مجلس الوزراء؟ وهل ستدفع بنا هذه الخطوة الى الأمام على الصعيد الاقتصادي؟

بالطبع ستدفعنا الى الأمام، علما أن هذه الخطوة أتت متأخرة جدا، بالمقارنة مع قبرص والعدو الاسرائيلي. فنحن متأخرون للغاية من ناحية السير قدما بهذه العملية، كما أننا بحاجة الى 5 أو 6 سنوات على الأقل لكي نبدأ باستخراج النفط، وذلك في حال تحققت كل الأمور بحسب الأصول وأفضل الممارسات.

وبالتالي هذه بالطبع تعتبر خطوة ايجابية، اذ أنه آن الأوان لكي ننطلق في ملف النفط، والكهرباء، والمياه، والطرقات، والسدود،... فخلال 5 سنوات لم تحصل "ضربة مسمار" واحدة في البلد، وبالتالي أي مكان نبدأ منه سيكون جيدا ومتأخرا أيضا! ولكن "على أن تبدأ متأخرا، أفضل من أن لا تبدأ أبدا!".

ولا بد من الاشارة الى أن المواضيع كافة، سوف تؤدي الى بعض التجاذبات، لأن البلد لا يزال للأسف مقسما طائفيا. انما نشهد اليوم على جو ايجابي، وخاصة ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وهذه العلاقة يعول عليها، وتبين أنهما ينظران الى التوجه ذاته، ولديهما رغبة موحدة في إنجاح هذه الحكومة. فالجميع يشعر بالملل والتعب من التجاذبات التي أثبتت على المدى السنوات الخمس الماضية أنها "لا تطعم الخبز للبنانيين".

لكن لا يمكن التوقع أن تسير جميع الأمور بسلاسة، بل يجب انتظار بعض المطبات. انما من المهم تجاوزها بسرعة، والاستمرار بالسير قدما على الرغم من جميع العوائق، لأن المواطن اللبناني متعطش الى التقدم، والاقتصاد بحاجة الى كل التحسينات الايجابية الذي يستطيع الحصول عليها.

- هل هناك تفاؤل من المرحلة المقبلة؟

التفاؤل موجود، فالمؤشرات الاقتصادية كافة، بدأت تدلّ على نوع من الانفراج والتحسن في الوضع الاقتصادي. لكننا بحاجة الى المزيد من الوقت لكي نلتمس هذا التحسن في معدلات النمو. انما مؤشر مصرف لبنان للحركة الاقتصادية بدأ يبين بعض التحسن.

- ما هي برأيك الخطوات أو الأولويات التي يجب على الحكومة الجديدة اتّباعها؟

اقرار الموازنة هي الأولوية الكبرى للحكومة، لأنها كانت من الأسباب الأساسية المعطلة للبلد خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك بحسب المؤسسات الدولية، والدول المانحة، والشركاء الدوليين الذين كانوا يقولون أن لبنان هو بلد غائب عنه العمل المؤسساتي؛ فرئاسة الجمهورية شاغرة، والحكومة معطلة، ومجلس النواب لا يشرع، والموازنة لا تقر،...

لكننا عدنا اليوم لكي نبعث الروح في المؤسسات كافة، وينقصنا فقط موضوع الموازنة الذي يكمّل هذه العودة الى الالتزام بالدستور وانتظام عمل المؤسسات؛ وهذا الأمر أساسي وضروري. واذا لم تتمكن هذه الحكومة من اقرار الموازنة، سنصاب بالفعل بخيبة أمل كبيرة.

وبالاضافة الى اقرار الموازنة، على الحكومة أن تقرّ نوعا من الاجراءات السريعة التي من الممكن أن تضخ الحيوية في الاقتصاد، وتبعث الاشارة المناسبة للمستثمر اللبناني والأجنبي والخليجي، لتطمئنه أن "هناك سائق وراء المقود".

وبعد غياب 5 سنوات، يجب أن يكون الموضوع الاقتصادي أساسي، وذات أولوية في الحكومة.

ونحن تنظر أن يتم اجراء الانتخابات النيابية، اذ أنه من الضروري أن تحصل خلال فترة الصيف، لكي تكتمل تماما عملية تجديد الروح في المؤسسات.